بالأسماء.. المقبولون في مسابقة 30 ألف معلم بالبحر الأحمر    ننشر النص الكامل لتعديل قانون مجلس الشيوخ    «شوف مدينتك».. جدول مواعيد الصلاة في المحافظات غداً الأحد 25 مايو 2025    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو 2025 وعيار 21 بالمصنعية في الصاغة.. آخر تحديث    رئيس الوزراء يسلم عددا من عقود «سكن لكل المصريين» بمدينة أكتوبر الجديدة    وزير البترول ومحافظ الوادي الجديد يفتتحان محطة تخفيض ضغط الغاز الطبيعي الدائمة    «رغم المخاوف بشأن النفايات المشعة».. ترامب يتخذ قرارات ل«نهضة الطاقة النووية» الأمريكية    الاثنين.. وزير خارجية تركيا يزور روسيا لمناقشة حرب أوكرانيا والأوضاع في سوريا    لازاريني: مخطط الإمداد الإسرائيلي المقترح في غزة لن ينجح    الفريق أحمد خليفة يعود لأرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لفرنسا    "المادة R52"..الحقيقة وراء رفض المحكمة الرياضية الدولية لطلب بيراميدز وحالة استثنائية تنتظر الفصل    وصلة مدح من هيثم فاروق ل محمد صلاح بعد فوزه بجائزة الأفضل في الدوري الإنجليزي    تواجد وائل جمعة.. توقيت وتفاصيل حفل قرعة كأس العرب 2025 بمشاركة مصر    مراجعة مادة الدراسات الاجتماعية للصف السادس الابتدائي الترم الثاني 2025 عبر قناة مدرستنا (فيديو)    تحديثات حالة الطقس اليوم السبت وأهم التوقعات    حبس عاطل متهم باستدراج طفل والتعدي عليه بالحوامدية    سفر الفوج الأول لحجاج بيت الله الحرام من البحيرة    سقوط عصابة سرقة المواقع الإنشائية بالقاهرة والنيابة تحقق    إيرادات مرتفعة دائما.. تعرف على أرقام أفلام كريم عبدالعزيز في شباك التذاكر؟    الخميس.. قصور الثقافة تطلق قافلة ثقافية إلى قرية منية شبين بالقليوبية    المتحف القومي للحضارة المصرية يستقبل وفداً من الحزب الشيوعي الصيني    مدبولي: تدشين تطبيق "اسعفني" لتمكين المواطنين من طلب الخدمة غير الطارئة ب 13 محافظة    رئيس الوزراء يتفقد المركز القومي للتدريب بمقر هيئة الإسعاف المصرية.. صور    إقبال كثيف على صناديق الاقتراع في الجنوب اللبناني    مقال رأي لوزير الخارجية عن انعكاسات خفض التصعيد على أمن الملاحة في البحر الأحمر    رئيس وزراء كوت ديفوار يستقبل وفدًا من اتحاد الصناعات المصرية لبحث التعاون    ب3 من نجوم ماسبيرو.. القناة الأولى تستعد لبث "العالم غدا"    بطريقة خاصة.. رحمة أحمد تحتفل بعيد ميلاد نجلها «صاصا»    فضائل العشر من ذي الحجة.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    لتطوير البنية التحتية..الانتهاء من رصف عدة طرق بالواحات البحرية بتكلفة 11.5 مليون جنيه    دراسة: النوم بين الساعة 10 و11 مساءً يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب    بعد توليها منصبها في الأمم المتحدة.. ياسمين فؤاد توجه الشكر للرئيس السيسي    مطالبًا بتعديل النظام الانتخابي.. رئيس«اقتصادية الشيوخ»: «لا توجد دول تجمع بين القائمة والفردي إلا ساحل العاج وموريتانيا»    «فركش».. دنيا سمير غانم تنتهي من تصوير «روكي الغلابة»    الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان استعدادا لبدء التطبيق الفعلي للمنظومة في المحافظة 1 يوليو المقبل    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي