عرفته على الفضائية المصرية في أواخر التسعينيات، عندما كانت مصر كلها تشاهد برنامجه الكوميدي "لعب عيال" حيث كانت أمي وجدّتي تنافساني على مشاهدة البرنامج رغم أنه يقدَّم في الأساس للأطفال، بينما كان يصر أخي الأصغر -عندما كان عمره 5 سنوات وقتها- أن يمارس هوايته السمجة في تحويل القناة أثناء مشاهدتنا واندماجنا مع البرنامج؛ لأنه لا يرضى أن يسخر أحد من أقرانه الأطفال، وعندما كان يجد فينا الإصرار على المتابعة دون الالتفات له، كان -عندما يغلب حماره- يؤكد أن البرنامج "بتاع عيال"، بينما علينا نحن الكبار أن نشاهد برامج مفيدة، لكن الطريف أننا اكتشفنا بعدها أنه يحرص على المشاهدة في فترة الإعادة! هكذا تعودت الأسرة منذ أول إطلالة للفنان "أحمد حلمي" -حين كان مذيعاً- أن تلتف حول أعماله، وتتابع خفة ظله المفرطة، وتلقائيته الشديدة، لتنعم بوصلة من الضحك الصافي النظيف، دون أن يفاجئها "إفيه" خادش، أو لفظ خارج، أو موقف إباحي يلقي بالإحراج والخجل على أفرادها. ومرت الأيام، لتعلن السينما المصرية عن حاجتها لدماء جديدة، وأفكار مختلفة تجدد من شكلها وثوبها القديم البالي الذي اهترأ على يد تجار الفن الهابط في الثمانينيات والتسعينيات، ليظهر "هنيدي" ورفاقه "أحمد السقا" و"هاني رمزي" و"منى زكي" و"غادة عادل"، بعد أن فتح "هنيدي" لهم طاقة القدر بفيلمه الأول "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، لتنجح السينما في أن تجذب إليها فئة جديدة من الجمهور، وتنجح من جديد في جذب المشاهد الذي انصرف عنها رغماً عن إرادته، ثم يقود المرحوم الراحل "علاء ولي الدين" ثورة جديدة، مع جيل جديد من المواهب الشابة التي لم تلحق بانطلاقة "هنيدي"، فإذا بنا أمام "علاء ولي الدين" و"كريم عبد العزيز" و"أحمد حلمي" و"محمد سعد". "مش ده الواد المذيع بتاع برنامج لعب عيال" هكذا سألني أحد أصدقائي ونحن في دار العرض خلال مشاهدة فيلم "عبود ع الحدود"، ليتولى صديق ثالث الإجابة مؤكداً: "لا يا عم مش هو"، قبل أن أنظر إليه شزراً وأقول بلهجة حاسمة: "ده هو وستين هو ومش عايز حد يناقشني في الموضوع ده.. أنا وأمي وجدتي مابنفوتش ولا حلقة من برنامجه بتاع العيال" ثم إذا بالجمهور حولي يضحكون، وأنا أتابع بحماس: "آه والله ده تيتا بتحب البرنامج أوي"، قبل أن ينظر لي أحد أصحاب الأجساد الضخمة صائحاً بغضب: "اخرس ياض وخلينا نعرف نتفرج ع الفيلم" لأكتشف أن الجمهور يضحك على موقف آخر في الفيلم، فأبتلع لساني، وأواصل أنا ورفاقي "المساخيط" المشاهدة، لنتفق سوياً على الضحك، دون أن نهتم بمواصلة الجدل حول شخص "سعيد" صديق "عبود" وهل هو بالفعل مذيع برنامج "لعب عيال" أم لا! بعد التحفة الفنية الفذة "الناظر"، لم يعد يعنيني، ولا يعني أصدقائي ولا حتى باقي الجمهور، هل شخصية "عاطف" صديق "صلاح"، هو نفسه المذيع الذي يقدم "لعب عيال" أم لا، فقد خرج