في مفاجأة غير متوقعة، وبعد أن أعلنت إيران الأسبوع الماضي قرار إنشاء 10 محطات إضافية لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يعتبره البعض أكبر توسيع لبرنامجها النووي، قالت طهران يوم الجمعة 4 ديسمبر 2009 إن إيران تحتاج إلى 20 منشأة لتخصيب اليورانيوم بهدف إنتاج الوقود الكافي لتشغيل منشآتها النووية! وقد جاء التصريح على لسان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية (علي أكبر صالحي) الذي تابع قائلاً: "أعتقد أن الغرب يحاول إجبارنا على الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.. لا نعتزم الانسحاب من المعاهدة". لكن هذه التصريحات تأتي بعد إعلان طهران إمكانية تخفيض تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بعد إصدار الوكالة قراراً يدين إيران، كما أن الحكومة الإيرانية أعلنت بالفعل التزامها بتقديم الحد الأدنى من المعلومات بشأن المواقع التي ستبنيها لتخصيب اليورانيوم. وكما نعلم يمكن أن يستخدم اليورانيوم المخصب في تصنيع الوقود اللازم لمحطات الطاقة النووية، أو في تصنيع قنبلة نووية إذا جرى تخصيبه بدرجة أعلى، لكن إيران تقول دوماً إن أنشطتها النووية تهدف فقط لتوليد الكهرباء، بالرغم من تاريخها في إحاطة أنشطتها النووية بالسرية، وعدم وجود محطات طاقة لاستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، ولعل ذلك ما أقنع الغرب بأن طهران تخفي برنامجا لتطوير قدرتها على إنتاج أسلحة نووية، رغم تأكيد الخبراء والمحللين على استحالة ذلك حالياً بالنظر إلى إمكانيات إيران من عقول بشرية وموارد مادية. الشفرة السرية: لكننا سنحاول أن نغوص سوياً أبعد مما يثور على السطح، في الواقع استوقفني تصريح (علي لاريجاني) رئيس البرلمان الإيراني، والذي قال إن الإعلام جعل قرار إدانة الوكالة الدولية لإيران يبدو مثيراً، وتابع -وهنا أحرص على نقل كلامه بالنص-: "القرار غير مهم جدا. لا تركّزوا كثيرا عليه. لقد أرادوا إيصال رسالة إلينا عن طريق هذا القرار. لقد أصدروا مثل هذه القرارات في السابق"، وأضاف قائلاً: "أعتقد أن المسئولين الإيرانيين فهموا الوضع جيدا. لقد أدركوا جميعا الرسالة". ما هي الرسالة التي حرص الغرب على نقلها إلى إيران؟ قد يقول البعض إنها ضغط غربي دبلوماسي يتم ممارسته بقوة على إيران كي تسارع بالرد على اقتراح الوكالة بإرسال طهران قسماً كبيراً من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج ليتم تحويله إلى وقود نووي عالي التخصيب ثم إعادته إلى طهران مجدداً. لكن القرار أدان إيران بقوة، بل وصفها "بالخارجة عن القانون"، وذلك بعد أن أخفت وجود مفاعل بُنِي تحت جبل قرب مدينة (قم)، وكيف في رأيك يتم التصرف مع الخارجين عن القانون؟ هل هو تهديد مبطّن باستخدام القوة إذا ما أجبرت الظروف المجتمع الدولي على ذلك؟ لقد لاحظنا أن إيران قامت بعدها بإعلان خطة لبناء عشرة مفاعلات نووية، واعتقدنا وقتها أنه نوع من التحدي ضد الإرادة الغربية، خاصة في ظل الاستنكار الغربي، لكن لماذا لا يكون ذلك نوعا من الكشف والمصارحة لنوايا إيران الحالية؟ هل يعقل أن من يرغب في بناء عدد ضخم كهذا سيقوم بالإعلان عنه مرة واحدة، أم يستمر في سياسة السرية والإخفاء حتى يفاجأ العالم بما ينتويه كما كانت عادة إيران؟ هل يُعقل أن يكون الإعلان عن ذلك في ظل اعتراف خبراء ومحللين بارزين بعدم قدرة إيران حالياً على بناء عشر منشآت نووية، خاصة أن الإعلان لا يتوافق مع السياسة الإيرانية التي تقضي بالتكتم والسرية؟ أنا بالفعل أتفق مع (لاريجاني) أن القرار في ذاته غير مهم، الأمر في رأيي لا يحمل أكثر من تهديد مبطن لإيران بضرورة الكشف عن نواياها، وهاهي قدمت هذا الكشف على طبق من ذهب، وذلك بعيداً عن الجعجعة الإيرانية أو الاستنكار الغربي، فالمهم أن علاقة العمل بين الطرفين "على مية بيضا" كما نقول في مصر! إيران تشدد على الإعلام الأجنبي: في السابع من ديسمبر عام 1953 قُتل ثلاثة طلاب أثناء مظاهرات ضد حكم الشاه السابق، ومن وقتها خُلّد هذا اليوم في الذاكرة الإيرانية إلى الأبد باسم (يوم الطالب). هذا اليوم يوافق يوم الاثنين في هذا الأسبوع، ويبدو أن السلطات الإيرانية تخشى أن يتحول الاحتفال بهذه الذكرى إلى مناسبة جديدة لتنظيم الاحتجاجات ضد الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو الماضي، فقامت بإجراء عدة تدبيرات، أولها ما نقلته رويترز من أن شبكة الإنترنت وخطوط الهاتف المحمول ستنقطع في هذا اليوم، وكذلك إرسال المكتب الصحفي لوزارة الثقافة رسالة نصية عبر الهاتف إلى الصحفيين والمصورين الذين يعملون لحساب وسائل إعلام أجنبية بإيران تبلغهم فيها إلغاء تصاريح عملهم في طهران من السابع إلى التاسع من ديسمبر؛ وهو ما يعني عملياً حظر بث تقارير صحفية عن أي تجمعات طلابية قد تحدث في هذا اليوم. وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن "الصحفيين الذين قرروا عدم مغادرة إيران، يواجهون تهديدات مستمرة أو استدعاءات من قبل أجهزة المخابرات بما فيها جهاز مخابرات الحرس الثوري". ووصلتنا أنباء نقلاً عن رويترز تفيد بأن الشرطة الإيرانية طوّقت مقر جامعة طهران لمنع مظاهرة ضد الحكومة، لكن الطلاب المتظاهرين رددوا هتافات ضد الحكومة، مما أدى إلى اشتباك الشرطة معهم، وذلك اليوم الاثنين الموافق 7 ديسمبر، ولم يتسنّ لنا التأكد من التفاصيل، وسنوافيكم بها تباعاً فور ورودها إلينا. مصر وإيران... على نار هادئة! في حوار صحيفة الاتحاد الإمارتية معه، المنشور بتاريخ 6 ديسمبر، اعترف وزير الخارجية المصري (أحمد أبو الغيط) أنه لا يوجد حوار بين مصر وإيران، قائلاً: "في التوقيت الحالي لا يوجد هذا الحوار.. توجد علاقات هادئة ولكن لا يوجد حوار لتجاوز بعض الاختلافات في الرؤية بين مصر وإيران". وردا على سؤال حول أزمة إيران والغرب، قال أبو الغيط: "لا أحد يستطيع أن يتحدث في منطقة الخليج دون أن يتطرق إلى مسألة إيران والملف النووي والاختلافات الكبيرة بين طهران والعالم الغربي". وتابع أبو الغيط: "ما نهدف إلى تحقيقه هو ألا يتعرض هذا الإقليم إلى حسابات خاطئة تؤدي إلى هزة في منطقة الخليج، ولذلك نطلب من إخوتنا في إيران أن يتبينوا الكثير من الأخطار التي تحدق بهذا الإقليم، وأن يتجاوبوا مع متطلبات الرؤية الدولية، وفي الوقت نفسه نرى وجوب تسوية هذا الملف سلميا بدون مواجهات أو تشدد، ونطالب الدول الغربية والدول الكبرى في مجلس الأمن أن تستمر في السعي من أجل الوصول إلى تسوية سياسية في الملف النووي الإيراني". وهو كلام رغم أهميته، إلا أنه لا يضيف جديداً إلى الموقف المصري تجاه إيران، الذي قد يشتعل أحياناً ويخفت أحياناً، لكن يظل على حاجز المراقبة ينتظر ما قد تأتي به الأيام القادمة!