في هذه الأحداث الجمة الخطيرة التي تحيط وتحاك بالصوفية في مصرنا الحبيبة والتي نفقد بسببها القيم السامية التي بوجداننا من تعاليم وتعلم فانتشرت في ربوع الأرض من مشارقها إلى مغاربها.. وكان لزامًا على مثلى أن يقول ويسطر ويلمح للعامة والمريد والشيخ هذه المبادئ فى هذا المذهب الصوفى الذى يبدأ بالانجذاب إلى المحبوب إلى أن يصبح من أربع رجال خصهم الله بخصائص فريدة وعظيمة (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ )( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وكذلك مكنهم من هذه الأرض وما عليها وما بداخلها (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). أول ما يلزم المريد بعد الإنتباه من غفلته أن يقصد إلى شيخ من أهل زمانه مؤتمن على دينه .. معروف بالنصح والأمانة .. عارف بالطريق .. فيسلم نفسه لخدمته ويعتقد ترك مخالفته .. ويكون الصدق حالته .. ثم يلزم الشيخ أن يعرفه كيفية الرجوع إلى سيده .. ويدله على الطريق .. ويسهل عليه سلوكها.. ويعلمه شرائع الإسلام مما له وعليه : وأولى الأشياء به تصفية المطعم والمشرب والملبس لأنه بذلك يجد زيادة فى حاله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ) وقال بعضهم طلب الحلال فريضة على الكل، وترك الحلال فريضة على هذه الطائفة إلا على حد الضرورة : ثم قضاء ما ضيع من الفرائض، ثم رد المظالم على أهلها لقوله صلى الله عليه وسلم ( رد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين حجة مبرورة ) وما كان عليه من ضرب وجرح وقطع فالقصاص، وما كان من غيبة أو نميمة أو شتيمة فالإستحلال والاستغفار لصاحبها، ثم معرفة النفس وتأديبها بالرياضات ولها صفتان انهماك فى الشهوات وامتناع عن الطاعات. فتروضها بالمجاهدات وهى فطم النفس عن مألوفها وحملها على خلاف أهويتها ويمنعها من الشهوات ويأخذها بالمكابدات وتجرع المرارات، وبكثرة الأوراد واستدامة الصوم والنوافل من الصلوات مع الندم على المخالفات ونقلها عن قبيح العادات ،ويجتهد أن يتعوض عن النوم سهرا، وعن الشبع جوعا، وعن الرفاهة زهدا فيكون حينئذ من جملة التائبين المختصين بمحبة الله تعالى قال الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشاب التائب حبيب الله ) ويكون من الذين بدل الله سيئآتهم حسنات روى أبوهريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ( ليتمنين أقوام انهم اكثروا من السيئات ) قيل من هم يارسول الله ( قال الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ويكون من جملة المختصين بدعوة حملة العرش لقول الله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) فلقد عظم الله أقدارهم، إذ جعل حملة العرش داعين لهم ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ) ( خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) والتوبة فرض على جميع المؤمنين، لقول الله تعالى ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)ْ وقوله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال بعض المشايخ غفلتك عن التوبة لذنب ارتكبته شر من ارتكابه : ومن اخترمته المنية قبل التوبة، فأمره إلى الله ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ) ووقتها باق مالم تبلغ الروح الحلقوم، أو يأتى غلق باب التوبة (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) ثم يلازم الورع فى جميع أحواله ويعلم أن الله محاسبه على جميع أحواله قال الله تعالى ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ فاذا صح له مقام التوبة والورع وشرع فى مقام الزهد . فقد آن له لبس الخرقة وهو لباس التقوي، وإن رغب فيها فليراع ما يلزمه من لبسها لئلا يصير هجينا أو يخرج بهرجا، وقد وهت هذه القاعدة ومن ذلك ينتشر الفساد ويظهر العناد، فلابس لباس التقوى يجب أن يكون قد أدب نفسه بالآداب وراضاها بالمجاهدات والمكابدات، وتحمل المشاق وتجرع المرارات، ويكون قد جاوز المقامات ، وتأدب بالمشايخ الذين يصلحون للاقتداء، وصحب رجال الصدق وعرف أحكام الدين وحدوده وأصول المذهب وفروعه ومن لم يكن بهذه الصفة فحرام عليه التصدى للمشيخة والارشاد : وقيل من لم يتأدب برؤية عيوب أفعاله ورعونات نفسه والعمل فى إزالتها بجهده لم يجز الأقتداء به : ثم يأخذ نفسه بالمجاهدات ويتفقد زيادتها من نقصانها وما لها وما عليها، ويعرض حاله على شيخه فيما يعرض له وعليه فى كل وقت ، فقد قيل ليس بلبيب من لم يصف داءه إلى الطبيب . وقيل العالم يقتدى به . والعارف يهتدى به : وقيل العلم ما شاهدته خبرا والمعرفة ما شاهدته حسا : وقيل الورع لا يخدع . والعاقل لا يخدع وقيل العقل ما يباعدك من مراتع الهلاك . وقيل أصل العقل الصمت . وباطنه كتمان الأسرار . وظاهره الأقتداء بالسنة . وقيل اذا غلب الهوى توارى العقل . وقيل اذا اردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال فان قبله فاعلم انه أحمق : وقيل من احتجت الى شئ من علومه . فلا تنظر الى عيوبه . فان نظرت الى عيوبه حرمت بركة علومه . وأختم كلمتى بقول الله عز وجل ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )