تحركت نفسه تجاه الأشياء التي يراها، أحس أنه مخنوق. شريط الذكريات يمر أمامه، ولكنها صور سالبة لا دخل له فى أحداثها. إنه عاش كل الذكريات بروح المتفرج، بل نستطيع أن نؤكد أنه كان يتفرج على ذكرياته دون الدخول فى تفاصيلها، لذا بدت باهتة مطمسة لا معالم لها.. لكن شريط الذكريات توقف عند نقطة بعينها، وبدأت الصور تتضح وتتضح.. إنه هناك يقف أمامهم مسلوب الإرادة.. لا أنه نائم وهم ينقلون بصرهم إليه وإلى الأجهزة التي تحيط به.. جسده ممدد على منضدة تبعث الرطوبة فى جميع أنحاء جسده، الذي وصلت به العديد من الأسلاك التي تتصل بنفسها بعدد غريب من الأجهزة، وقراءات الأجهزة تدل على أنه فارق الحياة منذ مدة ليست ببعيدة. العيون شاخصة والأبصار متعلقة بجسده.. عيناه مغمضتان ورغم هذا يراهم.. أجسادهم تشع بلون أزرق غريب.. إنهم يقتربون منه ويتهامسون، لا يستطيع أن يفسر همسهم.. أنه همس أشبه بهسيس الأفاعي يقترب كبيرهم منه ويضع يده المعروقة على صدره هو.. يشعر وكأن هناك تياراً من الكهرباء يسرى إلى قلبه الميت... تتفاعل دقات القلب.. يبدأ قلبه فى الدق من جديد، أنه يسمعه، ويشعر به بداخله، قلبه يتمرد على موته سينجح فى الخفقان.. يصفق أقرب الموجودين إليه طرباً، وتلتمع الأعين فى نشوة غامضة، أنه يراهم، يراهم بالتأكيد ولكن كيف أنه لا يدرى ؟!.
بدأت إضاءة الغرفة تخفت، وبدا أنه لانهاية لهذه اللحظة، نقلوه إلى غرفة أكثر إضاءة... مرت ساعات، أفاق بعدها من الغيبوبة وتطلع فيما حوله... رأى الابتسامات رأى الألق فى العيون. ربت أحدهم على يده وهو يقول: مبارك..لقد نجحت العملية التي انتظرتها لسنوات وتم نقل قلب شاب إليك. وأكمل آخر: "شاب للأسف قتل فى حادثة، مصادمة سيارات هنيئاً لك بحياتك الجديدة. انقشعت الغمة"، فهم كل شيء أنه الوجيه الأمثل الذي تعب قلبه منذ سنوات وهو يبحث عن قلب جديد... قلب قوي، قلب من نوع آخر. مرت أسابيع وعندما بدأ يتحسن..
سأل عن ابنه الوحيد الذي عاش لأجله منذ سنوات طويلة بعد وفاة أمه.. كم تمنى أن يمد الله فى عمره كي يحيا له.. همهمت السكرتيرة: إنه فى رحلة مع أصدقاء له فى الخارج.. تنهد وصبر.. أتى يوم خروجه من المستشفى التي يملكها هو شخصياً، تطلعت العيون إليه.. عيون شاخصة متقدة.. عيون تلتهب وتلتهب.. وقف مدير المستشفى أمامه مهنئاً إياه على شفائه، ولكنه توتر كثيراً وهو يلقى إليه بالقنبلة فى وجهه.. قنبلة أطاحت بحياته وأضاعتها بالكامل..سلبته كل الذكريات. لقد كان القلب الذي يخفق بداخله ..هو قلب ابنه الوحيد.. ابنه الوحيد. محمد إبراهيم محروس التعليق: المفارقة هى عماد هذه القصة وهى مفارقة ممتازة مركبة وعميقة وذكية لكن الكاتب يحتاج إلى كثير من القراءات لتحسين مستوى اللغة من حيث اختيار المفردات واجادة التكثيف والتركيز والتخلص من الاخطأ اللغوية مثلاً التكرار فى نهاية القصة يقلل كثيراً من تأثيرها. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة