يرى السيد حمدين صباحي أن مصر يتمّ جرّها لخلاف زائف حول دولة دينية وأخرى مدنية، وهو صراع غير حقيقي؛ لأن المطالبين بالدولة الدينية لا يطالبون بدولة دينية بمفهومها الذي ظهر في العصور الوسطى، والمطالبون بالتيار الذي يسمّى "مدني" لا يطالب بدولة علمانية يتمّ فصل الدين عن الدولة بها. وقال حمدين -في سياق حواره في برنامج "هنا العاصمة" مع الدكتور عمرو حمزاوي- اليوم (الثلاثاء): "هدفنا من التيار الشعبي هو خلق معارضة حقيقية تصنع مجتمعا قويا لحدوث اتزان في الخريطة السياسية في مصر". وأضاف المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية: "هدف التيار الشعبي هو المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية المصرية، ونريد أن نبدأ من القرية والحي، ونمكّن المؤمنين بالتيار الشعبي من أداء دور حقيقي في المجتمع، ونشر وعي سياسي في الحياة المصرية وتحقيق أهداف الثورة". وأكد: "نحن لسنا حزبا سياسيا، ونناضل من أجل الحياة المصرية، والتيار مفتوح في الاشتراك به لجميع التيارات حتى وإن كانوا أعضاء أحزاب أخرى مع بقائهم في أحزابهم". وأشار إلى أن ما يسعى إليه هو حدوث اتزان في الخريطة السياسية المصرية؛ فليس المطلوب دوما أن يتم التغيير من الميدان، وأنه يحاول التغيير من خلال الحياة السياسية. وأكد حمدين: "كل المنتمين للتيار يؤمنون بعدة أهداف؛ منها الدور العظيم للدين سواء أكان إسلاميا أو مسيحيا، كما نؤمن بوحدة تاريخنا الوطني بامتداده؛ خصوصا تاريخنا الحديث نحن كنا جنود في ثورة 25 يناير وأبناء لثورة يوليو؛ فنحن نحتاج أن نرى تاريخنا الوطني ونستفيد من مميزاته ونتلافي أخطاءه، وآخر أهدفنا هو تحقيق أهداف الثورة التي تمثّلت في عيش حرية عدالة اجتماعية". وشدّد حمدين على أن هدف التيار هو خلق معارضة قوية بالدخول في منافسة وطنية شريفة مع الموجودين في الحكم، مع تمنّي النجاح لهم في إقامة دولة قوية حتى يتم إنتاج مجتمع قوي. وأوضح: "الوطنية المصرية كمفهوم جامع يتسع لكل المفاهيم والأحزاب ذات الطابع الديني؛ خصوصا تيارات الإسلام السياسي، وهي جزء مهم من التيار الوطني الفاعل في الحركة الوطنية". مشروع الوطنية المصرية وتيار الإسلام السياسي أكد حمدين صباحي أن أكبر عدو للمصريين هو الفقر وهو أكثر ما يوجعه، مشددا على أنه يريد عدلا اجتماعيا للمصريين. وأردف: "بعض الأحزاب الدينية موجودة الآن في السلطة، ونحن نحترم إرادة المصريين، ما يفيد أوضاع مصر الاجتماعية أن ندخل في منافسة وطنية شريفة مع الموجودين في الحكم وصنع معارضة قوية". واستطرد: "مشروع الوطنية المصرية يحتاج إلى بلورة حقيقية، ولن ندخل في وفاق مع التيارات الدينية، ولكن سوف ندخل كمنافس لهم ليتم التعبير عن المشروع الوطني المصري، وأنا لست من أنصار وجود علاقة مع تيار الإسلام السياسي وهم أيضا لا يطرحون هذا الطرح". مشددا على أن الهدف من التيار هو وجود وحدة حقيقية مع قوى وأحزاب يجمعها الكثير ويفرّقها القليل، إما بصنع حزب كبير يجمع كل التيارات أو بجبهة قوية تناضل من أجل العدالة الاجتماعية. وحول المنافسة مع الأحزاب الدينية مع استغلالها لطرق أخرى غير مشروعة في المنافسة؛ أكّد على أنه لا يوجد عصف بقواعد المنافسة، ولكن المنافسة لا تدور بنزاهة تامة، وأننا في مجتمعنا لا نستطيع الفصل بين الثقافة والسياسية؛ خصوصا أن الدين جزء من الثقافة، وأنه ليس من أنصار تصور علماني للدولة بفصل الدين عن الدولة. العدالة الاجتماعية وعبّر حمدين عن رؤيته للعدالة الاجتماعية بأنها جزء أصيل من الدين الإسلامي؛ خصوصا عندما تم قرن القتال بشأن المستضعفين باسم الله في القرآن، وأنه من