عندما أُسر عدد من الإسرائيليين في حرب 1973 -وعلى رأسهم عساف ياجوري- ماذا كان من المفترض أن نفعل بهم لو اكتشفنا أصول بعضهم المصرية، وأنهم كانوا مواطنين مصريين قبل أن يُهاجروا إلى فلسطينالمحتلة، ويُصبحوا مواطنين إسرائيليين يحملون الهوية الصهيونية؟ هل كنّا سنرحّب بهم قائلين بأن هؤلاء مواطنين مصريين، ونعطيهم ما تركوه من عقارات وأموال تركوها خلفهم برغبتهم للانضمام إلى القافلة الصهيونية التي قامت بمعاداة الإسلام والمسلمين والعرب أجمعين، وقتلت في 3 حروب ما قتلت من المصريين الذين كانوا يدافعون عن أراضيهم، وما قامت به في حروب الاستنزاف من قتل المدنيين من الأطفال في مدرسة بحر البقر والعمال في أبو زعبل؟ أم إنهم عُومِلوا كأسرى حرب جاءوا ليعتدوا على بلادنا بصرف النظر عن أصولهم؛ فهم في النهاية مواطنون إسرائيليون يُدافعون عن أرض احتلوها. بل لو أننا فكّرنا قليلا.. لوجدنا أن المصري الذي ما زال على مصريته ويخون ضميره ويعمل جاسوسا لمصلحة إسرائيل، نقوم بمحاكمته وربما إعدامه بتهمة الخيانة العظمى. الواقع أن كل هذه الأسئلة ستهاجمك فور سماع تصريحات عصام العريان الأخيرة عن عودة اليهود المصريين إلى مصر مرة أخرى، وستجعلك تتذكّر تصريحات العريان منذ سنوات، والتي قال بها بإمكانية الاعتراف بإسرائيل في حالة موافقة نظام مبارك للإخوان على تأسيس حزب، وقد كان لهذا التصريح وقتها تأثير مهم واستنكار من جميع القوى الوطنية، وتمّ حجب الظهور الإعلامي للعريان لفترة، ثم عاد ثانية بعدها بفترة وقد نَسِي الجميع كل ما قاله. ولكن.. ها هي إسرائيل تعود ثانية لتصريحات العريان، ولكن هناك فارق كبير؛ فالآن عصام العريان هو مستشار رئيس الجمهورية وعضو في مجلس الشورى ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، ومن المفترض أن يكون حريصا على كل كلمة تخرج من فمه؛ فكلماته لا تحسب على شخصه أو شخص جماعته، ولكن تحسَب عليه كمسئول في هذه البلاد. فكيف يناشد مسئول -أيا كان انتماؤه- يهود إسرائيل الذين هاجروا من مصر أن يعودوا ويقول بالنص: "يا ريت اليهود بتوعنا يرجعوا لنا بعد كده عشان يفسحوا مكان للفلسطينيين؛ يعني الفلسطينيين يرجعوا بلدهم واليهود العرب يرجعوا بلدهم إن شاء الله". ثم يكمل بحماس: "أنا باناديهم الآن.. مصر أوْلَى بكم من إسرائيل.. إنتم ليه تعيشوا في كيان عنصري، ليه تعيشوا في كيان احتلال، ليه تبقوا ملوّثين؟ دي جرائم حرب هيعاقب عليها كل قادة الاحتلال، ولن يفلتوا من العقاب". ثم يسترسل حتى يقول: "كل مصري له حق أن يعود -ويقصد اليهود المصريين الذي هجروا مصر- خصوصا أنه سيعود ليفسح مكان لفلسطيني؛ يعني أنا عايز أخلّي الفلسطيني يرجع بلده.. حق العودة حق لا يمكن إنكاره، ولا يمكن التنازل عنه إطلاقا". كيف يحدث مثل هذا العبث السياسي بلا ضابط أو رابط، أو تصريح رئاسي يضع الأمور في حدودها؟ وهل يُدرك العريان أن اليهود الذين يريدهم أن يرجعوا إلى بلادهم مصر، هم مَن قتلوا المصريين وعذّبوهم، وقاموا بعمل مقابر جماعية لهم في سيناء، وقتلوا المدنيين والعُزل؟!! وهل يعي السيد عصام أن اليهود المصريين -إذا كان هناك منهم مَن ما زال على قيد الحياة- قضوا في إسرائيل عقودا تبنوا فيها كل أفكار إسرائيل الكبرى، وكل العداء للعرب؟! هل يُدرك أن هؤلاء مستوطنون سرقوا فلسطين، وسفكوا دماء الفلسطينيين وما زالوا، وهم أعداء للإسلام والمسلمين والعرب جميعا. وهل يُدرك القيادي الكبير بالحزب الحاكم أن تصريحاته قد تلقّفتها آلة الإعلام الصهيونية لتبدأ بالمطالبة بالتعويض عن حقوق اليهود المصريين، وتتكلّم في أرقام لتعويضات، بل بدأوا في مغازلة النظام ذاته. إن ما قاله العريان لا يجب أن يمرّ هكذا، ولا أي تصريح يُلقيه أحد المسئولين دون تروٍّ ودون دراسة؛ فيجب على كل شخص على قمة النظام أن يعني أن تصريحاته لم تعد تصريحات فردية يمكن أن يقول بها ما يشاء والجميع سينسى ما قال، بل هو يتكلّم من منبر مسئول في دولة هي الأكبر والأهم في الشرق الأوسط. إن ما فعله العريان سَقْطَة لا بد أن يتمّ محاسبته عليه وأن يتمّ تداركها؛ فهو تصريح لا يملك أن يقوله أي شخص، وطلب لا يجوز أن يأتي من أي مصري. وعلى هذا.. فإن التساؤل الآن: أين الرئيس المنتخب الذي يعتبر العريان مستشاره؟ وأين مجلس الشورى الذي هو عضو به؟ وأين حزب الحرية والعدالة ورئيسه الكتاتني، والذي هو نائبه؟ نريد محاسبة العريان على كل تصريح قاله في هذا الموضوع، بل على كل جملة وكلمة وحرف.. ونريد وضع نهاية لفوضى التصريحات التي أصبحنا نعيش في ظلّها.