والمصري في الجولة الثامنة للدوري    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    في ذكرى رحيل إسماعيل ياسين.. أحمد الإبياري يكشف عن بوستر نادر ل مسرحية «الست عايزة كده»    كواليس إحالة المتهمة بسب وقذف الفنانة هند عاكف للمحاكمة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    لحظة أيقونية لمؤمن واحتفالات جنونية.. لقطات من تتويج بالأهلي ببطولة أفريقيا لليد (صور وفيديو)    "الشيوخ" يبدأ مناقشة تعديل قانونه.. ووكيل "التشريعية" يستعرض التفاصيل    احتفاء بتاريخ عريق.. رئيس الوزراء في جولة بين عربات الإسعاف القديمة    جامعة سوهاج: اعتماد 250 مليون جنيه لفرش وتجهيز مستشفى شفا الأطفال    التحقيق مع 3 عناصر جنائية حاولوا غسل 60 مليون جنيه حصيلة اتجار بالمخدرات    3 تحديات تنتظر بيراميدز أمام صن داونز في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    وزير الري يوجه بتطهير مصرف البلبيسي بالقليوبية    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 24 مايو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبى    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    عمرو أديب: ليه العالم بيعمل 100 حساب لإسرائيل وإحنا مالناش سعر؟    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أُنْس الحبايب".. خيري شلبي يرد الجميل لمن ساهموا في فترة تكوينه
نشر في بص وطل يوم 15 - 09 - 2011

لديّ ولع خاص بقراءة السير الذاتية لأن تتعرّف على مشوار أحدهم منذ الطفولة حتى الكهولة، وتتعايش مع حقب زمنية مختلفة؛ لتستقي منها الكثير من الدروس والعِبر. فما بالك بكون هذه السيرة مُصاغة بطريقة السرد الروائي، ويكون الراوي أديب بحجم خيري شلبي، وتقرأها عقب مفارقته للحياة بأيام.. يا له من شجن!
نتحدّث عن كتاب "أُنس الحبايب"، الذي يحمل الجزء الأول من السيرة الذاتية للكاتب الكبير، بعنوانه الفرعي "شخوص فترة التكوين"؛ إذ اشتهر شلبي في أعماله بشخصياته التي تعلق بالأذهان، وكأنه بسيرته الذاتية يريد أيضاً أن يوثّق لمن ساهموا في تكوينه، والكتاب صدر هذا العام عن الهيئة العامة للكتاب، ولا ندري إن كان الراحل قد كتب بقيّة الأجزاء أم لم يسعفه القدر.
مدرسة عبد الله النديم
الفصل الأول يحملنا عم خيري إلى مدرسة عبد الله النديم، بمدينته الموجودة بمحافظة كفر الشيخ، وتحديداً عام 1944؛ حيث المرحلة الابتدائية، وكيف كان حال المدرسة حينذاك، ويتعرّض لناظر المدرسة وللفرّاش، وكيف أن لديه من المواقف معهما لا تُنسى، ويذكر موقف مشروع مقاومة الحفاء الذي كتبه في قصة "العتقي" في رباعية الوتد، لنكتشف أنه كان البطل. وبالطبع الضرب في المدارس كان له نصيب من الحديث؛ إذ إن مُدرّسهم كان يقول لهم: "العبد يُقرع بالعصا.. والحُر تكفيه المقالة"؛ في إشارة إلى أن الحُر لديه من التفكير ما يسمح له بالاختيار الصائب، ويذكر حادثة وقعت له؛ إذ سُرق أجزاء من "الجرامفون" الخاص بوالده، فعندما اكتشف الشيخ في الكُتاّب واقعة هذه السرقة، نصب له "الفلكة" وعلّقه بها؛ حيث رأسه للأسفل وقدمه للأعلى، وجلده عشرين جلدة، لكن الغريب أن عم خيري يقول عن هذه العلقة: "فإن العلقة بقيت محفورة في نفسي على طول الزمان، إلا أنها باتت مثل الشمندورة المضيئة في بحر حياتي ترشدني إلى شاطئ الأمان".
