السنوسي محمد السنوسي من الواضح أن الرئيس الدكتور محمد مرسي قد ورث تركة ثقيلة مليئة بالقضايا والعقبات والتحديات التي تراكمت عبر عقود طويلة، وليس فقط عبر ثلاثة عقود كما يظن البعض. وهذه الملفات أشبه بالألغام التي تحتاج إلى حكمة متناهية ودقة بالغة في التعامل معها، وإلا انفجرت وأصابت الجميع.. وأولهم الرئيس نفسه. والتعامل معها يجب أن يكون حسب الأولوية والأهمية وحسب ملامستها للمواطن العادي الذي لا يهمه كثيرا حديث المثقفين والأحزاب والصالونات بقدر ما يهمه الأثر العملي والانعكاس المباشر لها على حياته اليومية وعلى رغيف خبزه ودوائه ومواصلاته... إلى غير ذلك من الاحتياجات الضرورية التي لا تقبل التأجيل. ويمكنني أن أقول إن هذه الملفات على كثرتها، تحكمها ثلاثة ملفات رئيسية، بقدر ما ينجح د. مرسي في التعامل معها فإن ذلك سينعكس إيجابا على سائر الملفات، والعكس بالعكس. أولا: مع المجلس العسكري: المجلس العسكري سلطة قائمة في البلاد منذ تنحي المخلوع مبارك، وأدار الفترة الانتقالية بأخطاء وإيجابيات لسنا بصدد التفصيل فيها، وهو الآن عليه أن يسلم السلطة للرئيس المنتخب د. مرسي. لكن المجلس العسكري اتخذ قرارات في الأيام الأخيرة من الفترة الانتقالية رآها كثيرون قرارات لا تتناسب مع الزعم الذي كان يكرره العسكري بأنه ملتزم بتسليم السلطة كاملة لرئيس منتخب مثل الإعلان الدستوري المكمل والضبطية القضائية وغيرهما. والتعامل مع ذلك يحتاج إلى حكمة كثيرة؛ لأن البلد لا يحتمل صداما ولا يحتمل صراعا مكتوما يؤدي في النهاية إلى تعطيل مصالح المواطن البسيط، مثلما رأينا هذا الصدام بين حكومة د. الجنزوري ومجلس الشعب، والذي لم يكن صراعا مكتوما بل علم به القاصي والداني. المهم لا نريد تكرار تجربة مجلس الشعب/ الحكومة، في صورة الرئيس/ المجلس العسكري.. لكن الأمر الضروري الذي يتجاهله كثيرون هو أن مسئولية إدارة هذا الملف هي مسئولية مشتركة بين الرئيس والعسكري، وليست واقعة على أحدهما فقط. بمعنى أنه يجب أن يدرك الرئيس حساسية هذا الملف الشائك وضرورة ألا يترك الفرصة للبعض ليلعب على إحداث توتر وصراع مكتومين.. وفي المقابل يجب أن يدرك المجلس العسكري أنه حان الوقت ليوفي بتعهداته، ليس فقط للرئيس المنتخَب بل للشعب المنتخِب الذي هو مصدر السلطات جميعها، وأنه لا يجوز أن يكون الجيش المصري الوطني مؤسسة داخل أو فوق الدولة.. بل هو مؤسسة مثل كل مؤسسات الدولة حتى وإن كان لها خصوصية ليست لغيرها. وما يقال عن ضغوط خارجية على المجلس العسكري بشأن عدم تسليم السلطة كاملة لرئيس قادم من جماعة الإخوان يجب أن يُطرح بصراحة أمام الرئيس وبقية مؤسسات الدولة ليتم التعامل معه في إطار من المواجهة المؤسسية والتعاون والثقة المتبادلة.. فكلنا أبناء وطن واحد ولا يجوز لأحد أن يوظف إمكانات الدولة لأغراض شخصية ولا لرؤيته الخاصة، حتى لو كانت النيات صادقة في مراعاة المصلحة الوطنية. وبفضل الله فإن الشعب الذي أنجز الثورة قادر على استكمال الطريق ومواجهة أي تحديات. ثانيا: مع القوى الإسلامية والليبرالية واليسارية: من المهم أن يتذكر د. مرسي دائما أن حزبه وجماعته –سابقا- لم يكن بإمكانهما وحدهما أن يضمنا له الفوز.. وبالتالي فهناك شركاء له في النجاح، ويجب عليه أن يشركهم في السلطة والمسئولية.. هذه واحدة. أما الثانية.. فيجب أن يعلم هؤلاء الشركاء أنهم لا يجوز لهم أن يفرضوا رؤيتهم على الرئيس الفائز باسم الشراكة، ولكن الأمر يتم بالتراضي مع مراعاة حق الفائز في تحديد الجانب الأكبر من الرؤية ومن طريقة التعامل مع القضايا والمشكلات. أما النقطة الثالثة فهي صعوبة -إن لم تكن استحالة- إرضاء كل القوى الموجودة على الساحة، وأن الاهتمام بإرضاء الجميع سيعطل المسيرة ولن ينجز شيئا. وعمليا فالدكتور مرسي فائز في الانتخابات وعلينا أن نعطيه الفرصة لتنفيذ رؤيته، أما من يجد في نفسه صعوبة الاشتراك في هذه الرؤية فأمامه مقاعد المعارضة وعليه أن يقوي صفوفه ويستعد لجولة أخرى من الانتخابات، لا أن يعطل المسيرة بزعم أن د. مرسي لا يريد التوافق. وما دام أنه من الصعب إرضاء كل القوى، فيجب أن يتوجه د. مرسي بشراكته بشكل أساسي إلى القوى التي ساندته وأعلنت دعمها الصريح له، سواء قبل جولة الإعادة الثانية أو بعدها وقبل إعلان النتيجة. فهذه القوى هي التي ضحت وتحملت التهم والشتائم بتحالفها مع د. مرسي، واستطاعت أن تتجاوز عمليا خلافاتها الفكرية مع الإخوان لمواجهة خصم مشترك.. ولا يمكن أن يقف د. مرسي منهم نفس الموقف من القوى الأخرى التي صمتت أو دعمت خصمه المنافس. هذا إن كنا نبحث فعلا عن توافق حقيقي، وليس عن توافق نظري يستهلك الجهد والوقت دون أن ينتج أي أثر على الأرض، لأنه من السهل أن يخضع د. مرسي لابتزاز البعض تحت مسمى التوافق. فلا يستوي أبدا من دعم د. مرسي ومن صمت في لحظات حرجة كادت تدخل البلاد في دوامة احتجاجات لا يعلم أحد إلا الله سبحانه إلى أين كانت ستنتهي. ثالثا مع الإخوان وحزب الحرية: يجب أن يثبت د. مرسي عمليا أنه على مسافة واحدة من الجميع كما وعد.. وأنا لم أكن مستريحا للتصريحات المتضاربة من بعض قيادات حزب الحرية والعدالة عن الجهة التي سيحلف د. مرسي اليمين أمامها، وأرى أن هذا يضعف صورته أمام الرأي العام. والحل هو أن نرى مؤسسة الرئاسة كيانا قائما واضح المعالم والشخصيات في أقرب وقت.. ثم يبقى حزب الحرية والعدالة يمارس دوره في الحياة السياسية والبرلمانية كحزب أغلبية بعيدا عن سلطة ودائرة الرئيس، فهو رئيس كل المصريين وقادر -بإذن الله- على إدارة دفة البلاد بتوازن ووعي. أريد أن يتخفف الرئيس من أخطاء حزب الحرية والعدالة في حال حدوثها، ومن الصورة التي ما زالت مشوشة عند البعض عن جماعة الإخوان المسلمين؛ حتى لا ينشغل بهذه الأعباء التي من السهل أن يقوم بها غيره، ليتفرغ هو لقيادة البلاد داخليا وخارجيا في الخطوط العامة والمهمة. هذه باختصار ملفات ثلاثة مهمة أرجو ألا تتحول إلى ألغام، وأن يثبت رئيسنا الدكتور محمد مرسي أنه على قدر المسئولية التي منحه الشعب إياها.. وهو جدير بها بإذن الله.