قد يبدو هذا نوعا من الجنون؛ لكن هل يمكننا فعلا أن ننتج لحوما صالحة للأكل دون الحاجة إلى الحيوانات؟ كان وينستون تشيرشيل -رئيس الوزراء البريطاني- إبان الحرب العالمية الثانية، هو أول من تنبأ بإمكانية إنتاج صدور وأجنحة دجاج بدون تربية دجاج حقيقي، واليوم استطاع العلماء فعلا إنتاج شذرات من اللحم عن طريق استزراعها في المعمل. ولأنه منتج في معمل نظيف ذي مواصفات معينة؛ يمكن لهذا النوع من اللحم أن يتجنب تماما مشاكل التلوث بالبكتيريا والطفيليات التي تصاحب دائما إنتاج اللحم الحيواني، والتي تصيب البشر بالعديد من الأمراض في حالة عدم طهي اللحم جيدا للقضاء على هذه الكائنات الدقيقة المُمرضة، والقضاء أيضا على المشاكل البيئية التي تصاحب عملية تربية الحيوانات. وتأتي الأنباء بوتيرة متسارعة عن نجاحات متتالية للعلماء في مجال تخليق ونمو الأعضاء البشرية في المعامل؛ حيث نجحت التجارب مع أنواع مختلفة من الأنسجة، من ضمنها أنسجة القلب والكبد، وحتى الخلايا العصبية -التي كان يعتقد فيما مضى استحالة تجددها- تمكن العلماء من تحفيز نموها في المعمل، وبالرغم من أن هذه الأبحاث في الأساس ذات أغراض طبية تهدف لاستبدال الأعضاء التالفة في جسم الإنسان؛ فلماذا لا نستغل نفس التكنولوجيا لتربية الأنسجة العضلية -التي تمثل اللحم الذي نأكله- في المعامل أيضا؟ ألن يساهم هذا الأمر -لو نجح- على مستوى اقتصادي في توفير اللحوم لملايين الأفواه الجائعة في العالم؟ من ناحية أخرى فإن إنتاج اللحم الحيواني في المعمل سيكون له الكثير من المزايا، مثل تجنب عمليات قتل الحيوانات ومعاناتها، والتخلص من كثير من الأمراض التي تصاحب عمليات التربية، وقد تصيب الإنتاج مثل بكتيريا السالمونيللا ومرض جنون البقر وأنفلونزا الطيور والخنازير. أيضا سنتمكن من توفير مساحات هائلة من الأراضي المزروعة والتي تزرع بمحاصيل تستخدم لإطعام الماشية، وبالتالي سيمكننا توفير هذه المساحات لزراعة محاصيل أخرى يأكلها البشر. هذه المساحات التي تستخدم لإطعام الحيوانات تعادل حوالي 70% من المساحات المزروعة في العالم. أيضا تشير بعض الدراسات إلى أن الثروة الحيوانية في العالم بما تتضمنه من ملايين الرؤوس تساهم إسهاما كبيرا في زيادة إنتاج ثاني أكسيد الكربون وبالتالي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري والصوبة الزجاجية، ووفقا لمنظمة الفاو؛ فإن ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه الثروة الحيوانية يفوق الغازات التي تطلقها كل المركبات الموجودة على هذا الكوكب. تبدو الخلايا الجذعية كأفضل مصدر لإنتاج اللحم في المعمل، فهي يمكنها التحول إلى أي نوع من الأنسجة. وأفضل أنواع هذه الخلايا الجذعية هو نوع يسمى الخلايا التابعة Satelite cells؛ فهذه الخلايا يستخدمها الجسم لإعادة تجديد الأنسجة التالفة عند الحاجة. والخلايا الجذعية هي خلايا توجد في كل الكائنات الحية متعددة الخلايا، وتتميز بقدرتها على التكاثر من خلال الانقسام الميتوزي، وبعد ذلك يمكنها أن تتحول وتتمايز إلى أي نوع آخر من الأنسجة المتخصصة وفقا للحاجة. ولإنتاج اللحم من الخلايا الجذعية في المعمل، يمكن للعلماء أن يستخدموا تقنيات الهندسة الحيوية الحالية؛ حيث توضع الخلايا في محلول صناعي يحتوي على العناصر اللازمة للخلايا لتنمو بطريقة مناسبة؛ إضافة إلى توفير الظروف الكيميائية والفيزيائية المناسبة لنمو الأنسجة، مع نوع من التحفيز الكهربي، والتحريك الميكانيكي للعضلات المنتجة لتمرينها وجعلها تتم نموها بطريقة صحيحة وطبيعية. وحتى اليوم لم ينتج العلماء سوى شذرات صغيرة من هذا اللحم المعملي يصل حجمها إلى ما يوازي نصف حجم ظفر الأصبع! لكنهم مع ذلك متفائلون ويؤكدون إمكانية تنفيذ الفكرة على نطاق واسع. ولعل العلماء يتمكنون أيضا من إنتاج أنواع مختلفة من اللحوم وفقا لمصدر الخلايا الجذعية المستخدمة، لحوم دجاج وبط وإوز ونعام وماعز وبقر وخرفان، وربما تكون هناك لحوم بنكهات مختلفة وبأرخص الأثمان. إنه مستقبل جديد لبشرية جديدة لا تعرف معنى الجوع وأمراض سوء التغذية.