غرفة بيضاءٌ حوائطها مضيئة بشدة، تنبعث منها رائحة التخدير، مجموعة من الناس يرتدون الملابس البيضاء ولا أرى منهم سوى عيونهم فلقد غطت وجوههم وأنوفهم الكمامات الطبية، صوت الأدوات الجراحية يرن فى أذنى وهى ترتب على منضدة صغيرة جوارى، أنا بغرفة عمليات، وكل جسدى مخدر تمام، و لا أقدر على الحركة نهائياً، لكن متيقظة من كل شئ، ومستسلمة لكل شئ، مشرط الجراحة يقترب منى. يبدأ العمل الآن -بهدوء شديد- جراح بارد الأعصاب. اخذ يمزق كل قطعة فى جسدى وكأنما يجرى وراء ورم سرطانى بداخلى ولا يبالى بالنزيف الذى تسرب فى كل مكان، أستمر فى عمله بتمزيقى ثلاث ساعات متواصلة وأنا صامتة نازفة ولا أشكوا، حتى وصل بمشرطه إلى صدرى يشقه، وتوغل برفق بين طيات ضلوعى يبحث عن شئ صغير قد أحتل الجانب الأيسر من صدرى. يقترب منه أمسكه به بين يديه، كان يخفق بشدة ذلك الشئ الصغير وكأنما يريد الهرب منه يدق ويدق ويدق، وكأنما يسابق الثوانى فى سرعتها. أعتصره بقوة وأحكم قبضته عليه، وفجأة ودون إرادة منى تحررت لأدافع عن قلبى أوقفت يده وأبعدتها عن قلبى بكل قوتى، فلن اسمح بالعبث ها هنا، تناولت قلبى من بين يديه وفى عنف انتزعته من بين أوصالى بنفسى! تقطعت شرايينى وتفجرت دمائى تنزف فى كل مكان، والجميع يقفون يشاهدون الواقعة دون حراك وكأنما يتابعون فيلم تليفزيونى، إنى اعرفهم جميعا؟ أخذت أحقق بملامحهم جيدا إنهم هم نعم إنهم عائلتى. لقد كانت غرفة الجلوس بمنزلى وذلك -بارد الأعصاب- هو زوجى الحبيب الذى عشت معه ثلاث سنوات كاملة من عمرى. زوجى الذى أمسك بمشرط شكه المرضى وأخذ يمزقنى وحياتى فى كل يوم أعيشه معه باحث عن وهم تربى بخياله فقط فأعمى عينيه وقلبه، ولكننى اخترت أن انتزع الآن قلبى من بين ضلوعى بأرادتى وليس رغم عنى، وأقتل حبى لتعيش كرامتى، وأعلن فى يوم احتفالى بعيد زواجنا الثالث إن كل شئ انتهى ها هنا، جمعت عائلتى، وطلبت الطلاق بملئ فمى أمامهم ولم يستطع أحد اعتراضى بكلمة عندما علموا حقيقة الجحيم الذى أعيشه فى صمت منذ سنوات، نعم الطلاق قبل أن تُثمر حياتنا طفل يعيش بيننا يعانى المر ويتجرعه فى كل يوم وهو يرى أباه يشك بأمه فى كل لحظة، امرأة أخلصت للرجل الذى أتمنها على أسمه وصانت هى هذا بروحها ولكن دون جدوى، وبالفعل كُتب لى أخيراً الشفاء من زوجى وأطفأت شموع الاحتفال بأنفاس ملتهبة وانتهت المسألة وطلقنى.
رحيق التعليق المزاوجة بين المستويين الواقعي والمتخيل رائع. والموضوع إنساني جداً ومهم. والأزمة منتشرة وتظل مشكلة اللغة والأخطاء قائمة ونحتاج إلى حل حقيقي لها. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة