قوام أي دولة في العالم هو اقتصادها، فإن كان اقتصاد الدولة قوي كانت الدولة قوية وإن ضعف الاقتصاد ضعفت الدولة، وربما تلاشت أهميتها مع الزمن.. وعلى هذا فلن ترقى أي دولة وتصعد إلى صف الدول الكبرى إلا إذا كانت ذات اقتصاد قوي مهما كانت، فالفقر والجوع لا يخلقان تفوقا وإبداعا في أي شيء، ومن لا يملك قوته لا يملك حريته.. ومع الأسف فلو نظرنا نظرة متأنية إلى كل ما يحيط بنا سنجد أننا نضرب الاقتصاد ضربة مُحكمة لا داعي لها على الإطلاق، ولا مبرر للاستمرار في هذا الطريق الوعر. لن أتحدث عن ما حدث من فتنة قطعت أوصال البلاد ومزّقتها إلى أحزاب، وهي مع الأسف ليست أحزابا معارضة تتنافس سياسيا بشكل إيجابي، مما يؤدي إلى دفع الاقتصاد والإنتاج لمصلحة البلد، ولكن أحزابا من نوعية "كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمُ فَرِحُوْنَ".. وكذلك سيكون من الملل الحديث عن حالة الحشد والاستقطاب الحادة في المجتمع من طرف فصيل الإسلام السياسي والقوى المدنية، ووصول الأوضاع إلى أن يصبح هذا التقسيم أمرا واقعا على الأرض. فالتساؤل الآن كيف بعد أن وصل الإخوان إلى الحكم، وتوقع كثيرون ممن لم يكن لديهم فوبيا مسبقة من التيار الإسلامي بأنهم سيصلحون من حال البلاد والعباد، بعد حكم قهر دكتاتوري فاشل لمدة ثلاثين عاما.. كيف يتحولون بهذا الشكل وبهذه السرعة؟! ولن أتحدث عن ما فعله الرئيس مرسي من جمع كل السلطات في يديه أو تحصين قراراته، أو الدعوة إلى الاستفتاء على دستور لم يتم التوافق عليه أو حتى النقاش المجتمعي، ولكن سأتساءل بفرض كانت بعض قرارات الرئيس صحيحة، أليس من الدين والفقه والعقل أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع؟! وأن توحيد الصف الوطني في هذه الظروف والاطمئنان على قوة الاقتصاد الذي ينهار في ظل الاضطرابات الحالية أهم من التمسك بقرارات أيا كانت؟! سأتساءل عن التصريحات التي خرج علينا بها بعض أعضاء حزبي الحرية والعدالة والوسط بأن الدستور قابل للتعديل، ويمكن الاتفاق على تعديل بعض المواد الخلافية بعد الاستفتاء، بالعودة إلى الاقتصاد مرة أخرى وطرح سؤال مهم: هل لدينا فائض من الأموال لصرفها على كل هذه الاستفتاء؟ فكل تعديل بالدستور وجب استفتاء الشعب عليه، فلماذا لا يتم الحوار المجتمعي الآن ويأخذ وقته ثم يتبع ذلك استفتاء واحد بعد أن تكون كل القوى السياسية أو أغلبها قد اتفقت على صيغ موحّدة؟! وأخيرا يجب أن نتساءل: كيف ستكون حال الاستثمار الخارجي بل والداخلي عندما يتم القضاء على القضاء وعلى هيبته بهذا الشكل؟ عندما يعتقد المستثمر بأن أحكام القضاء غير مضمونة في البلاد، وأن حق التقاضي يخضع لقرارات محصنة للرئيس؟! ويجب أن نفكر أيضا في تعطيل مصالح المواطن، ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد بسبب تعليق العمل بالمحاكم اعتراضا على الإعلان الدستوري. الواقع أن تصريحات المتخصصين بل ومسئولين بالبلاد تؤكد أن مصر أوشكت على الإفلاس، وأن حالة الاقتصاد تتدنى، ولو نظرنا حولنا، فالأسواق قد أصابها الكساد بشدة، وهناك الكثير من البضائع غير المتوفرة خصوصا الأدوية.. علاوة على ارتفاع الأسعار في صورة تصاعدية لم نشهدها من قبل، والمصيبة الكبرى ما يحدث من هبوط في البورصة بصورة رهيبة.. كل هذا وصل إليه الاقتصاد المصري على مدار عامين من بداية الثورة.. وقلنا إنه ثمن واجب دفعه وإنه سينتهي بتولي الرئيس زمام الأمور.. وبالفعل كانت الأمور في تحسّن حتى خرجت علينا الأزمة الأخيرة.. فهل من شخص رشيد في البلاد ينقذها من المستنقع الذي تتجه إليه؟! وهل الرئيس أكبر من أن يتراجع عن قراراته لصالح البلاد؟! فقد تراجع سابقا بلا مبرر قوي، أليس من الأولى أن يتراجع الآن ويجنّب البلاد الانقسام بهذه الصورة، ويجنّب الاقتصاد ضربة أخيرة. الفرصة ما زالت سانحة حتى يعود أدراجه لإنقاذ البلاد بدل من أن ندخل جميعا في دوّامة لا يعلم مداها إلا الله.