واجبه الدفاع عن المستضعفين الفقراء في شوارع مصر في حين أن بعض الناس يفهمون الدين على أنه برنامج رأسمالي متوحش. وأكد: "أنا لا أقول إن الأحزاب الدينية ضد العدالة الاجتماعية، ولكن هناك فارق جوهري في التطبيق، خصوصا مع وجود خيارات لمن يحكمون مصر هي اختيارات يمينية واختياراتهم لا توجد فيها فوارق جوهرية بين خيارات النظام السابق الاقتصادية". الأغلبية المصرية وفي سياق آخر؛ أوضح المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية أن الصناديق أثبتت أن التيار الحقيقي والأغلبية المصرية لتيار الوطنية المصرية، ولكن الأغلبية تخسر الانتخابات لوجود تيار منظم يكسب الانتخابات، ويجب أن نحيّي الإخوان الذين عانوا كثيرا طوال 84 عاما على حسن تنظيمهم. وأكد حمدين أنه فرح جدا بحزب الدستور، وأنه حريص على أن يكون هناك تقارب بين حزب الدستور والتيار الشعبي وهذا الأمر يتسع لتيارات شعبية أخرى. الرئيس مرسي والعدالة الاجتماعية ويرى حمدين أن الرئيس مرسي لن يصنع عدلا اجتماعيا حقيقيا لجموع الشعب المصري؛ خصوصا أنه يعبّر عن تيار له اتجاهات مختلفة في تحقيق العدل الاجتماعي. وقال حمدين: "اعتقادي الشخصي -وأدعو الله أن أكون مخطئا- أن الرئيس محمد مرسي لن يصنع عدلا اجتماعيا يُرضي الغالبية العظمى من المصريين؛ إلا أننا يجب أن نترك له فسحة من الوقت حتى يتمكن من آليات السلطة ليحقق العدل الاجتماعي". وشدد حمدين على أن أهم قرارات مرسي في الفترة الأخيرة لتحقيق العدل الاجتماعي؛ هي إسقاط ديون 44 ألف فلاح، ولكن يجب النظر في وضع الفلاح المصري الذي لا يجب أن يتم تمويله بالدين المتراكم. وأتبع: "الفلاح يريد أن يكسب مما ينتجه وبعد سداد ديونه للدولة". وحول ال100 يوم الخاصة بمرسي؛ شدد على أن عبد الناصر قبل انتهاء أول 100 يوم من حكمه قام بتوزيع الأراضي على الفلاحين مجانا وصنع قانون الإسلاح الزراعي، ويمكننا أن نقول على عبد الناصر ما نشاء، ولكن لا ننكر أنه انتصر للفقير المصري، مؤكدا على أن مصر بحاجة إلى قانون إصلاح زراعي جديد. وشدد على أنه حتى الآن ومن الظاهر أنه لم يتغير أي شيء بعد الثورة، ويجب أن يكون هناك شعور بالأمل في مصر وأكثر ما أحزنه هو انتحار مصريين لأن الأمل قد غاب. وأكد: "لا أعتقد أن ملايين الفقراء سيأخذون حقوقهم في ثروة البلد في ظل هذا النظام، وأتحدث بصوت عالٍ حتى يسمعني القائمون على النظام؛ لأنهم إن أرادوا أن يحظو بثقة الجماهير عليهم أن يحققوا العدالة الاجتماعية". وأتبع: "أنا أطلب من الشعب المصري أن يعرف أن حقه في ثروة البلد حق أصيل، وليس معنى وجود لصوص سابقين في السلطة أن هذا الحق غير موجود". الجميعة التأسيسية للدستور يرى حمدين أن الجميعية التأسيسية شُكّلت بطريقة لا تحقق التوافق، مشددا على أنه من المؤسف أن أغلبية البرلمان وعدوا بتشكيل جمعية تمثل كل الطوائف ولم يفوا بوعدهم. وأكد أن اللجنة بها عوار؛ لأنها لا تمثل كل المصريين، وما يحدث أن هناك فصيلا مطمئنا للنتائج؛ لأنه حين التصويت سوف يتم التوافق على ما فرضه من مواد. وأردف: "لكن لو تم تقديم منتج دستوري يليق بكل المصريين، فلن نتحدّث على عوار اللجنة التي وضعته، ولكن إن خرج دستور لا يليق بنا وقتها سيحدث الخلاف، لذا نستحثّ القائمين على وضع الدستور أن يصنعوا دستورا يليق بشخصية مصر". الحريات في ظل الدستور الجديد أكد حمدين على أن المجتمع لن يقبل في التفريط في حريات اكتسبها بالدم، ولن يستطيع أحد من مصادرة الحريات في مصر، حتى لو تم وضع نص دستوري يقيد الحريات. وأشار: "من يحكمونا الآن تمت مصادرة حرياتهم وظلمهم من قبل، وأظن أنهم لن يفرّطوا في حق التعبير عن الرأي للجميع". وأضاف: "من يحكمونا ولديّ ثقة فيهم لن يفرّطوا في الحريات، وحسن ظني يجب أن يكون في محله، ولكن الإجراءات التي تتم الآن لا تتناسب مع حسن الظن هذا". وشدد على أن ما حدث من تضييق في الصحافة على أسماء مثل: عبلة الرويني وجمال الغيطاني ويوسف القعيد لا يليق بمصر بعد الثورة. وأتبع: "كما أن اختيارات رؤساء تحرير الصحف لا يوضح إلا أن الضحية تريد تقليد الجلاد؛ فحق التظاهر السلمي وحرية الصحافة والحريات يجب ألا يمسوا، والدستور يجب أن يكون بالغ الوضوح في هذا الأمر، ويجب إلغاء عقوبة الحبس في قضايا التعبير عن الرأي حتى في حق الرئيس، وأثق في أن صوت العقل لدى الحاكم سوف يتغلب في النهاية وينتصر للحريات". وتمنى أن نتخلص من تبعات الفترة الانتقالية مثل المحاكمين عسكريا وضباط 8 إبريل، وأنه يجب أن يكون هؤلاء في منازلهم وينتهي عصر محاكمة المدنيين عسكريا؛ لأنها تركة أثقلت كاهل مصر. كامب ديفيد وسيناء وحول المشكلات الحدودية التي تواجه مصر؛ أوضح أن مصر يجب أن تفرض سيادتها على سيناء؛ لأننا لن نستطيع حماية أبنائنا إن لم نحرك جيشنا في سيناء بكمية كافية. وأضاف: "واجب علينا فتح ملف كامب ديفيد الآن حتى نستطيع تأمين حدودنا بشكل كافٍ". وأتبع: "يجب علينا صنع تنمية حقيقية في سيناء بعد أن تم إهمالها كثيرا؛ فسيناء منجم لنمو هائل في مصر، ويجب أن نقوم بتنميتها وتخضيرها واحترام أهل سيناء وحقوقهم في المواطنة، ويجب أن يُمكّن السيناويون من حق التملك في سيناء؛ لأن أفضل دفاع استراتيجي في سيناء هو البشر، وسيناء سوف تصنع نهضة اقتصادية كبرى لمصر". واستطرد: "يجب أن ننتبه لخطورة الأفكار ذات الطابع السلفي التكفيري بين أبناء سيناء؛ لأنه من الغالب أن هناك مصريين شاركوا في قتل إخوانهم، ويجب أن يواجه هذا الأمر بالحجة". وأوضح أن مصر لديها واجب تجاه غزة في الدفاع عنها بحكم أنها امتداد طبيعي لها، وأهل غزة بالغو الحرص على الأمن المصري، حتى وإن تورطت بعض العناصر منهم في أحداث رفح الأخيرة. وشدد على أنه لا بد أن تُغلق جميع الأنفاق بيننا وبين غزة، وأن تفتح جميع المعابر التي توجد تحت السيادة المصرية مع فتح سوق حرة بيننا وبينهم حتى نتجنّب خسارة سنوية تعادل 2 مليار جنيه تضيع في التهريب. الوضع السوري وبخصوص الوضع في سوريا؛ يُؤمن حمدين أن مصر مع الشعب السوري، وأن أي ثورة ضد نظام يستخدم العنف مع شعبه يجب أن نؤيّدها، ولكن دون تدخل عسكري أجنبي. مشيرا إلى أن مصر يجب أن تستعيد دورها الرائد في المنطقة لحل ما يحدث في سوريا؛ لأن هناك مشروعا لتقسيم سوريا على أساس طائفي، وهو أحد أدوات الاحتلال كما حدث في العراق ولبنان، ونحن أمام خطر حقيقي في سوريا لتقسيمها لحلف شيعي وحلف سُني يمتد ليشمل المنطقة كلها؛ لذا نحن نحتاج إلى إنهاء حكم بشار لما ارتكبه من مجازر في حق شعبه دون حدوث تقسيم داخل الدولة. الاتجاه شرقا أيّد حمدين اتجاه الرئيس مرسي شرقا للصين وإيران؛ لأن هذا الأمر يصبّ في مصلحة مصر وتنوّع علاقاتها الخارجية خاصة فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية. وأضاف: "أنا أؤيّد وجود مثلث تركي إيراني عربي لصنع مثلث استراتيجي في قلب العالم نعلو به أيضا عن مشاكلنا الطائفية". قرض صندوق النقد الدولي أكد حمدين أنه ضد القرض من صندوق النقد الدولي؛ إلا أنه متفهم لقبول الرئيس مرسي له لما يتعرض له من ضغوط خاصة بالمصالح الدولية. وأكد: "أدعو خبراء الاقتصاد المصريين لتقديم حلول أخرى لمصر؛ خاصة أن هذه القروض لها شروط تقشفية تضر بمصالح الفقراء في مصر؛ خاصة أن هناك العديد من الحلول البديلة التي تغني مصر عن مثل هذه القروض".