أعتذر وأُقبّل رأس كل قارئ لهذا المقال على ما ورد في عنوانه، فلست أنا من قال تلك العبارة، ولا حتى أصدّقها ولا أؤمن بها، بل كان هذا ردّ مواطنة أثناء مناقشة عامة حول الدستور ولجنة صياغته.. المواطنة: خربوا البلد خلاص، حتى الدستور هيبقى بتاع فئة معينة..
العبد لله: الدستور عمره ما هيكون بتاع فئة معينة.. الدستور بتاع كل الشعب..
المواطنة: إزاي؟ إنت ماشفتش اللجنة الجميلة اللي هتصيغ الدستور؟
العبد لله: ما لها؟
المواطنة: الإخوان والسلفيين مسيطرين عليها..
العبد لله: لا الكلام ده مش صحيح؛ لأن الإخوان والسلفيين يمثلون 40 من 100 في اللجنة، يبقى إزاي مسيطرين عليها، وبعدين اللجنة دي دورها فني فقط مش تأسيسي حسب دستورنا.. المواطنة: يعني إيه دورها فني مش تأسيسي؟
العبد الله: فني يعني يقتصر عملها على كتابة مواد الدستور، وبعد ما يخلصوا يبقى الدستور اللي عملوه مجرد مشروع دستور.. لا أكثر.. وفي النهاية الشعب هيخرج في استفتاء عام، إما يوافق على هذا المشروع أو يرفضه.. يعني الشعب هو مؤسس الدستور مش اللجنة..
المواطنة: وإنت فاكر إن الشعب ده هيختار صح؟؟ ده شعب "حمار مابيفهمش"!!
العبد لله: على فكرة أكيد إنتي من الشعب اللي تقصديه.. والشعب اللي تقصديه مش هو شعب مصر؛ لأن شعب مصر بيفهم أحسن من مليون مثقف من اللي بيصدّعونا في برامج التوك شو..
المواطنة: على فكرة أنا مش من الشعب ده، ولا إنت يعني تقصد إن أنا اللي حمارة مابافهمش؟!!
العبد لله: والله الحدق يفهم.. أصل أنا من شعب مصر.. وأنا من عادتي مش باسكت على أي حد يغلط فيّ، ولأني شايف إن ده مش هيبقى حوار فكفاية كده..
وانصرفت هذه المواطنة من أمامي بعد أن رمقتني بنظرة احتقار.. ونظرة أخرى تعبّر عن أنني من ذلك الشعب اللي مابيفهمش من وجهة نظرها..
كنت أعتقد أنه من الصعب أن يستفزني أحد.. لكن هذه الإنسانة تمكّنت من ذلك بسهولة؛ بكمية الاستعلاء المعلوماتي الذي تتحدث به.. فكأنها تعرف ما لا يعرفه أحد وتفهم وحدها.. وجميع الشعب مابيفهمش ولا يحسن الاختيار..
شفانا الله وعافانا من ذلك المرض..
نعم مرض عضال أذكر أنني تحدثت عنه في مقالة "مرض خطير.. احمرار في الوجه وانسداد في الأذن"..
ولست هنا بصدد مناقشة الدستور ولجنة صياغته.. على الرغم من أهمية ذلك الموضوع، ولكنني أتحدث هنا عن أناس يريدون أن يزعزعوا ثقة الشعب في نفسه..
فذلك يتحدث عن أن نسبة الأمية في هذا الشعب مرتفعة، ولذلك فاختياره يشوبه العوار، وذاك يتحدث عن رداءة التعليم التي يتلقاها المواطنون في مصر ولذلك فآراؤهم معيبة خاطئة.. وكلما أسمع هذه الإهانة التي يوجهها بعض من يسمّون بالنخب إلى الشعب المصري، أتذكر الآية الكريمة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُم}.. فبالفعل أثبت الشعب المصري أنه خيرٌ من هؤلاء..
فالنخب ظلت ليل نهار تنادي بقانون "العزل السياسي"؛ كي لا يرشح فلول الحزب الوطني أنفسهم في البرلمان، وهو مطلب وجيه ومشروع..
ولكن الشعب المصري العظيم لم ينتظر حتى يُسنّ ذلك القانون.. بل فرضه على نفسه ولم ينتخب المرشحين الفلول في مجلسي الشعب والشورى.. فسقطت أسماء كانت تصبّ المال على الناخبين صبًا، أمثال الوزير الأسبق علي مصيلحي بالشرقية وعلي الغول في قنا..
وذلك الشعب الذي خرج في طوابير طويلة للإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية.. ولم تمنعه إعاقة أو حتى كبر سن بعضه، عن أخذ حقه الدستوري في اختيار نواب الشعب..
شعب مصر هم هؤلاء الأبطال الذين قدّموا أرواحهم كي يسقط الفساد.. وهن أولئك الأمهات اللاتي احتسبنهم عند الله شهداء:
إضغط لمشاهدة الفيديو: ختامًا.. لست هنا بصدد الدفاع عن الشعب المصري، والتأكيد على وعيه و"نصاحته"؛ فالشعب المصري أعظم بكثير من أن تُكتب عظمته في سطور بمقال.. ولكني أردتُ أن يفيق بعض من يسمون أنفسهم بالنخب من غفلتهم.. أولئك الذين أوكلوا لأنفسهم الفهم، والتحدث باسم الآخرين.. وكما قيل في الأثر: "من قال أنا أعلم الناس.. فهو أجهلهم"..