قنوات التليفزيون تبث الأغاني والأناشيد الوطنية منذ الساعة الثانية ظهرًا.. ماذا يحدث؟!!! هدوء تام في شوارع القاهرة.. المواطنون يذهبون إلى أعمالهم بصورة طبيعية.. سيارات النقل العام والملاكي تجوب الطرقات.. الأمر عادي.. وظل عاديا حتى انتهى يوم العمل وعاد المواطنون إلى بيوتهم.. ولكن. كانت المفاجأة.. هنا القاهرة.. تشير ساعات ضبط الوقت إلى الثالثة عصرًا بتوقيت القاهرة.. إليكم أيها المواطنون البيان رقم 7 الذي صدر عن القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ السادس من أكتوبر 1973.. بسم الله الرحمن الرحيم.. نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة.. وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقي للقناة.. وتواصل قواتنا المسلحة حاليًا قتالها مع العدو بنجاح.. كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط.. وقد قامت بضرب الأهداف المهمة للعدو.. على الساحل الشمالي لسيناء.. وأصابتها إصابات مباشرة.. هنا القاهرة.. مهما كتبت من كلمات بليغة منمقة.. ومهما استخدمت الألفاظ الضخمة والمتفجّرة.. فلا يمكن أبدًا وصف فرحة المصريين بعد سماعهم البيان رقم 7 للقيادة العامة للقوات المسلّحة.. فقد تحقق اليوم الموعود المنتظر.. يوم علاج الكرامة الجريحة والأرض السليبة الذي انتظره الجميع، ست سنوات والجيش والشعب ينتظرون هذا اليوم.. لم يكن الجيش بأكمله بالطبع يعرف عن قرار وميعاد الحرب.. بل قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي اشتركوا مع القيادة العامة في وضع خطة العمليات.. ثم علم باقي قادة القوات المسلحة يوم الحرب حينما تسلموا أظرفًا مغلقة يوم الرابع من أكتوبر تحتوي على قرار الحرب وموعد الهجوم، وهي الخطابات التي فُتحت قبل الحرب بيوم واحد؛ ليعلم كافة قادة القوات المسلحة أنه آن أوان الحسم العسكري. اعتبارًا من أول ضوء في هذا اليوم؛ كانت كافة قواتنا في أقصى حالات استعدادها القتالي، وقد وصل الرئيس محمد أنور السادات -القائد الأعلى للقوات المسلحة- إلى مركز القيادة العامة بالقاهرة في الساعة الواحدة والنصف ظهرًا.. وعندما دقت الثانية ظهرًا.. أعطى الرئيس السادات إشارة البدء.. فانطلقت القوات الجوية بطائراتنا العسكرية المدججة بالصواريخ المدمرة -من مطاراتها المختلفة في توقيتات منسقة بدقة- لتنفذ ضربة جوية شاملة مركزة لكل مواقع ومراكز العدو، وفي الساعة الثانية وخمس دقائق حلّقت 220 طائرة بأجواء سيناء على ارتفاع منخفض؛ تدك بصواريخها مراكز قيادة واتصالات ومواقع رادار وصورايخ وقواعد جوية للعدو الإسرائيلي. وتنفيذًا لخطة العمليات بدقة شديدة أعطت القيادة العامة للقوات المسلحة -في تمام الساعة الثانية وعشر دقائق بتوقيت القاهرة- إشارة الانطلاق لسلاح المدفعية؛ للتمهيد النيراني للمدفعية، مستخدمة أكثر من 2000 مدفع من مختلف الأنواع، وذلك لحماية جنود الاستطلاع والصاعقة والمهندسين وغيرهم الذين سيبدؤون في عبور قناة السويس. وفي مكتب رئيس وزراء إسرائيل.. صراخ وعويل.. ماذا يحدث.. قادة الجيش الإسرائيلي يسارعون إلى مكتب