جاء رحيل الروائي الكبير خيري شلبي عن عمر يناهز 73 عاما، إثر أزمة قلبية حادة، بعد مسيرة حافلة بالإبداع في الرواية والقصة والدراسات، وهو أحد أبرز الأدباء المصريين وأكثرهم غزارة في الإنتاج خلال رحلته مع عالم الرواية، وكانت لديه القدرة على تجسيد الواقع بطريقة تعكس عمقًا في قراءة الشخصية المصرية، وكان صاحب أسلوب متميز صنع له مكانه وقد رشح ابن كفر الشيخ لنيل جائزة نوبل للآداب. "المصريون" ذهبت إلى منزل عائلة خيري شلبي والتقت حمدية شقيقة الكاتب الراحل والتي تصغره بعشر سنوات والتي كانت تبكي بحرقة، كاشفة عن تفاصيل في حياة الروائي الذي عرفه كثير من المصريين في روايته الشهيرة "الوتد" والتي دارت حول امرأة لديها شخصية قوية مكنتها من إدارة أسرة كبيرة العدد. وما لا يعرفه الكثيرون أن هذه الشخصية كانت في حقيقة الأمر هي زوجة عم الروائي الراحل. ولد خيري شلبي في قرية شباس عمير، أكبر قرى مركز قلين بمحافظة كفر الشيخ والده المرحوم أحمد أفندي شلبي كان يعمل بورشة إصلاح السفن بالإسكندرية لأنه خريج مدرسة دمنهور الصناعية قسم ميكانيكا والدته زينب عبد الصمد أبو سليمة والدها شيخ خفر شباس عمير في ذلك الوقت . له 12 أخوة وهم حمدي وعلى ومحمد شهيد حرب أكتوبر وحسني وأخوته الإناث خيرية ونفيسة ونبيلة وخيرات وفيكتوريا، وأبناؤه زين العابدين صحفي ب "الأهرام" وإسلام مخرج وريم مهندسة بإذاعة الشباب والرياضة وإيمان ممثلة مسرح. حصل على دبلوم معلمين من مدرسة دمنهور بمحافظة البحيرة ثم التحق بمعهد السيناريو لمدة عامين واتجه بعدها للقاهرة وكان هو وصغير شغوفًا بالقراءة والإطلاع وقراءة القصص والروايات من خلال مكتبة كبيرة ورثها عن والده، وكان يجتمع بشباب القرية ويحكى لهم القصص منذ تعلم القراءة والكتابة. وتقول شقيقته، إنه تأثر كثيرًا بشخصية "فاطمة تعلبة" وهي زوجة عمه التي توفت في السبعينيات وتأثراً بها كتب راية "الوتد" والتي تحكي تاريخ عائلته وكان يكن لها حبًا شديدًا وبكى بحرقة بعد وفاتها . ويقول الحاج محمود على عكاشة ابن عمه وهو حفيد الحاجة فاطمة تعلبة، كان خيري شلبي شديد التأثر بالقرية وأهلها ومشاكلها والبيئة المحيطة به وكان دائمًا يتجول في حقولها وتربى فيها حتى بلغ 22 سنة، وكان يحب الكتابة وكان يجمعنا في الليالي ليحكي لنا القصص المتعددة والروايات لكبار الكتاب المصريين وغيرهم. ويلتقط شقيقه حسني موظف ببنك مصر على المعاش أطراف الحديث قائلا: شقيقي خيري اتجه لطه حسين لكي يحول قصة "الأيام" إلى سيناريو وقد وافق على ذلك وشجعه وسانده، وقام بكتابة سيناريو رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم و"قنديل" أم هاشم ليحيى حقي، وعندما سئل نجيب محفوظ عن عدم كتابته عن القرية، قال كيف أكتب عن القرية وخيري شلبي موجود. ويضيف سميح أنور السنهوري صهر الروائي الراحل، أن خيري كان دائمًا يكتب عن "المناكيد" وهم فقراء القرى الذين عاصرهم وعاش مشاكلهم وتعاطف معهم في معظم رواياته، وكان يحضر للقرية ويرافقه سعد أردش ومحمود السعدني وكان صديقًا لعبد الرحمن الأبنودي وفاروق شوشة وأحمد فؤاد نجم وحمدي أحمد وكبار الكتاب والشعراء، حيث كان يرأس مجلة الشعر ويلقي محاضرات في معهد السينما. ويقول صبري أنور السنهوري شقيق زوجة الكاتب الراحل، إن خيري شلبي المولود في عام 1938م وعاش بمنزل والده المجاور لفاطمة تعلبة التي كان لها شأن، ومن أشهر رواياته "نسف الأدمغة" وراوية اسطاسية" وهما عن الفساد الموجود في مصر في الثلاثين سنة الماضية وسمى الحزب "الوطني" ب "الحزب الواطي" في الروايتين السابقتين. ويتذكر عبد الصمد عبد الجواد أبو سليمة مدير عام بالتربية والتعليم على المعاش، آخر رواية الراحل التي أهداها له وهي "زمن الحبايب،" وكتب فيها "إلى المعلم