لماذا ينتظر الناس دوما ظهور الرموز الدينية التاريخية لتأتي لهم بالحل؟ حين نشرت الصحف نبأ أن الحسين قد ظهر ليحتفل برأس السنة الهجرية، وأن العذراء ينتظرها الكثيرون من أجل أن تعاود ظهورها كما تجلت من قبل في نفس الوقت من العام الماضي، أثبت ذلك أن هناك أزمة وعدة حقائق تستحقّ التفكير.. ظهور العذراء ليس أمرا جديدا، وقد بدأت تلك القصة تروى منذ عام 1968 وربما قبل ذلك، وقيل حينها إن العقل العربي تأثّر بفعل الهزيمة والنكسة، وصار يبحث عن عون إلهي؛ من أجل الخروج من هوة اليأس السحيقة، وتناثرت أخبار أنها ظهرت في أماكن أخرى في فرنسا ولبنان والبرتغال والقدس وغيرها.. تكذيب الأمر ليس صعبا، فالصور المتداولة للعائلة المقدسة يروي أنها تحمل من خيال الفنانين كما تحمل من الواقع، وتصوير الضوء الذي يزعم أنه النور المقدس للعذراء أمر ساذج إذا صدقنا أن التكنولوجيا التي توصّلنا إليها يمكن أن تجعلنا نتفوق بها على قدسية الأنبياء والرموز والقدرة الإلهية! يتفق ذلك مما ذكر عن ظهور الحسين؛ فقد أوضح علماء الأزهر بعبارة مختصرة تُنهي الأمر وهي "من منا رأى الحسين ليجزم برؤيته؟؟". أما الحقائق والأسئلة التي تبحث عن أجوبة: لماذا كانت التعليقات على ظهور العذراء سجالا بين المسلمين والمسيحيين، سجالا دينيا في صلب العقيدة، فلم يفكر كل منهم بذهنه هل يمكن ظهورها أم لا، لكن اعتبر كل طرف أنه انتصار لدين وتشكيك في دين آخر، يتضح هذا من قراءة التعليقات على ظهور الحسين، والتي لم تكثر وسارع الكل بتكذيبها فورا؟؟؟ لماذا يتصوّر من يرى العذراء أو الحسين أو أي شخص آخر، أن تجلّي هؤلاء لم يكن سوى نذير لهم بأنهم جاوزوا المدى في الصمت عن الفساد والخطأ، وأن عليهم أن يفيقوا ويتحرّكوا، وليس في ظهورهم العون الذي سيقضي على الظالمين ويساعدهم؟؟؟ تلك الأمثلة ليست الوحيدة في الواقع المصري خاصة، فمصر معروفة بعدد لا بأس به من المزارات الدينية، التي يزعم القائمون عليها بأن رموزا تاريخية تتجلى بها، ويصدّق الناس تلك الأساطير بل ويتبعونها بإيمان شديد ويطلبون منها العون، ويستفيد القائمون عليها بهذا الهوس الديني، ويتربحون منها تجاريا، على مرأى ومسمع من كل الجهات العلمية والثقافية والحكومية وغيرها، كيف نعيب على الناس التصديق إذن؟ وكيف نتركهم فريسة لتلك الظنون والهواجس التي ترجعهم لقرون من الزمان إلى الخلف؟!! والمعروف أن تلك الظواهر لا يتبعها الفقراء والجهلاء وحسب، بل يسير وراءها كل من كانت بحياته معضلة ما لا يجد لها حلا، ولديه من الاستعداد النفسي لتقبّل الإيحاء في الإيمان بتلك الظواهر، وإن بلغ من العلم مبلغا كبيرا، فلن تمنعه قراءة القرآن والصلاة في المسجد، أن يذهب لاحقا لمقام فلان ويبكي عنده؛ ليساعده في ما يعانيه.. هنا تجد أن مفهوم العقيدة الدينية والتي ارتكزت بشكل أساسي على التعريف بها وتبليغها وبيان كل أركانها، ثم اتباعها، حيث تسير كل الديانات على هذا النمط، ويبيّن الرسل أنهم أتوا ليبيّنوا لهم ما خفي عن البشر بوحي إلهي، وتأتي الرموز الأخرى لتثبت ذلك واقعا في تصرفات بشرية وتفاصيل حياتية، ثم يرحلون بعد أن تركوا الحكمة التي أتوا من أجل إثباتها، يتعارض تماما مع انتظار الإنسان لمعجزة تساعده، ما يعني أنه لم يصل للبّ العقيدة، بل وتنازل عن دوره المنوط به في مواجهة أحداث حياته، منتظرا أن يأتيه المدد من علِ.. أما السؤال الأخير فإن كان ظهور العذراء الأول كان بعد النكسة، فأي نكسة نحن بصددها الآن؟؟؟