اليوم آخر موعد لتنازلات مرشحي «الشيوخ».. وبدء الدعاية الانتخابية    مجلس الشيوخ.. منعطف رئيس على طريق بناء الجمهورية الجديدة وتعزيز التجربة البرلمانية    الجريدة الرسمية تنشر قرار إبعاد سوري الجنسية خارج البلاد    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    وزير الزراعة يستعرض جهود وأنشطة قطاع الثروة الحيوانية والداجنة خلال عام    أسعار الأسماك اليوم الأحد 20 يوليو في سوق العبور للجملة    مفوض أممي يدعو لوقف إراقة الدماء في السويداء بسوريا    كوريا الجنوبية: مصرع 14 شخصا وفقدان 12 آخرين بسبب الأمطار الغزيرة    ميسي يقود إنتر ميامي لاكتساح ريد بولز بالدوري الأمريكي    ريال مدريد يصدم فينيسيوس.. تجميد المفاوضات    ضبط أكثر من 114 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة.. و371 حالة تعاطي مخدرات بين السائقين    قرار وزاري برد الجنسية المصرية ل21 مواطنًا    إصابة 4 أشخاص في تصادم بين دراجتين ناريتين بطريق سنهور الزراعي بالفيوم    سينما الصيف تستعد للانفجار.. بين بطل شعبي وملاكم غلبان وجواهرجي في ورطة    الصحة: اعتماد 7 منشآت رعاية أولية من «GAHAR»    أسباب ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات.. «الغرف التجارية» توضح    وكيل الصحة بشمال سيناء يتابع الخدمات المقدمة للمواطنين ضمن «100يوم صحة»    بعد فيديو لطفل يقود «تريلا».. تدخل عاجل من «القومي للطفولة»: مُعرض للخطر من أهليته    «الوزير»: ملتزمون بحماية الصناعة الوطنية من ممارسات الإغراق وترشيد فاتورة الاستيراد    إلغاء أكثر من 200 رحلة طيران بسبب الطقس في هونج كونج    عودة الزحام الرسمي.. خطة مرورية محكمة لتأمين شوارع العاصمة بعد الإجازة    تقرير حكومي: مصر أصبحت وجهة جاذبة لتجميع السيارات بدعم من استقرار الاقتصاد والسياسات الصناعية    الثلاثاء.. مناقشة "نقوش على جدار قلب متعب" لمحمد جاد هزاع بنقابة الصحفيين    قبل انطلاقه بساعات.. تفاصيل حفل افتتاح الدورة ال 18 ل المهرجان القومي للمسرح    "حياة كريمة" تغيّر وجه الريف المصري.. 95% من مشروعات المبادرة تكتمل في الحسينية بالشرقية    انفراد | ليفربول يعلن عبر الفجر الرياضي انتهاء صفقة ايكتيكي رسميا    «صفر».. إمام عاشور يثير الجدل بصورة ل وسام أبوعلي مع الراحلين عن الأهلي    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    مصرع العشرات في غرق قارب سياحي بفيتنام    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    لعدم ارتداء الخوذة.. ضبط 566 مخالفة لقائدي الدراجات النارية    «أمن المنافذ»: ضبط قضيتي تهريب وينفذ 216 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    دعوى قضائية ضد حكومة بريطانيا لقرارها عدم إجلاء أطفال مرضى من غزة    عرض أخير من برشلونة للتعاقد مع لويس دياز    وفاة الأمير النائم بعد 20 عاما في الغيبوبة.. مآسي الشباب الراحلين من الأسرة الحاكمة السعودية    «بين الخصوصية والسلام الداخلي»: 3 أبراج تهرب من العالم الرقمي (هل برجك من بينهم؟)    بعد غياب عامين.. التراث الفلسطيني يعود إلى معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    دير السيدة العذراء بالمحرق يتهيأ لإحياء تذكار الأنبا ساويروس    وزير الري يتابع إجراءات اختيار قادة الجيل الثاني لمنظومة الري المصرية 2.0    أوكرانيا: ارتفاع قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى مليون و41 ألفا    تحرير 143 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق خلال 24 ساعة    جامعة القاهرة تعلن حصول وحدة السكتة الدماغية بقصر العيني على الاعتماد الدولي    كريم رمزي يفتح النار على أحمد فتوح بعد أزمة الساحل الشمالي    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    وزارة العمل تُعلن عن وظائف خالية برواتب مجزية    بنك التنمية الصناعية يحصد جائزة التميز المصرفي في إعادة الهيكلة والتطوير لعام 2025    ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا.. قارئ الملائكة    مصرع 3 أطفال أشقاء غرقا داخل حوض مياه ببالبحيرة    أحمد شاكر: اختفيت عمدا عن الدراما «مش دي مصر».. وتوجيهات الرئيس السيسي أثلجت صدر الجمهور المصري    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    المبعوث الأمريكي يلتقي قائد «قسد» لاستعادة الهدوء في السويداء    موعد بداية شهر صفر 1447ه.. وأفضل الأدعية المستحبة لاستقباله    «دماغه متسوحة.. وطير عربيتين ب 50 مليون».. مجدي عبدالغني يشن هجومًا ناريًا على أحمد فتوح    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    سيف زاهر: رغبة مدافع «زد» تحسم واجهة اللاعب المقبلة    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب.. المريض التالي (4)
نشر في بص وطل يوم 11 - 04 - 2012

هناك عند هذا المنحنى في الطريق، حيث اصطدمت عشرات السيارات بالحاجز الحديدي من قبل فالتوى وتشوّه، كان السياج تالفًا.. وكان ذلك المنحدر الذي يقود إلى الترعة..
