لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب. عندما يأتي المخرج السينمائي من عالم الإعلانات؛ فهو يملك سيطرة كاملة على أدواته السينمائية، ويقدر على أن يقول ما يريد بشكل بليغ، كما أنه قادر على أن يستولي على المُشاهد بسهولة تامة، وقد كان ريدلي سكوت مخرج إعلانات مرموقا قبل أن يدخل عالم السينما الروائية؛ حيث قدّم سلسلة أفلام ناجحة تذكر أنت منها: "المصارع" و"مملكة السماء" و"سقوط الصقر الأسود" و"هانيبال" و"برومثيوس" و"بليد رانر".. الفيلم الأخير يعتبره كثيرون أهم فيلم خيال علمي على الإطلاق بعد "2001 أوديسا الفضاء"، وبالتأكيد لنا لقاء معه إن شاء الله. لكن الناس عرفت اسم ريدلي سكوت أوّل مرة واهتمت به جدا مع فيلم "الغريب" الذي قدّمه عام 1979.. هذا الفيلم قد أوجد عالمه الخاص من التأثيرات وطرق التصوير والإضاءة، ولا شك أنه ترك آثارا عميقة في أفلام الخيال العلمي التالية؛ خاصة "ماتريكس" مع سلسلة كاملة من استطرادات فيلم "الغريب" وبالذات بعد ما استكمل السلسلة جيمس كاميرون.. كما أنه مصدر الفيلم السخيف "الغريب ضد المفترس" الذي حاول جمع فيلمَي رعب في فيلم واحد، لكنه فشل. هناك نمط سفينة الفضاء.. للمرة الأولى تبدو سفينة الفضاء متاهة مظلمة يمكن أن يقع فيها أي شيء، وفي الوقت نفسه هي بالية ومستهلكة ومكسوّة بالشحم.. كانت العادة أن تكون سفن الفضاء باردة برّاقة صناعية، أما هنا فسفينة الفضاء تُذكّرك بتريللا تعمل بين القاهرة والسويس مثلا.. إن قوة ريدلي سكوت البصرية لا يمكن الشك فيها؛ فهو لا يرى أي شيء كما نراه نحن؛ مثلا لا يستطيع أحد نسيان السفينة الفضائية المهجورة الموحشة المتروكة في كوكب بعيد، بينما يقوم ثلاثة روّاد باستكشافها وهم ضئيلو الحجم كالنمل في عالم شديد الغرابة ومعاد تماما.. هناك كذلك الوحش الفاتن الذي يظهر في هذا الفيلم.. هو شيء قريب من صرصور عملاق أو حشرة مخيفة هائلة؛ هذا الشكل ظهر كلوحة في ألبوم الفنان السريالي السويسري جايجر، وقد أعجب به ريدلي سكوت جدا فاشتراه منه، وكلّفه بعديد من التصميمات الأخرى، ثم قام بتصميم الوحش نفسه خطوة خطوة مع صانع المؤثرات الخاصة الساحر ستان ونستون.. لم يستخدم الكمبيوتر ومؤثراته الخاصة اللعينة في هذا الفيلم.. المؤثرات كلها ميكانيكية.. إن مؤثرات الكمبيوتر تثير جنوني، فمهما بلغت براعة المصممين فأنت تشعر بأن الأجسام خفيفة بلا وزن، وتقفز في وجهك.. لقد سقطت أفلام كاملة بسبب رداءة الكمبيوتر مثل "المومياء تعود" عندهم و"الكافير" عندنا، أما هنا فالوحش ثقيل ومرعب وله أنفاس ثقيلة مشبعة ببخار الماء، وله حضور مفزع.
