جاء قرار المستشار فاروق سلطان -رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة- باستبعاد 10 مرشّحين؛ من ضمنهم المرشّحون الأبرز وأصحاب الفرص الأكبر في سباق الرئاسة (عمر سليمان، وصلاح أبو إسماعيل، والمهندس خيرت الشاطر، وأيمن نور)، مفاجئا وغير متوقّع لكثيرين من المتابعين للمشهد السياسي؛ حيث إنه غيّر موازين المعترك الانتخابي القادم. فقد وقفت مصر كلها خلال الأسبوع الماضي على قدم واحدة؛ بسبب قرار عمر سليمان -نائب الرئيس السابق- خوضه انتخابات الرئاسة، وجمعه التوكيلات في وقت قصير جدا، وتقدُّمه للجنة العليا بأوراقه في اليوم الأخير من تقديم تلك التوكيلات، ولكن ها هو عمر سليمان يجد نفسه فجأة خارج اللعبة. وعلى الرغم من عدم صدور بيان رسمي من اللجنة -حتى كتابة هذه السطور- عن أسباب وحيثيات استبعادها لسليمان؛ فإن التسريبات من داخل اللجنة تُؤكِّد أن عدم استيفاء التوكيلات للتمثيل الجغرافي المطلوب كان السبب وراء استبعاد سليمان من الرئاسة، وقد أرجعت المتحدّثة باسم حملة سليمان السبب في ذلك إلى ضيق الوقت، وأن الورق سيتمّ استكماله وإعادة التقدُّم به للجنة مرة أخرى. ولكن الدكتور جابر نصار -أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة القاهرة- أكّد أنه لا يجوز للمرشح المستبعَد أن يستكمل أوراقه ويتقدّم بها مرة أخرى، وإلا اعتد ذلك عدم عدالة في التوزيع بين كل المرشحين الذين حصلوا على الوقت نفسه، ولكن د. محمد نور فرحات -الفقيه الدستوري- يعتقد أن أسباب استبعاد سليمان كانت أسبابا إجرائية، وبالتالي لا يضيره استكمال ما ينقصه من أوراق. وقد جاء ترشيح عمر سليمان على خلفية الصراع الدائر بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، وإعلان انتهاء شهر العسل الذي استمرّ لشهور طويلة منذ قيام ثورة يناير، ولم يُعكّر صفوه طيلة هذه المدة سوى وثيقة السلمي في شهر نوفمبر الماضي، ولذلك جاء قرار الجماعة بالدفع بالشاطر مرشّحا للجماعة في الانتخابات الرئاسية ثم مرسي بديلا، خوفا من السيطرة على المنصب الأهم في الدولة. ولكن وبما أن كلا من عمر سليمان وخيرت الشاطر خرجا من اللعبة؛ فخريطة التوازنات أصبحت مشوّشة في الوقت الحالي، فقد استبعدت اللجنة القيادي الإخواني خيرت الشاطر؛ بسبب مشكلات تتعلّق بردّ الاعتبار الذي منحه المجلس العسكري في وقت سابق؛ حيث إن المجلس ليس جهة مؤهلة لإصدار رد الاعتبار، وإنما يكون ذلك بحكم من المحكمة.. ويبقى الآن السؤال: هل تصرّ الجماعة على دعم محمد مرسي مرشّحا للجماعة أم تستغلّ ارتفاع أسهم أبو الفتوح بعد خروج منافسيه الثلاثة الأقوى؟ فكرة تراجع الجماعة عن دعم أبو الفتوح ربما تكون من الصعوبة بما كان؛ نظرا لوجود تيار كامل داخل الجماعة معادٍ لأبو الفتوح وأفكاره الإصلاحية، ويعتقد البعض أن المرشد محمد بديع بنفسه يتزعّم هذا التيار، فضلا عن أن التراجع عن دعم أبو الفتوح سوف يهزّ من ثقة الشباب الذين التزموا بقرار مجلس شورى الجماعة بعدم دعم مرشح إخواني ثم دعم الشاطر وليس أبو الفتوح، ولكنها مهددة في الوقت نفسه في حال عدم دعم أبو الفتوح بمواجهة موجة