كان الأديب الروسي العظيم ديستوفسكي مصابا بالصرع، وقد كتب كثيرا من وحي خبرته معه في رواياته؛ حتى أن أربع شخصيات من الشخصيات الروائية لديستوفسكي مصابة بالصرع! كاتب الخيال العلمي فيليب ديك صاحب الروايات فائقة الغرابة كان أيضا مصابا بالصرع، ويرجّح البعض أن النشاط الكهربي الزائد في مخه بفعل المرض هو السبب في هذه الرؤى الغريبة التي يكتب عنها! أما الزعيم الروسي لينين؛ فقد أصيب بالمرض في نهاية عمره، ومات متأثرا بنوبة صرع عنيفة دامت لحوالي خمسين دقيقة كاملة. يبلغ عدد المصابين بالصرع حول العالم حوالي 50 مليون شخص. 90% منهم يعيشون في الدول النامية. والصرع هو مرض عصبي ينتج عن توليد نبضات كهربية شاردة في المخ؛ مما يؤدي إلى حدوث تشنجات عضلية. الأعراض.. لأن الصرع ينتج عن نشاط غير طبيعي في خلايا المخ؛ لهذا فإن النوبات الصرعية تؤثر على كل العمليات التي ينظمها المخ، ويمكن أن ينتج عن النوبة تشوّش وارتباك، وحركات تشنجية لا إرادية للذراعين والساقين وفقدان تام للوعي. وتختلف الأعراض وفقا لنوع النوبة. وفي معظم الحالات عادة ما يصاب الشخص الواحد دائما بنفس النوع من النوبات في كل مرة. ويصنف الأطباء النوبات الصرعية إلى نوعين: صرع كلي وصرع جزئي، وفي بعض الحالات تكون النوبة جزئية، ثم تتحول إلى كلية. النوبات الجزئية.. عندما تنتج النوبة عن نشاط غير طبيعي في جزء واحد من أجزاء المخ؛ فإنها تسمى نوبة جزئية، وهذه النوبات تنقسم إلى فئتين: 1. نوبات جزئية بسيطة: وهذه النوبات لا يحدث فيها فقدان للوعي. يصاب المريض بتشنج لا إرادي في أحد أجزاء الجسم، كساق أو ذراع، ويتغير فجأة شعوره تجاه الأشياء من خلال تشوه حواس النظر والسمع، ويشعر بتنميل ودوار. 2. نوبات جزئية مركبة: هذه النوبات تؤثر على الوعي؛ حيث يفقد المريض انتباهه أو وعيه لفترة من الوقت، وفي هذه النوبات نرى المريض يحدق ذاهلا في شيء ما، أو يقوم بأفعال ليس لها معنى كفرك اليدين ومضغ وبلع أشياء غير موجودة أو المشي في دوائر. النوبات الكلية.. في هذا النوع من النوبات يكون النشاط غير الطبيعي للخلايا العصبية شاملا لكل أجزاء المخ، وهذه النوبات تنقسم إلى أربع فئات. 1. النوبة الصغرى petit mal: وتسمى أيضا نوبة الغياب، تتميز بذهول المريض وتشنج بسيط وقد يحدث فقدان وعي لفترة قصيرة. 2. النوبة العضلية الرفاسية Myoclonic seizure: وتتميز بحدوث تشنج فجائي للذراعين أو الرجلين. 3. النوبة غير المتناغمة Atonic siezure: وفيها يفقد المريض التحكم في العضلات وينهار فجأة ساقطا على الأرض. 4. النوبة الكبرى grand mal: وهي أقوى نوع من النوبات؛ حيث يفقد المريض وعيه ويتصلب جسمه ويهتز، كما يفقد التحكم في مثانته. متى يجب نقل المريض إلى المستشفى؟ * إذا دامت النوبة لأكثر من خمس دقائق. * إذا لم يستعد المريض وعيه بعد انتهاء النوبة. * إذا حدثت نوبة ثانية بعد النوبة الأولى مباشرة. * إذا كانت المريضة حبلى. * إذا كان المريض مصابا بالسكر. * إذا أصاب المريض نفسه أثناء النوبة. لماذا يحدث الصرع؟ لا يوجد حتى الآن سبب معروف ومؤكد لحدوث الصرع في حوالي 50% من الحالات؛ في ال 50% الأخرى يعود السبب إلى واحد من الأسباب التالية: * العوامل الوراثية: هناك بعض العائلات التي تتميز بحدوث الكثير من حالات الصرع بين أفرادها، وقد استطاع الباحثون في السنين الأخيرة تحديد بعض الجينات التي تكون مسئولة عن هذا الأمر. * إصابات الرأس: إصابات الرأس التي تحدث في العادة في حوادث السيارات، أو أيا كان سببها، يمكن أن تؤدي إلى حدوث حالات صرع. * الاضطرابات الصحية: بعض الحالات الصحية مثل حدوث السكتة الدماغية أو الأزمات القلبية، قد تؤدي إلى حدوث صرع؛ خاصة في الأشخاص فوق الخامسة والستين. * الإصابة ببعض الأمراض: مثل الالتهاب السحائي والإيدز. * الإصابة بخرف الشيخوخة في الأشخاص كبار السن قد يؤدي أيضا إلى الإصابة بالصرع. * حدوث إصابة جنينية: إذا أصيب الجنين بعدوى من الأم أثناء الحمل، أو إذا تعرض إلى حدوث نقص في الأكسجين أو التغذية؛ أحيانا يقوم الطبيب أثناء الولادة بسحب الطفل من رأسه باستخدام أداة معدنية، يرجح أن هذا الأمر يمكن أن يتسبب في تكوين بؤر صرعية في المخ. * اضطرابات النمو: مثل المصابين بمتلازمة داون (العته المغولي) والتوحّد. العوامل التي تزيد احتمالية الإصابة.. * العمر: عادة ما يبدأ المرض إما في الطفولة المبكرة، أو فوق سن الخامسة والستين، لكن حالة الصرع نفسها يمكن أن تبدأ في الإعلان عن نفسها في أي عمر. * الجنس: الذكور أكثر عرضة للإصابة من الإناث. * التاريخ الوراثي: إذا كان هناك أشخاص في العائلة مصابون بالمرض فإن احتمالية الإصابة تكون أكبر. * إصابات الرأس: يمكن أن تسبب إصابات الرأس حدوث حالات صرع في كثير من الحالات. * حدوث سكتة دماغية أو الإصابة بأحد أمراض الشرايين. * حدوث عدوى في أنسجة المخ كما في حالة الالتهاب السحائي. * الأطفال الذين تعرضوا لحمى شديدة. في العدد القادم نتعرف على كيفية علاج المرض، والطريقة الصحيحة للتعامل مع المريض إذا تعرض لإحدى النوبات.