الناس عرفت اسم ريدلي سكوت واهتمت به مع فيلم "الغريب" هناك كذلك نمط البطلة سيجورني ويفرّ المسترجلة الخالية من الأنوثة تماما وهذا جزء مهم من سحرها.. هكذا صار من العسير أن تتخيّل السلسلة من دونها.. فيما بعد قامت ببطولة فيلم "الغرباء" مع الممثلة وينونا رايدر.. قالت لها وينونا إنها كانت في التاسعة عندما رأت فيلم "الغريب" الأول وأصيبت بالهلع، هنا قالت سيجورني ويفر في غيظ: "أهلك يستحقون السجن.. كيف يسمحون لطفلة في التاسعة برؤية فيلم كهذا؟". القصة ليست أصيلة تماما، كتبها دان أوبانون وكتب السيناريو والتر هيل.. خبراء أفلام الخيال العلمي وجدوا أنها مشتقة من أفلام عديدة سابقة؛ منها "المدمر الأسود" و"هو: الرعب من الفضاء الخارجي".. المهم هو ما صنعه سكوت بهذه العجينة، قال كاتب السيناريو فيما بعد: "لم أسرق فيلم "الغريب" من أي واحد.. سرقتها من كل واحد". بالفعل لا توجد ثغرات في هذا الفيلم تقريبا، كما أنه متعة بصرية لا شك فيها. عندما يفيق رواد الفضاء الغارقون في سبات صناعي، نعرف أن السفينة العتيقة "نوسترومو" -وهو اسم البحار لدى جوزيف كونراد في قصصه- تستكشف حدود المجرة بناء على نداء استغاثة، وتهبط على كوكب غريب مخيف، به سفينة فضاء ساقطة مهجورة.. يعرفون فيما بعد أن ما سمعوه لم يكن استغاثة لكنه تحذير. الحقيقة أن شيئا من السفينة المهجورة يتسلل إلى سفينة "نوسترومو"، ويلتصق بوجه أحد الرواد، وسوف نستغرق وقتا طويلا جدا كي نرى ذلك الكائن الذي تسلل والذي يطلق عليه الفيلم اسم "الغريب".. نعرف كذلك أنه يمارس حياته كطفيل ينمو داخل أحد أفراد الطاقم ثم يتركه ويهاجم آخر، وهكذا... هذا تصميم فائق البراعة من ستان ونستون عميد المؤثرات الميكانيكية، والذي اعتمد كما قلنا على رسوم الفنان السويسري جايجر. هنا تبدأ لعبة الكائن الذي يجول في السفينة ويمكنه أن يدمّر أشكال الحياة الأخرى ويتغذّى عليها.. في مشهد تم حذفه من الفيلم كان عضوا الطاقم دالاس وبريت حيين حتى النهاية داخل شرنقة؛ أي أن الكائن كان يعدهما لغذاء أولاده حديثي الفقس. هذا الجو المتوجس الهتشكوكي يعتصر أعصابك حتى النهاية، ويبتكر ريدلي سكوت تقنيات جديدة تماما، مثل تقدّم الوحش نحو أحد أفراد الطاقم على إحداثيات الشاشة، كأنك ترى لعبة فيديو مخيفة.. فقط أنت تعرف أنها حقيقية تماما.
إضغط لمشاهدة الفيديو: يتسلّل الوحش لأفراد الطاقم واحدا تلو الآخر.. هناك مشهد رجل الطاقم الذي ينفجر صدره ليخرج منه الكائن، وهو مشهد شهير جدا في سينما الرعب، وقد تمّ استنساخه مرارا بعد ذلك.
إضغط لمشاهدة الفيديو: هناك كذلك الفوز بواحد تلو آخر من الطاقم؛ فلا تنجو إلا الضابطة ريبلي، وهي التي تستطيع تدمير الغريب في النهاية.
إضغط لمشاهدة الفيديو: شاهد الرأس المقطوع الذي بَقِي بعد تفحّم الجسد بقاذف اللهب، وهو رأس آش.. واحد من الطاقم، وفيما بعد سنكتشف أنه رأس روبوت كما سنعرف.
إضغط لمشاهدة الفيديو: شاهد تريللر الفيلم هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: تذكّر كذلك أن فيلم "برومثيوس" -لنفس المخرج- يعرض الآن، وهو المقدّمة السابقة prequel لفيلم "الغريب"؛ بمعنى أنه يرينا كيف بدأ كل شيء.. كان على المشاهد أن ينتظر نحو 25 عاما حتى يعرف.