تمر مصر بمرحلة ربما هى الأشد فى تاريخها من حيث ضرب السطوة الدينية على المجتمع ليس بفعل السلطة إو إحتلال أجنبي بل بفعل الهزة الإجتماعية الكبرى التى ضربت مفهوم التدين لدى المصريين وتراجع قدسية القادة الدينيين فى المجتمع بشكل كبير ليس بممارسة ضغوط ولكن بسبب ممارساتهم. الموجة الإلحادية التى تمر بها مصر لم تكن مفاجئة بل كانت متوقعة فبفعل الثورة ودخول الإسلاميين إلى العمل السياسى بثقل كبير كان متوقعا سقوط الإقنعة عن الكثيرين وما لم يكن متوقعا فى السابق صار عاديا ومألوفا. سقوط الأقنعة عن كثير من القادة الدينيين فى مصر كان سببا مباشرا فى موجة الإلحاد التى تضرب البلاد من الأقصر إلى أسوان وهى موجة ليست قاصرة على المدينة ومجتمع الطبقة المخملية ولكنها تدحل اليوم مجتمعات محافظة جدا فى الريف وفى أسر تتوارث التدين بمعناه الشكلى تاريخيا بل وكذلك تتوارث علم الديم الإسلامى نفسه ..فكيف حدث كل هذا؟؟!!!. ومن واقع التجربة والحوار المباشر مع عدد ممن يطلقون على أنفسهم أحيانا بأنهم ملحدون أو يطلق عليهم أصدقائهم هذا الوصف بسبب تسائلاتهم الغريبة عن كنه الخلق وعن مصداقية الحديث فى وجود الإله تدرك عمق الفجوة التى تمر بها بلد يوصف مجتمعها بانه متدين بطبعه وأنه أول بلد عرف التوحيد. فالملحدون وأغلبهم من الشباب اليوم دون الخامسة والعشرين لديهم الجرأة اليوم لكتابة تساؤلاتهم ودعاويهم على الفيس بوك وتويتر وهم اليوم أكثر انفتاحا على النقاش حول الإلحاد ويبدو أن المجتمع الذى ظل متدينا لقرون بدا ضعيفا وهشا فى مواجهتهم ففقد كثير من المتدينين الثقة فى كثير من القادة الدينيين بسبب ممارساتهم السياسية البراجماتية جعلهم أضعف حجة فى مواجهة شباب حانق على المجتمع وعلى شكل التدين الحالى وليس بالضرورة على الدين ذاته. وبينما كان ينظر فى السابق لمن يسأل أسئلة تدخله ضمن تصنيف الملحدين بأنه مخملى سفيه بدا الإلحاد اليوم يضرب فئات من الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة والطبقة الفقرة وتلك كانت المخزن الحقيقى للتدين المصري. ساهمت فى الإلحاد بعد ذلك نجد أن بعضا من حاملى شعلة الإلحاد اليوم هم من متدنين سابقين وسلفيين فماذا جرى ؟!!. كانت أزمة الفكر السلفى قبل ثورة يناير ترجع إلى التسليم شبه المطلق لطرح العالم وإصباغ هالة من القدسية عليه تناقضا أساسا الأسس التى بني عليها ونشأ من أجلخا الطرح الوهابي وهو محاربة الشرك الخفى فمثلا تنتشر بين غالبية المتدينيين السلفيين نزعة التصعب الأعمى لشيخه وقبل يقبل منك سب أبيه ولا يقبل انتقاد شيخه أو التجرؤ عليه وشيوع مقولة وصلت بين شباب المتدينين إلى درجة النص قطعى الثبوت والدلالة "لحوم العلماء مسمومة". فتاريخيا عرفت الطبقة المخملية بأنها أقل تدينا أكثر بزخا وبحثا عن شهواتها بغض النظر عن التمسك بالحلال والحرام ورغم أنه تاريخيا أيضا فإن من حمل شعلة نشر الشيوعية فى بدايات القرن الماضى كانوا من تلك الطبقة وهى الشعلة التى ولكن إشتعال ثورة يناير إنخراط غالبية مشايخ السلفية إلى العمل السياسى وظهورهم فى الإعلام وتعرضهم للكاميرات على نطاق واسع وظهورهم فى البرامج مع إعلاميين وقنوات طالما وصفوها بأنها "معادية للإسلام" أسقط شيئا فشيئا مكانتهم لدى أتباعهم المخلصين. ومن حيث المضمون راجع الكيان السلفى التقليدى أطروحاته التاريخية دون تمهيد أو نقاش مسبق لأتباعه فمن إعتبار الديموقراطية كفرا لأنها ترسخ لوضع التشريع للشعب وليس لله إلي إعتبار الديموقراطية آلية للحكم يجوز إتخاذها وسيلة للسلطة ومن تحريم الإنتخابات إلى المشاركة فيها ومن القطع بحرمة تأسيس الأحزاب إلى المبادرة بتأسيس كيانات حزبية عدة والكل يعتصم بالقاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات". أزمة البراجماتية لدى السلفيين كانت قد ضربت جماعة الإخوان فى السابق فهى جماعة صار دورها السياسى مهيمنا على خطابها وتراجع دورها الدعوى منذ سنوات وصار أتباعها أكثر تكيفا مع هذا التحول , فالجماعة تتسع للجيمع ولذا صار بداخل الجماعة "إخوان سلفيين فى الريف بالدلتا والصعيد وإخوان ليبراليين ومركزهم القاهرة وإخوان قطبيين وهم من القيادات التاريخية وإخوان تقليدي الطرح. الآداء البراجماتى للإخوان الذى درجوا عليه منذ سنوات أتاح للسلفيين مادة خصبة لمواجهتهم ووصفهم بأنهم لا يمثلون الطرح الإسلامى النقى مما جعل أتباع الفكر السلفى أضعاف أتباع الفكر الإخواني ولكن إشتعال الثورة جعل كل أتباع الفريقين فى صراع شديد. من رحم هذا الصراع ظهرت فكرت الإلحاد لدى شباب انتمى لهذه التنظيمات وحدثت له صدمة فكرية مروعة فمشايخه الذين كفروا الديموقراطية والأحزاب صاروا زعماءا سياسيين وأمراء وأصبح لي عنق النص الدينى لتحقيق المراد السياسى سائدا.