جولدا مائير –رئيسة الوزراء- لعقد اجتماع أمني عاجل؛ للرد بقوة على هجمات القوات المصرية على سيناء، ومحاولة منع المزيد من الجنود المصريين من العبور إلى سيناء.. جولدا مائير لوزير الدفاع: المصريون يعبرون قناة السويس.. وزير الدفاع موشي دايان: نعم سيادة رئيسة الوزراء.. جولدا مائير: لماذا لم تفتحوا عليهم أنابيب النابالم، وتجعلوا مياه قناة السويس كتلة من اللهب؛ لتحرق هؤلاء المتهوّرين.. وزير الدفاع موشي دايان: حاولنا فتحها ولم تعمل.. لقد أبطلوا مفعولها.. وهنا كانت الفاجعة والصدمة لكل الحاضرين من الوزراء الإسرائيليين، وعلى الفور حضر إلى الاجتماع ديفيد بن إليعازر -رئيس أركان الجيش الإسرائيلي- وقدّم لرئيسة الوزراء تقريرًا، حاول تغليفه بنبرة تفاؤل عن النجاح المصري والسوري.. إلا أنه أضطر أن يعلن لوزراء الحكومة الإسرائيلية المجتمعين أن الخسائر الإسرائيلية عالية.. وبدا موشي دايان متشائمًا، وأعلن أنه رغم الاختراق السريع للسوريين فإنه يتوقع النجاح في إيقافهم، أما على الجبهة المصرية فأوضح أن ميدان قتال مفتوح، وأنهم في حاجة إلى حظّ كبير لإنهاء معارك الغد لصالحهم.. وفي غمرة يأسه طالب دايان بأن ترتد القوات الإسرائيلية لمسافة 20 كم بعيدًا عن قناة السويس؛ كي يستطيعوا حشد الجنود ويستعدوا للمعركة.. على خط النار وفي قلب الميدان.. يزأر جنودنا: "الله أكبر" اندفعت جماعات من قوات الاستطلاع المصرية والصاعقة والمهندسين؛ لفتح الثغرات في دفاعات خط بارليف؛ لتمكين جنودنا من العبور بحشد كبير إلى الضفة الشرقية للقناة، وانطلقت أطقم اقتناص الدبابات والطائرات.. ومع كل هؤلاء بدأ عبور العناصر التي ستحاصر النقاط الحصينة للعدو الإسرائيلي.
ولا يمكن أن ننسى أن الحرب قد قامت على الجبهتين المصرية والسورية في لحظة واحدة، ولذلك فإن الأوضاع على الجبهة السورية كانت مماثلة للمصرية، حيث قام الطيران السوري بضربة أولى تلاها تمهيد نيراني بالمدفعية أيضا. في الساعة الثالثة إلا خمس دقائق كانت الضربة القاسية لعمق دفاعات العدو.. بدأ اقتحام الموجات الأولى من الجنود السائرين على الأقدام لقناة السويس، حيث عبر ثمانية آلاف مقاتل مرة واحدة، وفي مقدمتهم القادة، والمبهر أن هذه القوة قد وصلت إلى الشاطئ الشرقي بعد سبع دقائق فقط، لتتلوها الموجات التالية من الجنود المترجلين بنظام غاية في الدقة، وجميعهم يرددون بصوت واحد صيحة هادرة.. "الله أكبر.. الله أكبر".. ثم كانت المفاجأة.. كان للعدو الإسرائيلي أن يتوقع طيرانًا مصريًا يضربه من أعلى.. وكان له أن يجد أمامه جنودًا بواسل يقاتلون بضراوة.. لكن أن يفاجأ بلواء كامل من الدبابات.. فهذا مستحيل.. كيف عبرت قناة السويس.. إنها الدبابات البرمائية التي حصلت عليها مصر في صفقة سرية.. واقتحمت خط بارليف بعد أن تمكّن سلاح المهندسين من إحداث فتحة كبيرة به باستخدام خراطيم المياه.. أحداث المعركة تمر سريعًا.. في كل ثانية تحدث مفاجأة.. وكل مفاجأة أشبه بالمعجزة.. في تمام الساعة الثالثة والنصف وسبع دقائق كانت القوات المصرية قد رفعت العلم المصري على خط بارليف.