الجميع يتذكرون "أحمد حلمي" الفنان الكوميدي الموهوب، بغض النظر عن جذوره، وانتمائه لأي مجال قبل دخول الوسط الفني.. خرج الجميع، وقد حفظوا ملامحه، وإفيهاته، وخفة ظله، رغم أن دوره في هذا الفيلم تحديداً كانت عن شخصية "منسية" لا يتذكرها أحد! عرفته عن قرب -لأول مرة- في أحد شوارع وسط البلد أثناء تحضيره هو و"فؤش" لفيلم "رحلة حب"، حيث كنت أسير أنا وأصدقائي -أثناء فترة دراستنا الجامعية- ووجدناه هو و"محمد فؤاد" يشتريان فاكهة، فقط لمحناهما، والباقي أنتم تعرفونه حتماً، مثلنا مثل باقي الجمهور عندما يجد أمامه فجأة نجمه المفضل وجهاً لوجه، لكن الطريف أنه فاجأنا برد فعله الذي يدل على خفة ظله، ودمه الخفيف بالفطرة؛ إذ وضع يده في كيس الفاكهة، ثم أخرج لكل منا "برقوقة" وسط ضحكاتنا، ودهشتنا، وبعد أن انصرف بطريقة "شيك" ومرحة، ترك في نفس كل منا ثقة تامة أنه لا يمثل الكوميديا، ولا يتصنع الضحك، بل هو كده بطبيعته! في معظم العروض الخاصة للأفلام التي ذهبت إليها أثناء فترة دراستي بكلية الأداب قسم إعلام، مستغلاً كارنيه الجامعة للدخول ومشاهدة الفيلم مجاناً باعتباري صحفياً، كنت أشاهده بابتسامته البسيطة، وملامحه الهادئة، وطريقته المتواضعة الجميلة في الحديث مع جمهوره، والصحفيين، والإعلاميين، التي تجعلك تستشعر أنك تعرفه، وأنه "أنتيمك" الذي لم تحظ بصداقته يوماً، لكنه رغم ذلك قريب منك لسبب لا تعرفه، بالطبع لم أحاول أن أذكّره بنفسي أو أشكره على "البرقوقة" التي أخذتها منه، لأنه لن يتذكرني، أو ربما لأنه أهدى غيري من جمهوره "برقوق" و"خوخ" وما إلى ذلك من صنوف الفاكهة التي لا يبخل بها النجم الكوميدي على جمهوره. في بطولته المطلقة الأولى بفيلم "ميدو مشاكل"، صدمني بانخفاض المستوى، وسوء الاختيار، صدمني بشكل جعلني أشعر أنه غير جدير بأن يحمل أو يتحمل مسئولية فيلم بمفرده، لكن "البرقوقة" التي أخذتها منه هدأت من روعي كثيراً.. ليس من باب "أطعم الفم تستحي العين" لا سمح الله، بل لأنه فنان ال"أنا" عنده ليست عالية، ويحمل في ملامحه وروحه كماً هائلاً من الإنسانية، وتأكد ذلك لديّ مع ظهوره في برنامج "على ورق" مع الإعلامي القدير "محمود سعد" وتأكيده أنه غير راضٍ عن التجربة، وتلميحه إلى أن ظروف زواجه وما يتبعها من ضغوط على أي شاب في مصر، كانت كفيلة بتسرعه نوعاً ما، لكنه حتماً سيراعي الدقة والتدقيق في اختياراته القادمة، وجاء بعدها "صايع بحر" ليثبت "حلمي" أنه بالفعل "قدها وقدود"، وأن "حلمي" الفنان، بداخله جزء كبير من "حنتيرة" الإنسان، ليقترب منه الجمهور أكثر وأكثر، ومع كل عمل تزداد المفاجأة، ويزداد الارتباط بين الفنان وجمهوره الذي وجد فيه الخفة، والبساطة، والتلقائية، مع فن راقٍ خالٍ من الإسفاف والابتذال والألفاظ الخارجة، أو المشاهد الفجة، حتى أصبح اسم "حلمي" لا يختلف كثيراً عن البطيخة الصيفي، بما يعنيه من