استقالات عارمة لن تقتصر فقط على شباب الجماعة، بل ستشمل قيادات كبيرة ساءها موقف مجلس شورى الجماعة من أبو الفتوح. حازم صلاح أبو إسماعيل هو الآخر كان ضحية قرارات اللجنة بالاستبعاد من سباق الترشح، وربما يكون هو القرار الأخطر من بين القرارات الأخرى؛ لأنها القضية التي حازت اهتماما إعلاميا بالغا خلال الفترة الماضية، وتعول اللجنة في قرارها على أوراق ومستندات أمريكية رسمية وصلتها من الجانب الأمريكي عن طريق الخارجية الأمريكية تُثبت جنسية والدة المرشح الأمريكية، بينما يعتمد أبو إسماعيل على جدلية قانونية أخرى تتعلّق بأن الحاجة "نوال" لم تُخطِر الداخلية المصرية بذلك والداخلية لم تعطِها الإذن، وبالتالي تعامل معاملة المصرية. أنصار أبو إسماعيل يُهدّدون بالنزول للشارع ومحاصرة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية؛ اعتقادا منهم بوجود مؤامرة أمريكية على ترشح الشيخ لانتخابات الرئاسة، ورفضا لتصديق فكرة أن الشيخ يكذب، وبالتالي فالأقرب لهم أن اللجنة هي التي تكذب والأوراق الرسمية ملفّقة ومزوّرة، وهي كلها أمور يزكيها تصريحات وتطمينات أبو إسماعيل المستمرة بسلامة موقفه القانوني. يعتقد البعض أن أبو إسماعيل كان لديه أمل في أن يتحوّل الأمر لجدال قانوني ينتهي لصالحه بحكم عمله محاميا، وبموجب حكم محكمة القضاء الإداري بإلزام وزارة الداخلية بمنحه شهادة تثبت خلو والدته من جنسية أخرى غير الجنسية الأمريكية، ولكن الجدل حسمته اللجنة ضد أبو إسماعيل مدعومة في ذلك بحصانة قراراتها من أي جهة قضائية سواها. ولكن إلى أين تذهب الكتلة التصويتية الضخمة التي كانت تقف بجوار أبو إسماعيل بعد أن تمّ استبعاده من السباق، البعض يعتقد أن جزءا كبيرا من هذه الكتلة سوف يذهب لصالح عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الإسلامي الليبرالي في الوقت نفسه؛ وذلك لسببين: السبب الأول أن جزءا لا بأس به ممن كانوا يدعّمون أبو إسماعيل هم من الشريحة العادية التي ليست بالضرورة من المنتمين للتيار الإسلامي، وبالتالي أبو الفتوح هو الأقرب بالنسبة لهم، وربما يدعّم اختيارهم هذا موقف الجماعة المعادي له؛ حيث إن الجماعة فَقَدت كثيرا من قواعدها خلال الفترة الماضية، وبالتالي كل ما تكرهه هو بالضروري محبب للآخرين. الجزء الثاني وهم السلفيون النظاميون الذين يتحرّكون بمنهجية، وجزء كبير منهم يدعّم حزب النور، فسوف يتحدد قرارهم النهائي في اختيار المرشح الجديد وفقا لما سيُعلنه حزب النور السلفي بناءً على التحالفات التي سيعقدها بعد انتهاء فترة الطعونات والتظلمات، وأغلب الظنّ سيكون هذا المرشح هو محمد مرسي، ولكن على ما يبدو سيكون أيضا هناك انقسامات؛ لأن مرسي هو شخصية قيادية لا تتمتّع بكاريزمة أبو الفتوح أو حتى كاريزمة الشاطر. أخيرا.. استبعاد أيمن نور كان متوقّعا، وربما لم يكُن مؤثرا؛ نظرا لضعف فرصه بالنظر إلى الفرص المرشحين الآخرين؛ فنور هو مرشّح برلماني صاحب شعبية، ولكن كمرشح رئاسي فلن يتعدّى ال500 ألف صوت الذين حصدهم أيام الرئيس السابق لأسباب ربما تتعلّق بكرههم للرئيس المخلوع أكثر من تأييدهم واقتناعهم به.