أحدث تقليعة في عالم المعارضة تشهدها مصر الآن.. في انفراد حصري لن تجده إلا في مصر التي فلت عيارها.. وصار كل أحد يعترض على كل شيء في كل وقت!! قطاعات تحتجّ على اختيارات الوزراء، وتطالب بأن تختار هي؛ لأن الرئيس ورئيس وزرائه ربما سينتقون لها المفعصة والمستوية، وهم من يعرفون الورور جيدا بحكم الخبرة.. في الطبيخ طبعا! الزند وشلته يعترضون على اختيار وزير للعدل من أعلام محكمة النقض، المستشار أحمد مكي الفقيه القانوني الذي لا يُشقّ له غبار.. الإعلاميون يرفضون اختيار وزير من خارج مبنى ماسبيرو ويطالبون بوزير إيده في القفص.. الأزهر يعترض على اختيار وزير أوقاف ليس من خريجي الأزهر الشريف، وإن كان هؤلاء الأخيرون يملكون بعض المنطق، وإن كنت لا أؤيد ما ذهبوا إليه، فلم يكن الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة خريجي أصول دين أو شريعة وقانون، لتقتصر خدمة الإسلام وإدارة شئون الأوقاف على أزهري معمم مكوكل.. لكن لماذا لا يقول الجميع؟ ولماذا لا نعمل وقفة احتجاجية في حب الوطن، ونعطل المراكب السايرة، ونفتعل أزمات من قبل حتى أن نرى أداء الوزير الجديد؟ لماذا لا يتجمهر بعض القضاة ويتلمّ بعض موظفي ماسبيرو؟ وآهي فرصة يقابلوا بعض وبوسة يمين وبوسة شمال، ويتبادلوا أرقام الموبايلات؛ لأنهم بعد ما غيّروا لاتصالات ما سمعوش صوت بعض، والدنيا تلاهي!! لماذا لا نوظّف أجهزة كشف النية التي أصبحنا محترفين فيها لدرجة الريادة في معرفة طالع الوزير الجديد، ونضرب له الودع ونوشوش له الحجر ونقرأ له الفنجان؛ لنكتشف قبل أن يدخل مكتبه بأنه لن ينجح، وطريقه مسدود مسدود مسدود يا ولدي! كل إنسان له حق الإعلان عن نفسه وله الحق في إبداء الرأي، ولكن أن يكون مستندا لحجة ومنطق سليم يستحق التعبير عنه، ولهذا احترمت رغبة الأزهر في عدم تعيين شخص غير أزهري وزيرا للأوقاف، ولكن يا معشر القضاة ماذا تأخذون على المستشار أحمد مكي؟ هل عيبه الوحيد أنه من قادة تيار الاستقلال، وله مواقف جريئة دفع لها ثمنا باهظا أيام حكم المخلوع؟ هل عيبه أنه ثوري بجد في زمن الثورة التمثيل التي أصبح الكل فيها نجم شباك؟ هل لأنه يهدد الباطل بالحق ويشهر سيف العدل في وزارة العدل الغائب؟ أريد حجة واحدة منطقية تجعل من رفض الرجل فكرة تقبل الحوار.. وأنتم يا سكان المبنى العريق الذي فقد البريق وتبعثر على الطريق، وأصبحنا لا نرى فيه شيئا يبلّ الريق إلا التضليل والتلفيق وبث سموم التشتت والتفريق.. ماذا تأخذون على صلاح عبد المقصود؟ هل عيبه الوحيد أنه من الإخوان؟ وهل يعيب غيره أنه ناصري أو ليبرالي أو علماني أو لا مذهب له؟ هل أصحبت الكفاءة تقاس بالانتماء الحزبي؟ وأصبح مجرد الانتماء إلى تيار وطني ما عيبا يحكم على صاحبه بالفشل الإداري والتنظيمي والفني؟ تعيبون عليه أنه ليس ابن ماسبيرو، وهل يجب أن يتحكم مبارك وعصابته في وزارات ما بعد الثورة لسابع حفيد؟ كيف تريدونه من ماسبيرو والكل يعرف أن ماسبيرو كان حراما على أمثاله ولو كان أعظم الإعلاميين في مصر، وفي حمدي قنديل مثل وعبرة، هل كان ماسبيرو فاتحا ذراعيه لرأي مختلف؟ هل كان ماسبيرو يقبل إلا أبناء النظام وجوقة الحكام، والأقارب والأهل والأصحاب والأخوال والأعمام؟ واجهوني إن كنتم تملكون الجرأة كيف وطئت أقدامكم هذا المبنى إلا بموافقة أمن الدولة، وتحريات أجهزة أمنية تحسب الأنفاس وتعرف التاريخ والسلسال؟ أو بوساطة ومحسوبية يعرفها القاصي والداني، ولا دخل للخبرة أو الكفاءة دور فيها على الإطلاق! وكم من أحلام شباب سفحت وانهارت على سلالم مبنى تليفزيون جمهورية مصر العربية؛ لمجرد أنهم لا يملكون كارت توصية ولا يعرفون أحدا يقوم بمكالمة هاتفية تخدمهم، وقد رأيت هذا بعيني ولا أظنك رأيت غيره إن كنت من أهل الصنعة. هل كان أنس الفقي وصفوت الشريف أبناء ماسبيرو أم أبناء سوزان وسدنة جمال وعيال مبارك ومن قبله ومن قبله؟ الكل يعرف أن ماسبيرو كان وكرا لعصابة مبارك ومن قبله، ولم يكن تليفزيون الدولة بقدر ما كان تليفزيون أمن الدولة، وكان تليفزيون رئيس الجمهورية لا تليفزيون الجمهورية، وتلك أداة لا يخفى أثرها.. ومع ذلك لنلجم شكوكنا ولننتظر الأداء فالكل مرهون بما يفعل، إن نجح عبد المقصود وغيره في إدارة مؤسسات هذا الوطن سيشعر بذلك الملايين، وهم من يقررون، وإن فشلوا فسأكون أول المطالبين بإقالتهم، فليس هناك مجال للمحاباة على حساب الوطن، وليس للانتماء الخاص دور في إدارة مرافق الدولة ومفاصلها.. وما يعنينا هو الأداء ثم الأداء ثم الأداء.. نريد أن نلتقط أنفاسنا بعد مرحلة انتقالية مرهقة نزفت فيها أرواحنا وحلوقنا وعقولنا الكثير والكثير، نريد أن نتجه للبناء بعد عقود هدم مديدة مريرة.. لنعطِ الحكومة الجديدة فرصة أن تثبت نفسها وتثبت أحقية الرئيس المنتخب بمنصبه، وتعمل معه على تحقيق نهضة مصرية نستحقها، فإن فشلوا فقد حكموا على أنفسهم.. أما مصر ومواردها وإمكانياتها الهائلة فلن تفقدنا إياها حكومة عاجزة أو إدارة فاشلة، ستهبّ تستكمل مسيرة نهضتها وتنحي الفاشلين جانبا من طريقها كما نحَّت غيرهم من قبل.. لا توقفوا المراكب السايرة إن كنتم تحبون هذا الوطن، ولا تتعجلوا بالحكم على النيات فلا يعلم السرائر إلا الله، وتفاءلوا بالخير تجدوه، وثقوا في قوة مصر وتاريخها وحضارتها التي هزمت كل من أرادها بسوء..