القدير عبد الصمد عبد الجواد أبوسليمة آخر بقايا الحبايب". ويضيف "تربينا معاًًونحن أطفال منازلنا مجاورة، كان همه القراءة والكتاب الذي يقرأه يعطيه لي". ويتذكر أنه في آخر مرة زراه في القاهرة كان مع نجيب محفوظ في ندوة قال عني "إنني خيري شلبي الذي لم يتحرك من شباس عمير، وكنا طلابًا في دمنهور يترك المدرسة ويذهب لمكتبة البلدية ويظل يقرأ إلى أن تغلق أبوابها". ويشير إلى أنه "كان رحمه الله له ذاكرة قوية وعينه كلاقطة الأضواء إذا ما رأى شيئًا أو قرأه لا ينساه أبداً أعماله تنحصر في كلمتين ذكرهما في إحدى رواياته أيها المناكيت ما سر ما في أعماقكم من خوف قالوا الطوق إلى الحرية أيها المناكيت ما سر ما في أعماقكم من حزن قالوا الطوق إلى الفرح". ويصفه بأنه "كان كاتبًا نزيها وذا قلم حر لم يجامل السلطة مطلقا بالرغم من أن السلطة منحته جائزة الدولة التشجيعية ثم التقديرية وخرج بكتب منها الشطار والذي تحول لفيلم سينمائي، فكان رده من خلالها إظهار الفساد المستشرق في مصر خلال ذلك الوقت والذي كان يتخوف عدد من الكتاب من إظهاره، ومعنى ذلك أنه ليس كغيره مجاملاً للنظام، وروايته الثلاثية (الأمالي) (أولنا ولد) (ثانينا الكومي) والتي فضح فيها الفساد الموجود في عهد السادات وتعرض للسادات نفسه برغم أن الجائزة الممنوحة من السادات وتعرض لتزوير الانتخابات بصورة واضحة ومباشرة لم يتعرض لها أحد من قبل. ويتذكر أنه في آخر حديثه معه عقب عيد الفطر المبارك الماضي كان يناقش معه روايته الأخير "زمن الحبايب" ويتابع: قلت له إن الحبكة القصصية في هذه الرواية لامثيل لها فرد عليّ و قال إن الفضل يرجع لأساتذتي في هذا الميدان محمود تيمور ويحيى حقي في ذلك، وقلت له إن ما حدث في رواية "نسف الأدمغة" مشابه لثورة 25 يناير، أي ثورة لابد أن تسبق بأعمال أدبية فكل ثورة لها مفكرين وروايات تتنبأ بها ولا ثورة بدون فكر". لكنه رأى أن ما حدث في 25 يناير يفوق الخيال ولم يتوقعه أحد بهذه السرعة والكيفية "لكن ربنا يستر"، وذكر له أنه زار ميدان التحرير مرتين من أطرافه ولم يستطع الوصول لعمقه بسبب ظروفه الصحية لكن ولديه كانا يبيتان هناك. وكشف صديق عمره أن خيري شلبي رفض العرض الإسرائيلي من إحدى دور النشر بترجمة أعماله للغة العبرية على الرغم من ضخامة المبلغ المعروض عليه ولوحوا له بجائزة نوبل لكنه رفض. ويعد خيري شلبي أحد أبرز كتاب جيل الستينيات وأغزرهم إنتاجا، حيث يزيد عدد الكتب التي ألفها خلال مسيرته الإبداعية على سبعين كتابا، من أشهرها رواية "وكالة عطية"، التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2003. ومن أشهر رواياته أيضا "صهاريج اللؤلؤ"، و"الأوباش"، و"الشطار"، و"زهرة الخشخاش"، و"الوتد"، و"فرعان من الصبا"، و"بغلة العرش"، و"منامات عم أحمد السماك"، و"نعناع الجناين". ومن مجموعاته القصصية "صاحب السعادة اللص"، و"المنحنى الخطر"، و"سارق الفرح"، ومن مسرحياته: "صياد اللولي"، و"المخربشين"، ومن مؤلفاته ودراساته: "محاكمة طه حسين: تحقيق في قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي"، و"لطائف اللطائف" دراسة في سيرة الإمام الشعراني، و"أبو حيان التوحيدي" بورتريه لشخصيته، ودراسات في المسرح العربي. وشكلت أعمال الراحل الأدبية هدفا لصناع السينما، فتحولت رواية "الشطار" وقصة "سارق الفرح" إلى فيلمين سينمائيين، في حين تحولت رواية "الوتد" إلى مسلسل تليفزيوني حمل الاسم ذاته من بطولة هدى سلطان، ورواية "وكالة عطية" إلى مسلسل آخر من بطولة حسين فهمي. وحصل الروائي الراحل -الذي يعدّه جمهور عريض من النقاد والعرب رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة- على عدة جوائز أهمها جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981.