وفي الساعة الرابعة إلا الثُلث يستكمل سلاح المهندسين في مباشرة مهامه الخاصة بالساتر الترابي؛ لفتح ثغرات به تسمح بمرور القطع الحربية الكبيرة. وفي الوقت ذاته بدأ الطيران الإسرائيلي وبعض الأسلحة الاحتياطية من الدبابات بمحاولة يائسة لصدّ الهجوم المصري، ولكن أفراد قوات المشاة المصرية المسلحين بصواريخ الكتف المضادة للدبابات "آر بي جي" قاموا بتلقينهم درسًا لم ينسوه حتى الآن. ولا يمكن نسيان الساعة الرابعة إلا خمس دقائق ظهرا من هذا اليوم؛ حيث أعلن سقوط أول نقطة حصينة من خط بارليف على الجبهة.. الله أكبر.. كانت تلك النقطة الحصينة الواقعة عند علامة الكيلو 19 جنوب بورسعيد، وبعد هذه النقطة تتابع سقوط النقاط الحصينة لخط بارليف في كل من القنطرة شرق وفي الشط وجنوب البحيرات. ويستمر تدفق القوات المصرية على الضفة الشرقية للقناة، وفي تمام الساعة السادسة إلا الربع مساءً تمكّن المهندسون باستخدام مضخات المياه من فتح أول ثغرة في الساتر الترابي، والتي وقعت في منطقة جنوب القنطرة، وهكذا بدأت أول دبابة عبورها.
ومن الناحية الغربية للقناة كان سلاح المهندسين يجهز كوبري عبور المشاة والمعدات الحربية.. وبالفعل تم إعداد الكوبري بسرعة ودقة عالية.. وبدأ عبور الآليات والدبابات وغيرها في الساعة الثامنة والنصف، حيث استغرق تجهيزه فترة قياسية، وتم ذلك في شمال الإسماعيلية. في تمام الساعة العاشرة مساءً كان سلاح المهندسين قد تمكّن من فتح 60 ثغرة في الساتر الترابي، وأنشأ 8 كَبارٍ ثقيلة و 4 كبارٍ خفيفة و 31 معدية، وعند منتصف الليل كان إجمالي قواتنا في شرق القناة على أرض سيناء الغالية 80 ألف مقاتل.. الله أكبر.. يندحر العدوان ويُدمّر.. الله أكبر سيناء تتحرر.. تمكّنت قواتنا المسلحة بعد منتصف الليل من الاستيلاء على أكثر من 50% من النقط الحصينة لخط بارليف مع حصار وتدمير جميع الدفاعات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس، كما تم تدمير أكثر من 200 دبابة وإسقاط 38 طائرة معادية، وتوغلت القوات المصرية إلى عمق 5 كيلومترات في الشرق.. وأحدثت شللاً تماًما للقوات الإسرائيلية الموجودة في سيناء..
6 أكتوبر 1973 كان علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث.. وستظل الأجيال تتحدث عنه وتحتفل به على مر السنوات العديدة القادمة، كما احتفلنا به في السنوات السابقة.. تكبّدت إسرائيل في هذا اليوم فقط 28 طائرة و 31 دبابة، كما فقدت قطعة بحرية و 11 أسيرا، وعددا كبيرا غير معلوم من القتلى والجرحى. وإن كانت إسرائيل قد فقدت هذه القوات والمعدات، فإن مصر قد استردت كرامتها بجوار أرضها.
غدًا نكشف كيف تصدّت القوات المسلحة المصرية لأقوى ضربات إسرائيل المضادة.. وكيف رحّبت قوات الصاعقة بقوات الجيش الإسرائيلي بطريقة خاصة جدا!! اقرأ أيضا: أكتوبر.. يبدأ الهجوم غدًا على بركة الله عندما رُفعت الأقلام ووُزّعت الأعلام وقُضي أمر سيناء الذي فيه تستفتيان قبل الحرب ب3 أيام.. افتعال الحزن والانكسار وجيش إسرائيل الجبار عندما كانت النمسا جزءا من خطة الخداع الاستراتيجي ضد إسرائيل في حرب أكتوبر حتى لو نطق أبو الهول وتحرّكت الأهرامات.. لن يُحارب السادات!!