كتب: السنوسي محمد السنوسي حينما جلست أمام الكمبيوتر لأسجل بعض الكلمات حول ما نشهده منذ يوم السبت الماضي، كنت في حالة حزن شديدة على مصر والوضع المتردي الذي يزيد يوما بعد يوم!! ومع ذلك كنت أتحامل على نفسي لمواصلة الضغط على أزرار الكيبورد وتحريك الماوس؛ كأنما أحاول أن أُفْرغ على الشاشة حالةَ الحزن المسيطرة على نفسي، وأتخلص من عبء شديد، وحالة خوف على مصر لم أعشها حتى في أحلك لحظات الثورة في شهريْ يناير وفبراير. في أول الثورة كنت متأكدا من أن نظام مبارك الفاسد لم يعد له مكان بيننا؛ برغم التصريحات التي كانت تخرج على لسان بعض المسئولين، وتؤكد أن "سيادة الرئيس خط أحمر"! كنت متأكدا أنه حان الوقت لتشهد مصر وجوها جديدة، وقيادات لم تتلوث بدماء الشعب، ولم تتاجر يوما بطموحات الناس، ولم تنهب أبدا ثروات البلد. كنت لا أزال على ثقة كبيرة في المثقفين والسياسيين والأحزاب، وأعتقد أنهم يملكون "خارطة طريق"؛ للخروج من النفق المظلم الذي نسير فيه منذ عقود. أحسست يوم تنحي مبارك أن ليلة القدر انفتحت على آخرها واستجابت لدعوات آلاف وملايين المصريين المظلومين والمشتاقين لوضع أفضل لمصر.. وكنت أبكي من الفرح مثل ملايين المصريين. هل كنت حالِما؟! هل كنت متفائلا أكثر من اللازم؟! هل كانت هذه الأماني والطموحات تدل على سذاجة سياسية، ومراهقة فكرية، وجهل شديد بالسياسة في مصر التي تشبه الألغاز؟! أنا اكتشفت في الحقيقة أني كنت هؤلاء جميعا!! واتضح لي أن فساد مبارك واستبداد نظامه كان يحجب عني كثيرا من رؤية المشهد بوضوح. فعند أول اختبار حقيقي أكاد أقسم أن الجميع سقط في الامتحان، وظهر لي بوضوح أنه يوجد بيننا من هو مستعد في سبيل تحقيق مصلحته أن يضحي ولو بالوطن! الجميع لم يكونوا على مستوى الحدث. فبعد 9 أشهر من نجاح الثورة وانكشاف الغمة، لا تزال القرارات تصدر بطيئة متأخرة!! ولا يزال البعض يُصرّ على أن ينفّذ ما يريد؛ حتى لو كان في ذلك خسارة مصر وضياع حاضرها ومستقبلها!! حال مصر الآن فيه الكثير من الأسئلة دون أن نجد من يجيب عليها، ويأخذ بِيَد مصر إلى بر الأمان؛ بل هناك متربصون يريدون أن ينهشوا لحمها ويكتموا أنفاسها.. وهم لا يمانعون أبدا في التحالف مع الشيطان، إن كان ذلك سيضمن لهم مصالحهم! من ضمن هذه الأسئلة التي هي بالعشرات: لماذا لا تخطو الحكومة خطوة وتتمها للنهاية؛ حتى لا تترك وراءها ملفات مفتوحة يعبث بها العابثون.. مثل ملف شهداء وجرحى الثورة؟ هل يجوز بعد 9 أشهر أن يكون هناك من لا يزال يبحث عن علاج أو حقوق مادية؛ بل يعتصمون أسبوعين تقريبا ولا أحد يسأل عنهم أو يسمع بهم إلا بعد انفجار الأحداث؟ لماذا تعاملت الشرطة بقسوة رأيناها على الشاشات لحظة بلحظة مع مجموعة قليلة العدد؟ ولكنهم في النهاية أبناء مصر، ثم نتساءل: لماذا هذا الغضب المفاجئ؟ هو لم يكن مفاجئا، عنف الشرطة هو المفاجئ لنا بعد 9 أشهر من الثورة! هل انخفضت درجة الكراهية المتبادلة بين الشرطة والمواطنين بعد الثورة، أم زادت حتى وجدها البعض فرصة ليهدم جهاز الشرطة وليس فقط ليسجّل اعتراضه على بعض سياساته؟ وفي المقابل: هل تغيرت عقيدة الشرطة وأصبحت ترى في المواطنين شركاء في حماية الوطن وليسوا أعداء تجب محاربتهم وسحلهم وإهانة كرامتهم؟! ولا مانع أبدا من قتلهم ورميهم بجوار صناديق الزبالة! لماذا استغل البعض الأحداث وراح يصعِّد ويهاجم لكي يعطّل الانتخابات التي هو أصلا يدعو لمقاطعتها؟ هل الديمقراطية أن أستغل خطأ ما لأهدم المعبد على الجميع؟ لماذا إصرار بعض المتظاهرين على اقتحام شارع محمد محمود المؤدي إلى وزارة الداخلية؟ ألا يكفي التظاهر والاعتصام السلمي بميدان التحرير؟ لماذا يُصرّ البعض على تصعيد المطالب لدرجة المطالبة بأشياء غير معقولة مثل رحيل المشير والمجلس العسكري؟ هل وصلنا لدرجة من "العدمية والعبثية" في الاحتجاج والمطالب واستخدام الحقوق المشروعة مثل التظاهر والاعتصام؟ متى يكفّ البعض عن المتاجرة بدماء الشهداء والجرحى تحت زعم أن هؤلاء أصحاب الثورة؟ نعم هم وقود الثورة، وأصحاب الفضل الكبير في نجاحها؛ ولكن العجيب أن من يردد هذا الكلام ليس من الشهداء ولا من المصابين! أليس ما يحقق مصلحة مصر الآن هو أن نطالب بتحديد موعد قريب لانتخابات الرئاسة، ونبدأ فورا في الانتخابات البرلمانية، ونحتكم جميعا إلى صندوق الاقتراع لحسم الخلاف في الآراء؛ بدلا من الطلبات التي تزيد المشكلة ولا تحلها؟ هل أصبح الصدام والاحتجاج والتظاهر غاية عند البعض، وليس مجرد وسيلة لانتزاع حقوق مشروعة؟ هل هانت علينا مصر؛ حتى صرنا نتعامل معها باعتبارها فريسة أو ذبيحة أو غنيمة أو أي شيء آخر إلا أن نعتبرها وطنا لنا جميعا بلا استثناء!!