أعلنت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة "نافي بيلاي" في الذكرى العشرين لتبني المعاهدة الخاصة بمنع عقوبة الإعدام في 15 ديسمبر 1989. أن أغلبية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة قد تخلّت عن عقوبة الإعدام، حيث تخلت 140 دولة حتى الآن -من أصل 192 عضوا في الأممالمتحدة- عن عقوبة الإعدام إما رسميا أو فعليًا. ومسألة منع عقوبة الإعدام من عدمها من الأمور التي أثير حولها الكثير على النطاقين الدولي والمحلي، فدوليًا تتبنى "منظمة العفو الدولية" ملف منع عقوبة الإعدام وتحاول الضغط على كثير من الدول للتوقيع على البروتوكول الاختياري للأمم المتحدة حول إلغاء عقوبة الإعدام، حيث تعرّفها على أنها "ذروة الحرمان من حقوق الإنسان. وهي عملية القتل العمد لإنسان على يد الدولة. ويتم توقيع هذا العقاب القاسي واللا إنساني والمهين باسم العدالة. وهو ينتهك الحق في الحياة كما أُعلن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الأحوال بدون أي استثناء وبصرف النظر عن طبيعة الجريمة أو صفات المذنب والطريقة التي تستخدمها الدولة لقتل السجين"، وتنقسم الدول في العالم إلى أربعة أقسام من حيث موافقتها أو رفضها لمنع عقوبة الإعدام:
أولاً: دول ألغت عقوبة الإعدام على كافة الجرائم، وهي الدول التي لا تنصّ قوانينها على عقوبة الإعدام بالنسبة لأية جريمة، وعدد هذه الدول 95 دولة منها إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وتركيا وجنوب إفريقيا.
ثانياً: دول ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم العادية فقط، وهي الدول التي تنص قوانينها على فرض عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم غير العادية فقط مثل الجرائم المنصوص عليها بموجب القانون العسكري أو الجرائم المرتكبة في ظروف استثنائية وعدد هذه الدول 10 دول منها البرازيل والسلفادور وإسرائيل.
ثالثًا: الدول التي ألغت العقوبة عملياً وهي الدول التي تحتفظ بعقوبة الإعدام في قوانينها بالنسبة للجرائم العادية مثل القتل، لكن يمكن اعتبارها مُلغية للعقوبة عملياً؛ لأنها لم تعدم أحداً خلال السنوات العشر الماضية، ويُعتقد أن لديها سياسة أو ممارسة راسخة في عدم تنفيذ عمليات الإعدام. كما تشمل القائمة الدول التي قدّمت التزاماً دولياً بعدم استخدام عقوبة الإعدام وعدد هذه الدول 35 دولة منها المغرب والجزائر وتونس وروسيا وكينيا وموريتانيا.
رابعًا: الدول التي ما زالت تطبّق عقوبة الإعدام، وهي الدول والمناطق التي تطبّق عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم العادية وعددها 57 دولة، ومنها مصر وأغلب الدول العربية والولايات المتحدةالأمريكية وإيران.
وغالبًا ما نجد أن المنظمات الدولية والحقوقية سواء العالمية أو المحلية، تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام ويكون هذا بالدعاوى التي صاغتها منظمة العفو الدولية في تعريفها للعقوبة، وبكونها نوعا من العقوبات البدنية، وهي العقوبات التي ينفر منها أي تشريع كلما زاد تحضره، وأن الاتجاه العام للدول المتقدمة هو قصر أي عقوبات على العقوبات المقيدة للحرية فقط وليس أي عقوبة تشتمل على إيذاء بدني، كما يقول أنصار المنع إن عقوبة الإعدام غير رجعية، ولا يمكن العودة بها أو نقضها لو ثبت خطأ الحكم، كما أنهم يرون أن إزهاق الروح والآثار النفسية والرعب النفسي المترتبين على معرفة الشخص المنفّذ به الحكم بأنه سيموت في ميعاد محدد، تفوق فداحة الجرم المرتكب أيًا كان، كما أنها تنحرف عن صيغ العدالة من وجهة نظرهم.
في حين أن المعارضين لفكرة منع عقوبة الإعدام سواء من بعض القانونيين أو الأشخاص ذوي التوجه الديني، يرون في عقوبة الإعدام قصاصا عادلا، ووسيلة للردع واستتباب الأمن في المجتمع؛ حتى لا يلجأ المواطنين إلى الحصول على حقوقهم بأنفسهم، إذا شعروا بأن القانون لن يستطيع أن يقتصّ لهم بشكل عادل، ويدللون على صحة رأيهم بأن نِسَبَ الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام في الدول التي تطبّق العقوبة أقل منها بكثير في الدول التي لا تطبّقها.
وعن مصر فإنها تطبّق العقوبة في عدد من الجرائم مثل جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والاختطاف والاغتصاب وبعض الجرائم المتعلقة بالمخدرات وإحراق الممتلكات عمدًا، إذا تسبب في وقوع وفيات، والجرائم التي تمسّ أمن الدولة الخارجي، كالتجسس في أوقات الحرب، كما يورد القانون العسكري عددًا من الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام إذا كان مرتكبها من أفراد القوات المسلحة الموجودين بالخدمة.
وكما ثار الخلاف الدولي حول العقوبة فإن هناك خلافا داخليا أيضًا حيث يدعو الكثير من ناشطي حقوق الإنسان المصريين إلى تعليق عقوبة الإعدام تمهيدًا لمنعها، في الوقت الذي رفض فيه الكثير من رجال الدين والقانون مثل هذا القرار بشدة؛ ففي حوار مع الشيخ "سيد عسكر" الأمين العام المساعد الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية، كان فيما قاله عن منع عقوبة الإعدام من الناحية الدينية:
"إن المستجيبين لمثل هذه النداءات يدخلون في زمرة منكري معلوماتٍ من الدين بالضرورة" متسائلاً: "أين حق المقتول وأوليائه؟"، وأن الشريعة الإسلامية قانون الله في الأرض، والله تعالى أعلم بما يُصلح عباده ويضرهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وأن حدودَ الله تعالى حيال جرائم الإنسان مثل القتل وغيره هي الوسيلة الفريدة لتأديب النفس وحفظها من شراهةِ الفساد؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، وأن الحدود رهبة وإصلاح هدفها الحد من تفشي الجرائم في المجتمعات، مستشهدًا بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "لو اجتمع أهل العراق على رجلٍ فقتلوه لقتلتهم به"، وإن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]، دليل تتجلى فيه العدالة وحفظ الحقوق".
ومع زيادة معدلات الجريمة حولنا في كل دقيقة، ورؤية أنماط جديدة غير اعتيادية من الجرائم لم تكن مطروقة في السابق، تتسم بالبشاعة والعنف، فإن فكرة إلغاء العقوبة أو معارضتها بشكل مطلق رغم كل ما يثار حولها ويشكك بها، يجعلنا نتساءل: ماذا يمكن أن يحدث لو تم إلغاء العقوبة حقًا بشكل مطلق؟! وهل يكون من العدل بالفعل أن يقوم المجرم بالجريمة، وهو يعلم أنه مهما فعل فحياته آمنة على العكس من حياة ضحاياه؟!