يرى البروفيسور إييل زيسر -المحلل السياسي الإسرائيلي- في مقاله المنشور على موقع نعنيع العبري أنه منذ وقوع عملية إيلات والعلاقات المصرية - الإسرائيلية تشهد توتراً كبيراً، اتضح من خلاله أن السلام بين الجانبين لم يعد مضموناً كما كان في السابق؛ لذا يتساءل: ماذا يخبئ المستقبل لإسرائيل؟ خاصة أن مصر تقف على أعتاب انتخابات جديدة، سيتمخض عنها حكومة تكون مضطرة للإنصات لكل من الجيش والشارع المصري الذي أسقط مبارك، مع العلم أن معظم الشباب المصري يشككون في حق إسرائيل في الوجود. لذلك يتساءل المحلل الإسرائيلي هل ستنجح مصر الجديدة في الحفاظ على السلام؟ ويرد على الفور على نفسه بأن الأيام القادمة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، لكن في الوقت نفسه يؤكّد أن السلام مع مصر يمثل مصلحة عُليا بالنسبة للدولة العبرية. وفي ذات السياق يدّعي الخبير السياسي الإسرائيلي أن هناك بشارتين طيبتين وصلتا من مصر إلى إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية تتمثل في: البشارة الأولى: أن النظام المصري الحالي -متضمناً الحكومة المدنية، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة- ظل ملتزماً باتفاقية السلام مع إسرائيل مثلما كان الحال في السابق، وهنا يؤكّد زيسر على أن المصريين بالفعل يعملون بشكل حثيث من أجل الحفاظ على الإتفاقية والحيلولة دون الإضرار بها. البشارة الثانية: تتمثل -وفقاً لزعم المحلل الإسرائيلي- في الفشل التام للمليونية التي دعت إليها القوى السياسية المصرية مؤخراً أمام السفارة الإسرائيلية؛ لخلق ضغط شعبي على الحكومة المصرية لدفعها إلى طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة؛ تمهيداً لإلغاء اتفاقية السلام بين البلدين، ويقول زيسر: إنه بدلاً من وصول مليون متظاهر إلى المكان وصل فقط ما بين 100 - 200 شخص فقط. وهنا يدّعي الكاتب الإسرائيلي أنه يتضح من ذلك أنه على الرغم من حملة التحرّر الواسعة في وسائل الإعلام المصرية، وعلى الرغم من العداء الشديد السائد في مصر تجاه إسرائيل فإن أغلبية الشعب المصري -علاوة على الحكومة المصرية- غير مستعد لاجتياز الخط الأحمر الفاصل ما بين الابتعاد عن إسرائيل، وإلغاء اتفاقية السلام، وما بين التدهور في العلاقات والذي قد يصل إلى حد نشوب مواجهات عسكرية جديدة. وبناء على ذلك يرى زيسر أن العاصفة التي هبت على العلاقات الإسرائيلية-المصرية خلال الأسابيع الماضية تقودنا إلى عدة استنتاجات عامة لا يمكن تجاهلها؛ تتمثل في النقاط التالية: أولاً: من السابق لأوانه توقّع شكل نظام الحكم المصري المرتقب عقب الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي أو مستهل العام المقبل، فليس من الواضح ما إذا كان المجلس العسكري -برئاسة المشير طنطاوي- سيقوم بتأجيل الانتخابات لفترة أخرى -ربما تكون طويلة- لكي يُبقي على مفاتيح الحكم في يده، أم إن هذا المجلس سيقوم بإجراء الانتخابات في موعدها؛ للتخلص من عبء السلطة الملقى على عاتقه منذ خلع حسني مبارك، وفي هذه الحالة سينتقل الحكم إلى يد حكومة مدنية أو رئيس مدني وإلى مجلس نيابي منتخب، وبالطبع سيكون كل هذا تحت ظل الجيش الذي سيواصل لعب دور محوري في الحياة السياسية في مصر