لم أكّن أتخيّل أن يأتي يومٌ أضع فيه على صفحتي على فيسبوك مقالا للدكتور حازم شومان؛ فلا أُخفي سرا لو قلتُ أني حتى قراءتي المقال المذكور لم أكُن أحمل لكاتبه أي مشاعر طيبة, منذ الأيام السابقة للاستفتاء على التعديلات الدستورية ومشاهدتي فيديوهات الحملة التي شنّها -سامحه الله- وبعض الشيوخ المنتسبين للتيار السلفي على مَن ينادون بالتصويت ب"لا"، بل وكتبتُ مقالا للرد على عبارته الشهيرة "مدنية يعني أمك ما تلبسش الحجاب" بمقال بعنوان "الليبرالية يعني أمك تعرف تلبس الحجاب"..!! لهذا فقد أصبت بحالة ذهول وأنا أقرأ مقاله الأخير بعنوان "قبل أن تموت الثورة"، وهو مرفوع على صفحته على فيسبوك http://www.facebook.com/photo.php?fbid=408412179179907&set=a.16652296670... أوّل تعليق لي على مقاله كان "الحمد لله على السلامة يا دكتور حازم!"، ثم رفعتُ المقال على صفحتي، وكَتَبت تعليقا عليه أقول فيه: "هذا المقال يشفع للدكتور حازم شومان كل ما كان يُثير ضيقي وغضبي منه". مقال د. شومان ليس مجرد مقال رأي أو كلام عابر معسول، بل هو مؤشر لحالة النضج الثوري والسياسي التي ألاحظها من فترة ليست بالبسيطة على كثير من أبناء التيار السلفي، فعن نفسي، بينما لديّ بعض المشكلات فيما يخصّ الثقة بالإخوان ولكني أحمل شعورا مختلفا تجاه السلفيين؛ فأنا كثيرا ما ألتمس لهم العذر بقلة الخبرة وحداثة العهد بممارسة السياسة (رغم قسوتي الشديدة في نقدي لهم)، وأرى أنهم يتميّزون -رغم كل سلبيات أدائهم السياسي- بقدر كبير من الصدق والأمانة، فحتى عندما يُهاجمونك فإنهم يفعلون ذلك في وجهك مباشرة بعبارات واضحة وصريحة، وبغضّ النظر عن موافقتنا أو رفضنا أسباب الهجوم أو موضوعه؛ فدعونا لا ننكر أن صراحة التعبير تستحقّ الاحترام. د. حازم شومان ضمّن مقاله قدرا واضحا من النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ والندم على ما كان، والحقيقة أن هذه نبرة ملاحظة جدا في الآونة الأخيرة بين كثير من شيوخ تيار السلف، وهي علامة صحية بالطبع يمكنني ربطها بعدة عوامل: أولا: تشعّب السلفيين في أكثر من منظومة أو مجموعة لكل منها القدر الكافي من الاستقلالية الذي سمح لها بتكوين رؤيتها الخاصة للأمور، ثانيا: تضاعف عدد المنخرطين في العمل الثوري من السلفيين خاصة بعد أحداث مجلس الوزراء، وما صاحب ذلك بالضرورة من ازدياد التقارب الإنساني بينهم وبين رفاقهم من مختلف التيارات. ثالثا: وجود أكثر من مرشح رئاسة منتمٍ للتيار الديني أو ذي خلفية دينية، مما خلق حالة من التنوّع في الآراء والاتجاهات حول تأييد هذا أو ذلك. أما رابعا وهو الأهم؛ فإن العامل الأساسي في ارتفاع الوعي السياسي والنضج الثوري لدى السلفيين هو استقلالهم عمّا كانوا -خلال عدد لا بأس به من الأشهر- من تبعيتهم لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث اكتشف كثير منهم أنها كانت تستغلّهم فقط ككتلة تصويتية أو ككتلة داعمة في البرلمان حتى وإن بدا للمشاهد أن ثمة منافسة بينهم خلال الانتخابات البرلمانية، هذا فضلا عن تعارض النمط السلفي الصريح في التعبير عن الآراء والمواقف مع الطبيعة الإخوانية المتلاعبة التي يرفضها كثير من السلفيين. أتذكّر هنا مناقشة -منذ عدة أشهر- مع بعض أصدقائي؛ حيث قالوا لي إنهم يتوقّعون خلال المرحلة القادمة تحالف السلفيين مع التيارات المدنية، وقتها اندهشت من القول لكن صاحبه فسّره لي بأن السلفيين قومٌ صادقو النية يريدون