شاهدت جزءا من المؤتمر الذي أعلنت فيه شركة مايكروسوفت عن Windows Phone8، نظامها الجديد للهواتف الذكية، وكانت ملاحظتي -الذكية أيضا- هي أن مهندس الشركة المتحدث في المؤتمر كان ذا عينين ضيقتين جدا، لا يكاد يبين للرائي أنهما مفتوحتان، رغم أنه غير آسيوي الأصل، وأن هناك انتفاخا كبيرا تحت عينيه وربما فوقهما أيضا. لدى بيل جيتس -عبقري الكمبيوتر ومخترع نظامي DOS وWindows- انتفاخات مماثلة حول عينيه، عيناه كعيني جثة ميتة لا توجد بهما لمعة الحياة، وتبدو عيناه في صوره الأحدث أضيق بشكل ملحوظ عنهما في صوره الأقدم، ورغم أنه أغنى إنسان في العالم بثروة تتجاوز ستين مليار دولار، لكنه يبدو "مبهدل" و"منكوش" في معظم الأحيان، ولا يفرق في مظهره كثيرا عن أي "دُهُل". أيضا ستيفن إيلوب -عضو مجلس إدارة Microsoft السابق ورئيس Nokia الحالي- تبدو عيناه الآن وكأنهما خطان رفيعان أسفل الانتفاخات، وقس على هذا معظم العاملين في مجال البرمجة، ربما باستثناء ستيف جوبز الذي مات وهو محتفظ بلمعة عينيه. ما الذي تفعله أجهزة الكمبيوتر فينا؟ هل طول الجلوس أمام هذه الأجهزة يؤدي بنا إلى كل هذه "الدغمشة" و"الدهولة"؟ هناك حالة معروفة لدى أطباء العيون باسم Computer Vision Syndrome تصيب الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة من يومهم أمام شاشة الكمبيوتر، تبدأ هذه الحالة بحرقان وتهيّج في العين التي تتميز بأنها حمراء ومرهقة وجافة أو مدمعة، مع ثقل في الجفون ورغبة في الهرش أحيانا، كما تكون هناك صعوبة في تركيز العين على شيء محدد. النظر البشرى عموما غير مهيأ تشريحيا للتحديق في شاشات الكمبيوتر لساعات طويلة؛ شاشة الكمبيوتر تتكوّن من بِكسلات أو نقاط صغيرة جدا متراصة جوار بعضها بعض، ليس لدى العين القدرة على أن تركّز عليها لفترة طويلة، من أجل ذلك يضطر مستخدم الكمبيوتر أن يعيد تركيز بصره على الشاشة باستمرار "Focus and refocus" ليحتفظ بالصورة التي يراها واضحة، هذه العملية تؤدّى إلى زيادة الشد على عضلات العين ومن ثمَّ إرهاقها. بالإضافة إلى ذلك فبعد فترة طويلة من النظر إلى الكمبيوتر يقل معدل رَمش العين، وهذا يؤدي إلى جفاف العين واحمرارها، وبالتالي اضطراب الرؤية الذي يؤدي بدوره إلى الشعور بالصداع. ثم هناك أيضا هذا الانفصال عن الواقع الذي تضعنا فيه أجهزة الكمبيوتر، فلطول ما ننغمس في عوالمه الافتراضية قد تتداخل الأمور لدينا فلا نفرق بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، وننحدر إلى مستويات متعددة من "الدهولة". بالرغم من التغيير الجذري -الإيجابي في الأعم الأغلب- الذي استحدثته أجهزة الكمبيوتر في حياتنا، إذ جعلت آلاف الأشياء البعيدة مباشرة تحت أصابعنا، وسهّلت علينا إنجاز أمور كانت تستغرق أياما أو أسابيع من المشاوير، إلا أنها أيضا لم تخلُ من مساوئ، لعلّ أبرزها تلك السمة التي أصبحنا نحملها في أعيننا المرهقة المنتفخة.