لفترة طويلة. وسواء حدث أحد السيناريوهين السابقين، فمن الواضح أن أي نظام حكم سيقوم في مصر خلال الأعوام القادمة سيكون مرتبطاً بدرجة كبيرة بالشارع المصري الذي كشف عن قوته عندما أسقط مبارك في يناير 2011، ويواصل الإعراب عن آرائه من خلال التظاهرات التي تشهدها شوارع القاهرة، والتي نجحت في الضغط على الجنرالات الذين يحكمون مصر حالياً، فمثلاً اضطر لواءات المجلس العسكري -رغما عنهم- إلى تقديم مبارك إلى المحاكمة راقداً على سرير متحرك. ثانياً : على الرغم من التزام نظام مبارك باتفاقية السلام فإنه تجاهل عملياً واقع نمو ثقافة معاداة إسرائيل في مصر، والتي زرعته وسائل الإعلام المصرية -بما فيها الحكومية- بالإضافة إلى معارضة المثقفين للتطبيع مع إسرائيل. وهنا يدّعي إييل زيسر أن إحدى السمات المميزة لغالبية الشعوب العربية أن كلا من النظام الحاكم والسياسيين واللواءات وأحياناً رجال الأعمال يكونوا هم المؤيدين المتحمسين للحفاظ على السلام مع إسرائيل، في مقابل أن المثقفين -الذين من المفترض أن يكونوا جسراً للتواصل بين الشعوب- هم الذين يطالبون بمواصلة المواجهة مع إسرائيل، بل وأيضا إلى استئناف الحرب معها. ثالثا: يقول المحلل الإسرائيلي: إنه يجب أن نشير إلى أنه في مصر -مثلما الحال في دول عربية أخرى- ترعرع جيل لم يعرف ويلات الحروب، ولا يُقدّر مدى التغيير الكبير الذي أحدثه السلام في حياة الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات سلام مع إسرائيل. ويزعم البروفيسور الإسرائيلي إييل زيسر -مثله مثل معظم المثقفين والعسكريين الإسرائيليين- أن الإعلام المصري منذ أيام مبارك وهو يزرع في عقول الشباب المصري وهْم أن الجيش المصري هو الذي انتصر في حرب أكتوبر، ويضيف أن مشاهد الشباب المصري المتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية تُظهر أنه من الصعب إقناع هؤلاء الشباب بخطورة الحرب وأهمية السلام. رابعاً: على الرغم أن موجة الربيع العربي عند نشوبها لم يتم التطرق إلى ذكر إسرائيل مطلقاً؛ فإن إسرائيل عادت لتتصدر الجدال الشعبي العربي، حيث اتضح أن الالتزامات العربية تجاه الفلسطينيين ظلت كما هي، وأن القضية الفلسطينية هي العامل المشترك الذي في مقدروه توحيد جميع العرب حوله. وهنا يصف إييل زيسر اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية بأنها اتفاقية كانت منذ بدايتها ذات قدمين؛ القدم الأولى هي القدم المصرية، والثانية القدم الفلسطينية، وبما أن إسرائيل لم تعمل على حل القضية الفلسطينية؛ فإن هذه الاتفاقية تقف حالياً على قدم واحدة فقط ومن هنا ينبع ضعفها وعدم استقرارها. وفي النهاية يقول المحلل الإسرائيلي البروفيسور إييل زيسر إن مصر وإسرائيل نجحتا في اجتياز الأزمة الأخيرة بفضل نضوج ورجاحة عقل القيادة المصرية، بالإضافة إلى عدة خطوات إسرائيلية دلّت على تخوف إسرائيل من زعزعة العلاقات مع مصر، وهنا يقول إنه من المهم أن يظهر أن إسرائيل لها شريك في مصر يحافظ على اتفاقية السلام، لكن في الوقت نفسه يجب الإنتباه إلى التيارات الشعبية المصرية التي تقوض أسس السلام وأعمدته؛ لأن السلام مع مصر يُعد مكسباً وكنزاً استراتيجياً من الدرجة الأولى بالنسبة لإسرائيل؛ حسب وصف زيسر.