وكذا الجانب الديني قد زُرع به عبر الخطاب الديني الصحيح، الذي كان في أوج تجديده عبر الشيخ محمد عبده، وتواجد في القرية عبر الشيخ عبد الباري عبادة، ويصف ذلك قائلاً: "كان علمه الحداثي تطويراً عظيماً للخطاب الديني، متماهياً مع سماحة الإسلام واتساع أفقه؛ حيث العبادة تعني العمل، والصلاة تعني يقظة الضمير والتقوى، والتقوى تعني الإخلاص في تنوير العباد وإرشادهم إلى السلوك القويم".
أول نظارة طبية
وكان للقرية وروحها حضور في قصة فقره وعدم امتلاكه لثمن نظارة طبية، وكان ذلك سيعوقه عن الالتحاق بمعهد المعلمين، فما كان من القرية إلا أن جمعت له النقود، ويقول: "ولقد ظللت طوال عمري لليوم أفخر بأن أول نظارة طبية أضعها على عينيّ كانت على نفقة أهل بلدتنا"، لقد عانى كثيراً حقّاً، لكن لأنه حفظ الجميل لهؤلاء؛ وصل وكان خير سفير لأهل قريته.
الفصل الثاني يختص بالشيخ محمد زيدان عسر، والذي يقول عنه عمنا خيري: "ما كان لي أن أصير كاتباً لو لم يكن الشيخ أحد أهم الشخصيات التي عمرت بها أيام طفولتي وصباي"، وهنا ينجلي درس التشجيع في الصِغر والأخذ بيد الأطفال إن بدت بهم سمة ما، فقد كان شلبي في طفولته مولعا بالحكايات حتى بدأ يختلق بعضها ويتخيّل الآخر، وظنّه البعض مجنوناً، فما كان من الشيخ عسر إلا أن نفى الاتهام، وقال إن ذلك خيال، وأخبره بأنه سيكون أديباً، وحمل إليه أشعار بيرم التونسي، فبدأ عمنا خيري كتابة الزجل، ثم دخل به إلى جلسات ثقافية بها روايات تاريخ الإسلام لجورجي زيدان، وكتاب ألف ليلة وليلة، ويقول إنه عندما التحق بمعهد المعلمين في دمنهور اشترى كُتبا لتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور، وعبد الرحمن الخميسي، ويحيى حقي، وإحسان عبد القدوس، ليضيفها للجلسات الثقافية التي أثّرت في تكوينه، والتي من خلالها اكتشف الجوهر الإنساني لتقييم الكتاب من القارئ، ألا وهو: "قيمة الصدق الفني في الكشف عن المكنون داخل النفس البشرية".
"فاطمة تعلبة" شخصية حقيقية!
الفصل الثالث حمل مفاجأة من العيار الثقيل، وهي أن "فاطمة تعلبة" بطلة رباعية الوتد الشهيرة شخصية حقيقية، بل وزوجة عم الكاتب مباشرة، واسمها الحقيقي فاطمة نوحاية، والذي مات مبكرا هو ابن عمه صادق.. وفي هذا الفصل يأخذنا لأجواء الوتد؛ حيث طاسة الخضّة، وصراع الأعشاب، والعلاج الشعبي على طريقة فاطمة، في جوّه الآسر. وهنا قال عمنا خيري جملة بديعة عن الخيال الذي أبدع فيه أيما إبداع: "الخيال لا يعني تأليف شيء من العدم، أو تخيّل عالم بأكمله من الفراغ، إنما الخيال هو عمق الإحساس بالتجربة المعيشة سواء عاشها المرء بنفسه أو عايشها عن كثب".
أما الفصل الرابع فهو مُخصص لألف ليلة وليلة، وبه يستعيد المشهد الأول من الكتاب التاريخي، ويدلل على قيمته، ودعوته إلى النظر إلى خطأ الرجل قبل التوجّه إلى زلل المرأة.
