كتب: السنوسي محمد السنوسي أيام المجد والانتصارات كانت مصر "تتحدث عن نفسها"، وتفاخر الدنيا بأهرامها وحضارتها التي امتدت عبر 7 آلاف سنة، ولم يستطع العلم الحديث رغم قفزاته الهائلة أن يفك شفراتها ورموزها بالكامل حتى الآن.. والحديث يطول في هذا الباب. وأيام القلق وإعادة اكتشاف الذات والبحث عن بوصلة الطريق، كانت مصر "تبحث عن نفسها" وسط هذا الركام الكثيف من الفساد والديكتاتورية التي لم يسلم من شرها حجر أو بشر أو حتى حيوان!! لكننا في أيامنا هذه، وبعد هذه الثورة التي وقف العالم أمامها بإجلال واحترام وإعجاب فاق كل التوقعات.. نجد أن مصر –مع الأسف- "تلف حول نفسها"!! فلا هي بالتي تتحدث عن نفسها، ولا تبحث عن نفسها، بل تلف وتدور وكأنها مثل (..) الذي يدور في ساقية، ولا يستطيع الخروج من الدوران حول نفسه.. بل لا يريد ولا يفكّر في المستقبل الممدود الفسيح أمامه.. ويفضل -ويا للعجب- أن يظل حبيس هذا المكان الضيق، وتلك الدائرة التي يحصر نفسها فيها.. أو التي حصره البعض فيها!! آسف على هذا التشبيه الذي قد لا يعجب البعض.. يعلم الله أنني لم أكن أحب أن ألجأ إليه.. فهي مصر بلدي وموطني وحبيبتي.. لكن ماذا أقول وأنا أرى هذا التوهان الذي أصابها. المشكلة أنه توهان أوقعها فيه بعض أبنائها.. الذين من المفروض أن يساعدوها للخروج وبسرعة من أزمتها.. لكنهم مع الأسف لا يمدّون أيديهم لها، بل يزيدون لها أسباب الحيرة والقلق والتوهان! نحن على أبواب مرور عام كامل على هذه الثورة التي علّقنا عليها الآمال الكبيرة والعريضة.. ومع ذلك فنحن "محلك سر".. بل كلما تقدّمنا خطوة للأمام، تأخرنا خطوتين للخلف.. فتكون المحصلة خطوة للخلف.. أي نتأخر بينما نظن أننا نتقدم!! تونس أفضل حالاً منا.. وليبيا كذلك! هل نحن مصابون بمرض الجدل والتردد وكثرة التفكير والنقاش لدرجة تعطل ولا تنجز شيئا؟! هل صعبان علينا أن نغادر مواقع التخلف والتفكك إلى مواقع التقدم والرفاهية؟! هل نبخل على أنفسنا بالراحة والتفكير في المستقبل، علشان كده فضّلنا أن ندور في الساقية حول أنفسنا؟! عملنا ثورة أشاد بها الجميع.. ومع ذلك لم تكتمل! وعملنا انتخابات أشاد بها الجميع.. ومع ذلك البعض يريد لها ألا تكتمل.. وأن يعكّر صفوها! إيه الحكاية بالضبط؟! هي الكعكة في إيد اليتيم عجبة؟! أحداث شارع القصر العيني نسخة مكررة من شارع محمد محمود.. وهما نسخة مكررة من مسرح البالون.. وهكذا.. إذا خرجنا في حفرة وقعنا في دحديرة! بصراحة، وأنا أتابع أحداث يوم الجمعة شعرت بالملل؛ لأنني أشاهد فيلمًا أستغفر الله: بل مسرحية هزلية.. للمرة الثانية والثالثة!! ما هذا؟! هل يعقل أن تكون مصر كلها مرهونة بأصابع خفية تلعب بها من تحت الترابيزة؟! من المسئول عن هذا العبث الحاصل؟! المشكلة أنك تسمع روايات متضاربة حول من أشعل الأحداث.. مثل كل مرة، وتحصل نفس التعليقات.. أن هناك أصابع خفية وسنبدأ التحقيقات الشفافة.. ثم مافيش أي حاجة بتحصل.. بل ننتظر مهزلة أخرى تُدخلنا في دوامة جديدة من التوهان واللف والدوران. كنت أتمنى -وليس كل ما يتمنى المرء يدركه!- أن نحافظ على سلمية الاعتصام من جانب الثوار.. وأيضًا المسئولين؛ لأنه لم يعجبني تهديد بعض الثوار بأنه سيمنع د. الجنزوري من دخول مجلس الوزراء وممارسة مهامه لأنه يختلف معه! هل هذه ثورة وحرية أم فوضى؟! وفي المقابل، كنت أرجو من د. الجنزوري أن يحافظ على تعهده السابق بعدم فضّ الاعتصام بالقوة.. وأن نستثمر حالة الرضا التي أوجدها نجاح الانتخابات، والضبط الذي لمسه المواطن من وزير الداخلية الجديد في إعادة الأمن للشارع.. متى نخرج من "الساقية" إلى "قطار المستقبل" الذي طال انتظاره في المحطة، وأخشى أن ينطلق.. بينما نظل نحن ندور في الساقية التي يبدو أننا تعوّدنا عليها؟!!