بالفعل مصلحة مصر، لكن مشكلتهم ضعف الخبرة وقلة الممارسة، وأنهم لا يحتاجون إلا لبعض الوقت لاتضاح الرؤية ليستطيعوا التمييز بين مَن قلبه على وطنه ومَن قلبه على مكاسبه الخاصة. كنتُ قد تذكّرتُ أيضا هذه المناقشة منذ أسبوعين تقريبا عندما كنّا نستعدّ لمليونية 4 مايو أمام المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية، وجدت يومها فضيلة الشيخ أحمد السيسي -وهو رجل ثوري جدا منذ البداية- واقفا مع بعض الإخوة السلفيين الذين توجّهوا بعد ذلك إلينا، وقال لي أحدهم: "يا شباب.. صلاة الجمعة إن شاء الله ستكون هنا أمام المنطقة الشمالية"؛ فسألته: "وماذا عن مسجد القائد إبراهيم؟ لقد اعتدنا أن تكون الصلاة هناك قبل بدء التظاهرات"؛ فابتسم وأجابني: "الإخوان سيصلّون في القائد إبراهيم.. لو أنك تريد الذهاب معهم فأنت حر.. هنا سنصلّي خلف الشيخ السيسي، بينما هناك ستجد الشيخ المحلاوي في انتظارك"! طبعا اندهشت من قوله الذي يعكس استقلالية رهيبة عن موقف الإخوان الذي أحمل تجاهه كثيرا من التحفّظات، وشعرت بحالة ثورية رهيبة في كلامه؛ فقلت له تلقائيا وأنا أضحك: "الحمد لله على سلامتكم.. إنتم كنتم فين يا راجل من زمان؟!!". واليوم أقولها للدكتور حازم شومان: "ألف ألف حمد لله على السلامة.. وأهلا بك وبكل مَن هم مثلك بين إخوانكم الثوار". المشكلة أن كثيرا من أهل التيارين الليبرالي واليساري يفرطون في التشكك في صدق موقف الدكتور حازم والسلفيين العائدين للصف الثوري، هناك تفسيرات عن أنهم لم ينموا لنا إلا بعد أن اكتووا بنار أزمة استبعاد الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل، أو أن سبب تغيّر موقف بعضهم هو اتفاقهم مع بعض أبناء التيارات الأخرى على دعم د. أبو الفتوح، الحقيقة أن هذه التفسيرات واهية -من وجهة نظري المتواضعة- فأولا من الملاحظ أن كثيرا ممن تغيّرت مواقفهم من السلفيين ليسوا متفقين على مرشح رئاسي واحد، وهو ما يعني أن شخص مرشح الرئاسة ليست له علاقة بالأمر، وثانيا فإن الصف الثوري من البداية لم يخلُ من سلفيين ثوار ك"سلفيو كوستا" والجبهة السلفية والشيوخ أمثال فضيلة الشيخ أحمد السيسي وفضيلة الشيخ محمد عبد المقصود عفيفي، وثالثا لأن الخبرة أعطت كثيرا منّا -أدّعي أني منهم-نوعا من الفراسة أو الحساسية لصدق الإنسان أو كذبه، وغصبا عني فقد أحسستُ من كلمات ككلمات د. حازم في مقاله بحالة صدق قوية جدا، ربما يتهمني البعض بالسذاجة لكني أثق في حدسي الذي لم يحس ذرة كذب أو نفاق أو ادّعاء في عبارات د. شومان في مقاله الأخير. اقرأ المقال أكثر من مرة، وستجد أنك أمام رجل غارق في الشعور بالندم والخوف على الثورة.. أنا شخص عملي، لكني أؤمن بشدة بهذه المعنويات. أمام التيار السلفي الكثير والكثير ليصلح نفسه ويكتسب الخبرات اللازمة، والأهم أن يُنقّي صفه من العملاء والمندسين؛ حيث إنه -باعتراف كثير من أبنائه- كان أكثر التيارات عُرْضة للاختراق من أمن الدولة، والبداية هي تلك المراجعات المشابهة لمراجعة د. حازم شومان نفسه، ثم بعد ذلك مباشرة الحوار والنقاش والبحث عن نقاط الالتقاء مع باقي التيارات. وأتعشّم أن يحذو كثير من أبناء التيارين الليبرالي واليساري هذا الحذو؛ فنحن أيضا نحتاجه، وصدّقوني، بدرجة مساوية لاحتياج إخواننا السلفيين له. د. حازم شومان.. أشكرك جدا.. وأُحيّيك.. وأحمد الله على عودتك لحضن ثورتنا سالما أنت وأمثالك من الذين مهما اختلفنا معهم نحترم أمانتهم.