منذ يوم 25 يناير وحتى 11 فبراير هتف المصريون في الميدان "الشعب يريد إسقاط النظام".. ومنذ جمعة الغضب كانت كل التيارات والفرقاء متواجدين جنباً إلى جنب.. الليبرالي بجوار الإخواني يقف معهما العلماني والسلفي.. لا فرق بين أحدهم وآخر كلهم يهتفون من أجل مصر.. وتنحّى مبارك، ومع تنحيه بدأت لعبة السياسة، فكل فصيل يريد أن يستحوذ على الغنيمة الأكبر من كعكة مصر -إلا من رحم ربي- وكلما تكلّم أحد مطالباً إياهم بأن يتوقفوا عن التنازع وأن ينتبهوا للثورة التي تضيع قبل أن يوزّعوا الغنائم فنخسر جميعاً كل شيء تجد الرد جاهزا.. هذه السياسة لا تعرف المهادنة ولا يوجد بها تنازلات، بل مصالح فقط وموائمات.. وليس من المنطق أن يكون في يدي قوة لا أستخدمها... إلخ. وبما أن جماعة الإخوان المسلمين كانت الأكثر تنظيماً والأقدم تأسيساً، فكانت هي أكثر الحاصلين على أجزاء من الكعكة وأكثر المتحججين بحجة "هذه هي السياسة". وهنا ظهرت إشكالية في جماعة المفترض بها وفقاً لتاريخ كتبه رجال مخلصون حقاً قد تختلف أو تتفق معهم، ولكنك لن تستطيع أن تتجاهل إخلاصهم وعملهم من أجل الوطن كثيراً. والإشكالية هي هل يعمل الإخوان الآن من أجل مصلحة الوطن المطلقة؟ أم من أجل الدائرة الضيقة التي تمسّ مصلحة الجماعة فقط. والواقع أن الإجابة ستختلف من النقيض إلى النقيض وفقاً لمن يوجَّه له هذا السؤال، فلو وجهته لشخص من خارج الجماعة فسيرد عليك بكل تأكيد -خاصة في الفترة الأخيرة- مؤكداً أن الإخوان لا يعرفون سوى مصالحهم، أما لو تحدثت مع شخص من التنظيم أو الحزب أو متعاطف مع الإخوان فسيؤكد لك أن الإخوان لديهم رؤية وهدف واسع، وأنهم يسعون لتنفيذ هذه الرؤية. والحقيقة أنك لو نظرت ملياً لوجدت أن الاثنين على حق.. فالإخوان بالفعل -وفقاً لتاريخ يمتدّ منذ عصر الملكية- لديهم مشروع إسلامي يقتنعون به ويعملون له جيلاً من بعد جيل. هذا المشروع تتم تربية الكوادر الجديدة على مر السنين ليؤمنوا به تماماً، والمفترض بهذا المشروع أن يقيم مصر قوية في إطارها الإسلامي، وأن يمتد ليشمل دول العالم الإسلامي كاملة يوماً ما. ولذا فكل شخص ينتمي لجماعة الإخوان يرى أن أفعال الجماعة -مهما كانت- وأن طريقة لعبها في مضمار السياسة وما تقيمه من تحالفات أو ما تتراجع عنه من قرارات أو ما تسنّه من شروط، هو في النهاية للصالح العام ولصالح الوطن؛ لأنه يصبّ في قدرة الجماعة على الوصول لمرحلة التمكين. والتمكين ببساطة هو وصول الجماعة لسلطة وقدرتها على اتخاذ القرارات، وهنا -هنا فقط- بعد أن تحوز الجماعة السلطة يمكنها أن تقيم مشروعها الإسلامي لنهضة الوطن. وعلى ذلك فكل شخص منتمٍ تنظيمياً أو فكرياً لجماعة الإخوان المسلمين يعتقد أن مصلحة الجماعة من مصلحة الوطن، فهما صنوان لا ينفصلان. فنجاح الجماعة في حصد السلطات وفي وصولها إلى السلطة يعني نجاح المشروع الوطني. ولكن تبقى هذه رؤية الإخوان لأنفسهم، فلو خرجت من عباءة الجماعة لتنظر من الخارج فماذا ترى؟؟ سترى من هم خارج الجماعة يقولون إن الوطن متعدد المشارب، وإن المخلصين كثيرون من خارج نطاق الجماعة لديهم أيضا مشروعات لنهضة الوطن وقدرة على تفعيل ذلك. وهكذا يتساءلون لماذا يعتبر الإخوان أنفسهم فقط هم من يمتلكون القدرة على تحقيق صالح الوطن.. ويمكنهم تجاوز كل القيود والأخلاقيات للوصول لهدفهم؟ ستجد هؤلاء يتساءلون لماذا تتبع الجماعة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة؟ فمن أجل الوصول للغاية النبيلة ومشروع نهضة الوطن، تجدهم خلال الطريق يثنون يوماً على لصوص النظام السابق ويصفونهم بالرموز، أو يجلسون مع نائب المخلوع وقت الثورة؟ أو يهادنون القوى التي تسعى لهدم الثورة من الداخل. ستجد من خارج الجماعة يتساءلون لماذا في الوقت الذي عادت به الثورة إلى الميدان، وسالت دماء أبناء الوطن، قرر الإخوان أن ينأوا بأنفسهم عن الميدان، ويصروا على أن الشرعية في كرسي البرلمان، وأنه هو السبيل للوصول للهدف الأسمى، وتخلوا عن رفقاء الثورة. في الوقت ذاته عند أول نزاع بينهم وبين السلطة المتمثلة في المجلس العسكري طالبوا الجميع بأن يحموا الثورة، وأن ينزلوا الميدان لعزل حكومة الجنزوري ولضمان عدم تزوير الانتخابات وسرقة الثورة، وأيضاً الحجة هي حماية الهدف الأسمى. وهكذا يطلّ السؤال المهم: هل الهدف الأسمى هنا هو رفعة الوطن وتحقيق مشروع نهضة له؟ أم الهدف الأسمى هو تحقيق هذا المشروع (فقط على يد الإخوان) ووصولهم للسلطة من أجله؟ وهل لو وصل الإخوان للتمكين حقاً ولسلطة، وتعارض مشروع الوطن مع بقائهم في أعلى قمة السلطة سيختارون فكرة المشروع ولو دفعوا الثمن؟؟ أم سيختارون السلطة وكرسي الحكم ويتنازلون عن المشروع من أساسه، فينقلبون على أفكارهم السابقة ويوافقون على كامب ديفيد، ويتحولون من عدو أمريكا والغرب الأول إلى أصدقاء اليوم وحلفاء الغد؟ السؤال الذي سيظل يتأرجح فوق كافة الرؤوس فرغم اعتقاد الإخوان حقاً أنهم يعملون للصالح العام ولكن هل حقا؟ً الهدف مصر أم الجماعة؟