عُدنا من جديد لحوار الليبراليين والسلفيين.. وقد كنتُ حسبتني خلُصت منه أو خلُص هو مني! المشكلة أن الانتخابات تطرح الأمر بشدة (السجال الليبرالي السلفي) في الجرائد والتلفزيون وكافة وسائل الإعلام؛ حتى ليخيل لي أنني لو فتحت قناة Space Toon لوجدت كارتونا لسلفي وليبرالي يتشاحنان ويتقاتلان بسيوف الليزر والبوكيمونات! طيب.. لا بأس.. الجدل السياسي شيء صحي؛ لكن هل من الممكن لو سمحتم أيها السادة أن نركّز جدلنا على أمور "عليها القيمة"؟ أطلبها بكل غيظ؛ فما أراه أمامي هو عبارة عن إضاعة لوقتنا ووقتكم في جدل أغلبه يتلخص حول قضايا لا تستحق أن نعطيها كل هذا الوقت.. بالله عليكم، عندما أشاهد برنامج Talk show وأجد مذيعا -المفروض أنه محترم وصاحب فكر- يحاور شيخا سلفيا، وكل همّ هذا المذيع موقف السلفيين من الخمرة والنقاب والحجاب والشواطئ والعلاقات الجنسية.. ما الذي يجبرني ألا أغيّر القناة فورا احتراما مني لوقتي أن يضيع في هذا الهراء؟ أو عندما أجد على قناة دينية شيخا وقورا ذا لحية مهيبة وصوت عميق يتحدث بلوعة عن أن الليبراليون يريدون إباحة زواج الشواذ، وترخيص بيوت الدعارة باسم الحرية.. ما الذي يجعل أحدا يعطي وقتا وتركيزا لهذا السخف؟ صحيح أنه ليس كل تناول من هذا الجانب أو ذاك للآخر يقدّم نفس المادة التافهة المهينة للعقل؛ ولكن الأمر تحول إلى ظاهرة، ثمة تركيز ملحوظ من إعلام الطرفين السلفي والليبرالي على تلك السفاسف؛ إلا من رحم ربي.. وليتها تمرّ على المشاهد مرّ الكرام؛ بل إنها تؤدي بعدها لموجات من الحساسية والكراهية المتبادلتين بسبب أمور غير ذات وزن، مثل الشيخ الفلاني الذي قال سيفرض الحجاب بالقانون لو حَكَم مصر، والليبرالي العلاني الذي قال إن العلاقات الجنسية خارج الزواج حرية شخصية يجب أن يكفلها القانون.. بالله عليكم.. هل هذه قضايا حساسة وحيوية وسط ما يحيط بنا؟ وطننا يترنح تحت ضربات الفقر والانفلات الأمني، وتهديدات الأمن القومي، والانبطاح الاقتصادي، والفساد الإداري، والجهل المستشري، والأمراض المتوطنة، والتلوث البيئي، والنظم البيروقراطية المتخلفة، والنفاق الإعلامي، والبلطجة البوليسية وغيرها من الكوارث.. وأنتم تُصدّعون رؤوسنا -ليبراليين وسلفيين- بالشجار حول الأنشطة الجنسية للمواطن المصري، وطول طرحة الحجاب، ومدى اتساع الجلباب، والوضع المستقبلي للشواذ والفيديو كليبات الفاضحة؟!! هل هذا كلام أناس عقلاء يستحقون حين يتكلموا أن يُسمَعوا؟ لماذا من النادر أن أرى مذيعا محترما أو صحفيا عاقلا يسأل السياسي السلفي عن رؤيته لإصلاح التعليم، أو تطوير نظم الإدارة، أو محاربة الأمراض المتوطنة، أو بعث حركة البحث العلمي، أو غيرها مما يهمنا؟ لماذا قلما أسمع متحدثا سلفيا يتحدث مُعلّقا على رؤية الليبراليين لقضايا الأمن، أو العلاقات الخارجية، أو آليات حماية البيئة، أو مكافحة غلاء الأسعار؟