كتب: السنوسي محمد السنوسي غالبا يتمّ التركيز على بعض القيم والمفاهيم؛ لدرجة أننا ننسى أو نظلم قيما أخرى؛ فتكون النتيجة أن نصبح مثل الشخص الذي ينظر للأمور بعين واحدة.. أكيد مش هايشوف كويس. نحن نسمع كثيرا في الإعلام بوسائله المختلفة أننا نحتاج إلى أن ننتصر ونحرز أدوارا متقدّمة، وإلى تحقيق البطولة في كل شيء.. وهذا كلام طيب. لكن.. من النادر أن نرى شخصا يتحدّث عن أننا نحتاج بالقدر نفسه إلى "ثقافة الهزيمة"!! إيه الكلام ده؟! هو فيه ثقافة للهزيمة؟! طبعا فيه "ثقافة".. وكمان "أخلاق" للهزيمة!! أولا دعونا نعترف إن مافيش حد دايما منتصر، كل دولة أو حضارة مرة تنتصر ومرة تنهزم، ومرة تسقط ومرة تصعد.. وهكذا كل شيء في الحياة له دورات متعاقبة من الشيء وضده، وكما قال الشاعر: لكل شيء إذا ما تمَّ نقصانُ فلا يُغَرُّ بِطيبِ العيشِ إنسانُ الإنسان غير العاقل هو اللي يحسب الدنيا كلها انتصارات وأحلام وزي الفل وبمبي وربيع، وينسى الخريف والشتاء والصيف. لكن العاقل هو الذي يستعدّ للأحوال المتقلّبة، ويستفيد من أخطائه، ويتعلّم من نجاح الآخرين. وثقافة الهزيمة تشمل في رأيي عدة أمور: - التسليم بنتائج المباراة. - عدم اليأس والانكسار؛ فالهزيمة مرة لا تعني نهاية الدنيا. - البحث عن نقاط الضعف داخل النفس، ومحاولة تجاوزها في المرات التالية. - الاستفادة من نقاط القوة عند الخصم، ومعرفة كيف أحرز النجاح. - مواصلة الإصرار وشحذ الهمّة، والتذكّر الدائم بهدف تحقيق الفوز. - البدء فورا في الخطوات العملية، وعدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد. بهذه الخطوات وغيرها يستطيع أي إنسان أو دولة أو حزب أن يتجاوز المحنة مهما كانت كبيرة وقاسية؛ فكما قلنا: "مافيش حد منتصر على طول، ولا منهزم كل الوقت". أما تعليق الفشل على قوة الآخرين.. وعدم النظر إلى أخطاء الذات.. ولطم الخدود.. وشقّ الجيوب.. ولعن الآخرين.. وتبادل الشتائم.. وعدم القدرة على تجاوز مرارة الهزيمة.. وتصوير الدنيا كأنها عتمة سوداء لا أمل فيها ولا شعاع من نور؛ فهذا كله يمنع الإنسان التصدّي للهزيمة، ويجعله يعيش في دوّامة من الأحزان والآلام. نحن نحتاج إلى ثقافة الهزيمة التي تعترف بالفشل، لكن لا تدفع إلى الانتحار. ثقافة الهزيمة هي الوجه الآخر لثقافة الانتصار؛ فالذي يعرف كيف يتعامل مع الهزيمة هو الذي سيُكتب له النجاح. خُذْ مثلا المشهد الحالي في مصر بعد نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي أسفرت عن فوز كبير للإسلاميين؛ فبمجرد إعلان النتائج -بل حتى من قبل ذلك- انطلقت الأقلام والفضائيات تهاجم الفائزين، وكأنهم استغفلوا الشعب المصري، وسرقوا أصواته في غفلة من الزمن!! بل البعض طالب الغرب بالتدخّل لوقف زحف الإسلاميين. يا ناس يا حريصين على مصلحة البلد: لماذا لا تقولون مثل السيدة "مية الجريبي" الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدّمي (وهو حزب شيوعي!) التي قالت بعد توقّعات بفوز حزب النهضة الإسلامي: "المؤشرات واضحة جدا، والحزب الديمقراطي التقدّمي في وضع سيئ، هذا قرار الشعب التونسي وأنا أنحني أمام خياره، وأُهنّئ مَن حازوا تزكية الشعب". الذين صفّقوا كثيرا عندنا في مصر للتجربة التونسية وللإسلاميين هناك.. لماذا لا يفعلون مثل مَن انهزموا في الانتخابات هناك ويحترمون خيار الشعب؟! هل مِن مصلحة مصر أن نعيد المأساة التي حصلت بعد الاستفتاء، حينما أصرّ البعض على رأيه ولم يُسلِّم باختيار الشعب؛ فكانت النتيجة أننا ما زلنا "محلّك سر"؛ حتى بعد انقضاء الشهور الستة التي حددها الاستفتاء لتسليم السلطة للمدنيين؟! هل كُتب علينا أن ندور في حلقة مفرغة، ودائرة لا نهاية لها من الجدل والتشكيك والاتهامات والتخوين؟!! هذا الوضع البائس لا يُبشِّر بخير، والخاسر الأكبر فيه هو مصر، والرابح الأكبر هو أعداؤها المتربّصون بها.