ضمان مؤكد للأسرة المصرية -يفوق ضمان "توشيبا العربي" نفسه- في أنهم سيدخلون فيلماً يناسب كل الأذواق والأعمار، دون التأهب والاستعداد المسبق لسد الآذان عن كلمة خارجة، أو تغمية العيون أمام جسد عارٍ ومشهد جنسي، لتشكل أفلامه وجبة فنية راقية تقدم الضحك والتسلية والإمتاع بشكل هادف! ومع قنبلته شديدة الانفجار التي ألقاها في وجه الجميع مع فيلم "آسف ع الإزعاج"، بلغ انبهاري بنجمي المفضل مبلغه، واندفعت بداخلي أحاسيس ومشاعر متداخلة ومتشابكة، لأجد نفسي مع انتقادي للفيلم على تشابه تيمته مع تيمة الفيلم الأجنبي "Beautiful mind" للنجم "راسل كرو"، أشيد في نفس المقالة النقدية التي كتبتها ها هنا في "بص وطل"، أشيد بدقة اختيارات "حلمي"، وتلك النقلة الرائعة التي يحدثها في السينما المصرية، ثم أختتم مقالي بمقولة قلت فيها :"أحمد حلمي.. في وقت قليل ستصبح الزعيم الجديد دون الحاجة لضرب المؤخرات أو الصدور أو المشاهد الجنسية الفاضحة، ودون الاضطرار لحشر نفسك في ملعب واحد وشخصية واحدة". هكذا قلت، من إحساس نابع من داخلي، وكلمات وجدت يدي تكتبها على ال"كيبورد" بلا وعي أو تحضير مسبق.. هكذا قلت دون أن أعلم أن نجمي المفضل سيقرأ مقالي، ثم إذ برسالة رقيقة للغاية تصلني على بريدي الإلكتروني من فناني المحبوب والحبّوب، يشكرني فيها على كلامي الذي وجده رقيقاً، ورد كوميدي خفيف الظل، يتميز بالتفكير المرتب، والموهبة العالية في الكتابة، يفند ادّعائي ويكذبه بطريقة "شيك"، ضاعفت من حبي واحترامي لهذا النجم، ومن هنا نشأت صداقة طيبة بين كاتب المقال، ونجمه المفضل.. لم أكتب له باعتباري أحد الصحفيين أو الكتاب.. لم أتحدث إليه بلسان الناقد.. في كل مرة كنت أكتب له باعتباري واحدا من الجمهور، وفي كل مرة كان يرد فيها باعتباره مجرد واحد من الناس، دون أن أشعر أو أستشعر في كلامه بمثقال ذرة من التعالي أو النجومية، وكانت هذه قمة النجومية الحقيقية. لقد أعطى "حلمي" نكهة خاصة لبريدي الإلكتروني مثلما أعطى نكهة خاصة للسينما المصرية النظيفة، وبت أنتظر "إيميلاته" بفارغ الصبر مثلما ينتظر جمهوره أفلامه على أحر من الجمر، وحقاً أتمنى لو تظل على هذا التألق والنجاح يا "حلمي" دون أن تسقط أو تتراجع مثلما طفا غيرك على السطح، وابتلعوا الساحة ثم تلاشوا أو انطفأ وهجهم.. لكني على ثقة أنني سأخرج هذا المقال بعد 20 عاما -إذا ما أعطانا الله العمر- لأتباهى أمام كل قرائي ومعارفي ببعد نظري، في الفنان الكبير الذي سيصبح في المستقبل الإمبراطور والقيصر الذي يحتل النفوس والوجدان والذاكرة بفنه وأعماله المحترمة، حاملاً الترتيب الأول. فماذا عن شعوركم ومشاعركم تجاه حلمي؟ هل تشاركونني نفس المشاعر أم لكم رأي مختلف؟ هل قابله أحدكم أو التقى به على أرض الواقع؟ هل تخيل أحدكم حلمي في موقف معين أو قصة ما؟ شاركونا بآرائكم تجاه أحد أهم نجوم السينما حاليا