هذا هو المكان الذي توقّف عنده المهندس مينا.. كان واثقًا من أنه رأى شيئًا أسفل هذا المنحدر، لكنه لم يستطع أن يحكم ما هو.. فقط هو شيء لا يبعث الراحة في النفس، توقّف بعيدًا عن مسار العربات المندفعة وانحنى ليلقي نظرة أدقّ..

بالفعل.. هذا ثوب أو معطف ممزق.. جسد بشري يتعلق بغصون الأشجار البارزة من المنحدر، ومن الجلي أنها أنثى كذلك.. كان قلبه يتواثب بين الضلوع عندما مدّ يده لجيبه وطلب رقم الشرطة.
عندما جاءت سيارة الشرطة بعد وقت طويل، استطاع شرطيان أن يجرّا الجثة إلى أعلى.. القصة واضحة، لقد قتلها أحدهم ثم ألقى بها من فجوة السياج للهاوية، وتعلّقت بالغصون، تأمل الضابط الوجه..
إنه قد تشوه بالرعب وآثار دماء، لكن يمكن بسهولة أن تدرك أنها كانت جميلة يومًا ما، كانت تلبس معطفًا.. وجد يده تمتد لتعبث في جيبها ثم خرجت ببطاقة هوية صغيرة.. هي إذن من النساء اللاتي يحملن الهوية في الجيب وهذا يسهّل الأمور..
قرّب البطاقة من عينه وقرأ:
"شاهنده منصور محمد.. مهندسة اتصالات".
ثم نظر إلى الوجه المذعور، وغمغم:
"ترى من قتلك أيتها الحسناء؟.. والأهم.. كيف قتلك؟".
***********
عندما فتحت الخادمة الباب وجدت تلك السيدة النحيلة واقفة هناك.. ثمة قوة نفسية كاسحة لدى بعض الأشخاص الناحلين -حيث تتكفل العينان القويتان اللتان تضخمتا من فقدان الوزن- بجعل نظرتهم لا تقاوم..
"د. هجرس موجود؟".
أرادت الخادمة أن تغلق الباب فلم تستطع.. لم تجد في نفسها القوة، وعندما أفاقت كانت تقف داخل البهو جوار المزهرية العملاقة، والسيدة النحيلة تقف أمامها...
قالت كلامًا بصوت مبحوح لا تعرف ما هو.. وهنا سمعت صوت سيدتها ثريا تسأل عما هنالك..
قالت وهي تعرف أنها ستتلقى اللعنات:
"مريضة تسأل عن د. هجرس".
قالت ثريا في عصبية وتوحش:
"مريضة؟ منذ متى يأتي المرضى للبيت؟".
ونظرت للسيدة النحيلة، كانت ترتدي ثيابًا أنيقة.. أنيقة لو أننا في الستينيات.. نفس التأثير الغريب لو أنك رأيت رجلاً يلبس طربوشًا نظيفًا مكويًا اليوم، قالت السيدة النحيلة وهي تنظر لها بذات الثبات:
"أريد كشفًا منزليًا.. إن ابنتي مريضة".
ونظرت ثريا للعينين الغائرتين والشحوب الشديد وشعرت بقشعريرة.. في عصبية قالت:
"الدكتور لا يقوم بكشوف منزلية.. أعطيها عنوان العيادة واصرفيها يا زكية".