حكاء الأسطورة الشعبية
الفصل الخامس يُبيّن لنا كيف نشأ الحكّاء الكبير خيري شلبي، فكلنا يعرف كيف أنه من الأدباء الذين يمسكون بتلابيب الحكاية ويجعل قارئه يعيش داخلها، ويعزي عمنا شلبي ذلك إلى الأسطورة الشعبية، وتحديداً إلى الخيال الشعبي المصري الذي يختزل بداخله عشرات الأمثلة التي تفتن العقول، والتي قد يرفضها البعض، إلا أنه عندما يُفكّر بها يذعن في النهاية، وأخذ يضرب بذلك الأمثلة والدلائل، ويقول إن الحكاية جِذر أصيل في الحوارات حتى اليومية؛ كأن تقترض من أحدهم مالاً، فتسرد له حكايتك ليقتنع ويقرضك، وعلى هذا فقِسْ.. والمواويل والأغاني الفلكلورية -التي يشتهر بها الفلاحون، والعمّال، والسيدات- تحمل فنّاً شعبياً أصيلاً، ومُلهِماً في الآن ذاته. ويتناول أيضاً موروثات موجودة في القُرى؛ كالدجل، والشعوذة، وفتح المندل، ولعبة الكريات الطينية التي من خلالها يمكن اكتشاف السارق.
إسحاق إبراهيم قلادة رفيق الشباب
الفصل السادس منفرد لشخص واحد فقط هو إسحاق إبراهيم قلادة؛ الذي رافقه طوال فترة الشباب، ودلّه على طريق الأدباء الجدد في ذلك الحين، والسلاسل الموجودة مثل "اقرأ"، و"كتابي"، و"الرسالة الجديدة"، ومعه تشجّع على كتابة أول عمل، الذي نقده إسحاق بأنه لم يفهم شيئاً، وطلب من خيري -الكاتب الشاب حينها- أن يحكي ما يريد أن يُوصله، فوجد صديقه إسحاق يطرب للحكاية، فقال عمنا خيري إنه منذ ذلك الحين أُدرك أن القصة قد خُنقت بالعبارات "المجعلصة فطلعت روحها" -على حد تعبيره- ثم أردف يقول: "فآمنت من تلك اللحظة أن المصداقية هي الجسر السالك الآمن بين الكاتب والقارئ، وأن ردّ فعل المصداقية هو الباعث الأكبر على نمو الكاتب وتطوره واستمراره".
والفصل السابع والأخير، كان لمعلميْه "الأنصاري محمد" و"بهاء الدين الصاوي" بمعهد المعلمين بدمنهور، ومن خلالهما ينتقد الأوضاع الحالية للمعلمين، وخواء الرسالة السامية؛ حيث وصفهم بأنهم كادوا يكونون رُسلاً حقّا بهذه الرسالة؛ كما وُصفهم شوقي بالبيت الشهير، ويُذكر أن أحدهم نصحهم ب"تحرير أذهانكم من التفكير القسري الجبري المتعّمد؛ لأنه تحت هذا الضغط لن ينتج إلا أفكاراً مصطنعة لا حيوية فيها، بل ولا رشد"، ويصف عمنا خيري النصيحة بأنها "كانت من أغلى وأثمن النصائح التي تلقيتها في فترة التكوين، وبقيت في ذهني إلى اليوم.. فحين أشعر بسخف ما أكتب أرسي بالقلم.. وأنتظر حتى يتحرر ذهني من ضغوط الأمر بالكتابة، الأمر بكتابة شيء جيد وعميق".
إن التجرّبة المبهرة للكاتب -عبر سنواته ال73 التي عاشها، وكُتبه التي وصلت إلى 70 كتابا- ليست فقط للكُتّاب، وإنمّا هي تجربة لكل مصري طموح؛ لرجل نشأ في ريف مُعدم، وفي بيئة فقيرة، وصارع حتى تبوأ مكانة مرموقة، وأصبح مثلاً يُحتذى به، بكِده وقلمه، ودون عون أو مساعدة من أحد سوى موهبته التي فرضت نفسها وبقوة.
رحمك الله يا عم خيري، وطيّب الله ثراك، وأبقاك حبيباً ممن "نأنس" بهم، وندين لهم بالجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.