ما زال بناء الإنسان يتكامل. وما زالت الأركان تشيد. وما زلنا نرفع القواعد من البيت. وما زال الصرح يعلو. حتى يبلغ بإذن الله عنان السماء. وما زال الإنسان يتكون. لبنة من وراء لبنة. حتى أتينا اليوم إلى أعظم مكوناته. وسره الخالص. ومفتاح شخصيته. أتدرون ما هو؟؟؟ ********* إنه ذلك الملك المتوّج. ومركز القيادة الإنسانية. الذي تنعقد فيه الآمال. وتتشكل فيه النوايا. وتتبلور فيه المقاصد. وتصدر منه الأوامر. وتصب فيه سيول المعارف والعلوم والمعطيات. وتنقاد له الجوارح وأدوات الحس. وتتوقد فيه البصيرة. وتشرق فيه شموس الحقيقة. وهو الذي تدبر ضده المكائد. وتحاك المؤامرات. وتهاجمه جيوش الأهواء والمطامع. وتؤيده جنود الرحمن. وهو ميدان المعركة. ومفتاح بناء الإنسان في الحقيقة. نعم إنه القلب. ********* إنه مصنع الإيمان. ومحل التعقل. وموضع نظر الله تعالى من العبد. وهو الموضع الذي تنبت فيه معرفة الله تعالى على الحقيقة. وهو روضة الإجلال والخشية. وساحة المحبة والتعلق. وهو الذي يتجلى الله تعالى عليه، وينظر إليه. ويعامل الإنسان بما انعقد فيه. وهو المضغة. التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ********* {إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة الأنفال، آية 70. {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} سورة الفتح، آية 18. ********* وهو معيار المعرفة. ومنزل السكينة. ومنبع الفهم. وهو الذي تنعكس أحواله على العقل والروح والنفس. وهو الذي تنضح معانيه على سائر قوى الإنسان وملكاته. وفيه تنعقد النوايا. وتتشكل أصول الأخلاق. ويرجع إليه الاكتساب. وتنسب إليه الأعمال على الحقيقة دون الجوارح. {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة، آية 225. ********* وهو الذي تتضح له الحقائق. وتلوح أمامه الأمارات والدلائل. ويستلهم مراد الله تعالى. فإما أن تتوقد فيه البصيرة. فيكون ناصعا، مزهرا، يبصر ويرى. وإما أن تطرأ عليه الشهوات والأهواء، والشكوك والشبهات. فتنطمس معارفه. وتعمى بصيرته. ********* {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج، آية 46. ********* وهو الذي تنهض فيه بواعث الإقرار للحق جل شأنه. وتنبعث فيه الهمم. وينعقد فيه التصديق. ويمتلئ باليقين. ويترعرع فيه الإيمان. وتزدهر فيه الشمائل. وهو الذي تعمر به بواطن العباد. فتصلح بذلك ظواهرهم. حتى إذا ما امتلأ بالخشية. وفاض بالمحبة. وتعلق بالملأ الأعلى. وتواردت عليه جنود الرحمن فاشتد يقينه. صار صاحب أنس بالله. إذا ذكر الله تعالى حصلت له السكينة. وأفعم بالطمأنينة. {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} سورة الرعد، آية ********* وهو حينئذ موضع الاعتبار. ومعقل التدبر. وهو الذي تتوارد إليه حصيلة تأملات العقل. وثمرة قوانينه وأحكامه. وخلاصة حركته في الفكر. ثم تسعفه تزكية النفس. ثم يتقوى بقوة الروح. ثم يدخل بكل ذلك إلى القرآن الكريم. فيرى أنوار الله تعالى تتنزل. وتنفتح له أبواب القرآن على مصراعيها. ويفهم عن الله مراده من كتابه. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} سورة ق، آية 37. ********* {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت، آية 43. {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} سورة محمد، آية 24. ********* ولا تزال تلك المعاني تتفاعل في القلب. حتى يصل إلى خصلة من أعظم خصال المؤمنين. وأبرز صفات المتقين. وأجل خصائص الصادقين. وهي تعظيم شعائر الله تعالى. لما وقر في القلب من تعظيم الله وإجلاله. ومحبته وتوقيره. وشدة اليقين فيه. {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} سورة الحجرات، آية 3. {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج، آية 32. ********* ثم إن القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام. فهو إما قلب سليم. وإما قلب مريض. وإما قلب ميت. ولكل واحد منها خصال وخصائص. وصفات وسِمات. ********* فإن استطاع الإنسان أن يتحصل على القلب السليم. مع العقل المستنير. فقد جُمع له الشمس والقمر. واجتمعت له الجواهر والدرر. ********* ولنا إلى أقسام القلوب عودة. وللحديث بقية،،،