"أريد كشفًا منزليًا.. إن ابنتي مريضة".
المخيف أن السيدة تتصرف وتتكلم كأنها لا تسمع حرفًا مما يقال...
- سوف ترحلين وإلا طلبت الشرطة.
لكنها أدركت أن الأمر يتجاوز طلب الشرطة.. هذه السيدة مخيفة فعلاً، وعلى الأرجح...
على الأرجح غير حقيقية..
بدأت ترتجف.. يدها تهتز بلا توقف... ولا تعرف متى ولا كيف ظهر الطباخ العملاق من المطبخ، هذه المرة قبض في صمت على ساعد السيدة واصطحبها إلى الباب وأخرجها وأغلقه...
لا تعرف كيف كانت ستتصرف لو طال الأمر.. هناك قوة ساحقة غلبتها لكن ما هي؟
وفي عصبية تحسست الهاتف وطلبت رقم زوجها..
***********
بعد دقائق عاد السائق وهو يلهث بسبب كرشه الضخم (رسوم: فواز)
نظر د. هجرس للهاتف الذي يتوهج بلا توقف.. اصمتي يا ثريا فلست بسعة نفسية لسماع هرائك الآن.. فيما بعد أرجوك..
كان جالسًا في سيارته وقد قام بتشغيل المكيف.. يرقب المساحة الخالية أمامه..
مساحة يلعب فيها الصبية وتنبح الكلاب على بعضها. لم ترد شاهنده حتى اللحظة وقد بدأ يقلق.. يقلق من أن تكون هي البادئة بالرحيل.. ليس هذا من حقها.. هو الذي سيرحل..
كم هو بحاجة إليها.. لا بد من امرأة في مكان ما كي تدفن حزنك العميق بين ذراعيها.. لا بد من امرأة تبكي بين خصلات شعرها.. هذا غير عادل..
هناك تمتد المقابر الريفية.. بعضها ينمّ على ثراء وفخامة، وبعضها ينمّ على فقر وتواضع حال.. طين جاف. يصعب عليه أن يصدق حالة التساوي التي يتكلم عنها الزاهدون والشعراء.. لا يرى مساواة حتى في الموت؛ هناك من يموت ثريًا وهناك من يموت فقيرًا.. هناك من ينام في بيت من رخام ثمين، وهناك من يغطى بطين جاف..
نظر لساعته.. موعد العيادة يقترب والسائق صبري ما زال هناك في المقبرة، كان يتخلص من صبري في اللقاءات النسائية طبعًا، لكنه يعترف بأنه مفيد، يساعده على التعامل مع الحثالة دائمًا.. دعك من أنه يشعر بحنين للأيام الشعبية الأولى.. من حين لآخر يحلم بطبق من الكشري أو لحمة الراس أو السمين... هنا كان السائق يتصرف..
هذه المرة كان العنوان موجودًا في سجلات المستشفى وكان واضحًا، القرية.. المركز...
بعد دقائق عاد السائق وهو يلهث بسبب كرشه الضخم. جلس خلف المقود وهو يتنهد براحة بسبب الجو المكيف..
سأله د. هجرس في برود:
"خيرًا؟"
قال السائق وهو ينظر للخلف ليتراجع بالسيارة:
"بالفعل يا سيدي.. لقد نبش اللحاد مقبرة (عز الشباب عبد السميع) ليلة أمس.. يجب أن أقول إنه طلب الكثير من المال".
"والنتيجة؟"
اندفع السائق نحو الطريق المرصوف وقال:
"فارغة طبعًا! لا توجد جثة!".
لا توجد جثة...
هناك من تحمل نفس الاسم في المستشفى الآن....
فرك د. هجرس يديه وقال في شرود:
"كنت أتوقع هذا..".
***********
"اشفني يا دكتور.. سأحمل لك هذا الجميل ما حييت".
***********
كان الهاتف ما زال يتوهج عندما اجتازت السيارة بوابة المستشفى..
لا بد أن الأطباء المقيمين أصيبوا بالشلل الذهولي أو العقم عندما فوجئوا بظهور د. هجرس في هذه الساعة.. إنه موعد عيادته، ومن المستحيل أن يظهر في هذه الساعات، وهو على كل حال لم يكن ألطف أستاذ في المستشفى..
كان طلبه محددًا وهو يفتح باب مكتبه:
"أريد أن تجلبوا لي المريضة التي تدعى (عز الشباب عبد السميع).. حالاً!".
يُتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.