سنة أولى قصة قصيرة.. باب ينضم إلى ورشة "بص وطل" للقصة القصيرة سننشر فيه بالتتابع القصص التي تعدّ المحاولات الأولى للكتّاب في كتابة القصة البسيطة. تلك الكتابات التي لا تنتمي لفن القصة القصيرة بقدر ما تعد محاولات بدائية للكتابة.. سننشرها مع تعليق د. سيد البحراوي حتى تتعرّف على تلك المحاولات وتضع يدك على أخطائها.. وننتظر منك أن تُشارك أصحاب تلك المحاولات بالتعليق على قصصهم بإضافة ملاحظات إضافية حتى تتحقق الاستفادة الكاملة لك ولصاحب أو صاحبة القصّة.. "القاصر" أصر صديقي هذه المرة أن يأخذني معه ، و لأن إصراره صادف هوىً في نفسي ... وافقت ، كنت أعلم الأماكن التي يتردد عليها ، كنت أعلم أني سأكون على حال غير التي أنا عليها ، كنت أعلم أني من الممكن أن أقوم بأفعال لا أرضى عنها ، و بالرغم من كل ذلك وافقت ، لا أدري ، هل هو الفضول؟، أم دافع التجربة ؟ ، أم أني أردت أن أختبر صدق صديقي فيما كان يرويه لي من حكاياته و مغامراته؟ ، أم أني أردت أن أقوم بعمل شئ لم أعمله و أتمنى عمله حتى لو لم أكن راضياً عنه؟، وافقت! . ذهبت معه ، أخذني إلى أحد تلك الأماكن التي اعتاد أن يقضي فيها سهراته ، و أول ما دخلنا تجمع عليه عاملو المكان و حيّوه و رددوا عبارات كأنهم حفظوها عن ظهر قلب من كثرة ترديدها : "كيف حالك يا باشا ؟" ، "منذ فترة لم نرك !" ، "أوحشتنا !"، جلسنا و أحسست أني غريب في هذا المكان ، فلا المكان مثل الأماكن التي أرتادها، و لا أنا مثل من يأتي إليها ، أمر صديقي النادل بإحضار ما أريده ، و لأنني ما زلت في شك من ذلك المكان جعلت أنظر فيمن حولي و ألحظ ما يشربون فلم أرَ محرماً ، طلب صديقي فنجان قهوة ، و زاد عليه شيشته، أما أنا فاكتفيت بعصير . استأذن صديقي في الغياب عني لإجراء مكالمة تليفونية ، و لم يمكث طويلاً ثم عاد و الابتسامة مرسومة على وجهه و قال : " في الطريق !" ، استغرقتُ في الصمت ، و اكتفيت بالنظر إلى من حولي و ملاحضة تصرفاتهم و تحركاتهم ، و صوت الموسيقى يملأ المكان ، نعم الموسيقى هي التي اعتدت على سماعها ، لكن من حولي لم أكن لأراهم إلا من بعيد . أتى النادل بما طلبناه و رصه على المنضدة أمامنا ثم انصرف ، و قام صديقي من مكانه ليستقبل فتاتين، سلّم عليهما و عرفني بهما و عرفهما بي ، سلمت عليهما ، و جلست إحداهما بجواري و الأخرى بجواره ، مَن جلست بجوار صديقي كانت ملامحها تنم عن أنها تجاوزت العشرين ربيعاً بقليل ، كانت ترتدي قبعة لبرودة الجو، و معطفاً جلدياً خلعته بمجرد جلوسها ، ما كان يميزها حقاً هو عيناها الرماديتان ، لم تكد تقعد حتى أدار معها صديقي أحاديثه التي عادة ما تجبر سامعها على الضحك أو حتى الاكتفاء بالابتسام . أما مَن جلست بجانبي فكانت بيضاء ، جميلة ، عيناها سوداوان ، تركت شعرها حُراً طليقاً رغم البرد ، هي الأخرى كانت ترتدي معطفاً صوفياً خلعته قبل أن تجلس ، وجهها قال أنها لم تتجاوز العشرين بعد، أول ما فعلته أن طلبت من صديقي باعتباره صاحب الدعوة أن يأمر لها بعشاء لأنها جائعة جداً ، ثم طلبت سيجارة لتدخنها فناولها صديقي علبة سجائره فأخذت واحدة و أشعلتها و وضعت أمامها العلبة، وجدتُ نفسي أجلس دون كلام فأردت أن أقول شيئاً حتى لا أكون شاذاً وغريباً بين هؤلاء ، سألتها عن دراستها قالت أنها ما زالت في المرحلة الإعدادية ، أبديت دهشتي فبادرتني و قالت أنها تركت الدراسة لفترة ثم عادت إليها مرة أخرى ، رأيت أنه من الأفضل أن أغلق باب الحوار في هذا الموضوع حتى لا أسبب حرجاً لها . أتى النادل بالعشاء ، و انهمكت الفتاة القاصر في تناوله ، و جعلتُ أختلس النظر إليها و هي تأكل ، لم تكذب حينما قالت أنها جائعة جداً ، فقد كانت تأكل بكلتا يديها و لم تنطق بكلمة واحدة حتى انتهت من طعامها و أعقبته بكوب كبير من الماء ، تملكني إحساس بالشفقة عليها ، و لا أدري لمَ جاءني هذا الإحساس ، ألصغر سنها؟، أم أسلوب تناولها للطعام ؟ ، أم البراءة التي في وجهها و التي تناقض تصرفاتها ؟! . و بينما كان صديقي مستمراً في أحاديثه مع فتاته و وجهها لم يكف عن الضحك، كنت أنا غارقاً في بحر خواطري ، و الفتاة االقاصر أخذت تتمايل مع الموسيقى و تحرك شفتيها تتغنى و في يدها سيجارة تدخنها ، أخذتُ أحاول أن أحادثها و نجحت في ذلك ، و كان بداخلي شعور غريب ، فهذه هي أول مرة أحادث فيها فتاة أراها لأول مرة و بطلاقة لم أحادث بها أقرب أصدقائي ، و زاد ذلك الشعور غرابة أنها كانت تضحك على بعض عباراتي التي كنت أقولها للآخرين على سبيل المزاح فلا يضحكون ، و عدت أتساءل ، أهي البراءة ؟ ، أم هي تجاريني ختى لا أشعر بالملل؟ ، أم هي اعتادت أن تفعل ذلك مع كل من تجالسهم ؟ ، لا أدري . مرَّ الوقت بسرعة ، نظرتْ الكبرى في ساعتها فوجدَتْها قد تعدت منتصف الليل بساعتين ، طلبت من صديقي أن ننتقل إلى بيته لنكمل ليلتنا لأن الوقت قد تأخر ، و لما أخبرها صديقي أنه ما زال أمامنا وقت زاد انزعاجها و أحسَّت أننا لن نذهب و أن هنا آخر ليلتنا ، فقالت : "سيصعب علينا الرجوع في هذا الوقت المتأخر من الليل، فإما أن نذهب و إما سنضطر إلى ترككما !" . و لأن صديقي لم يكن ناوياً أن يأخذهما إلى بيته فقد اختلق عذراً حتى لا تهتز صورته في أعينهما و عندها ثارت القاصر لأنه بذلك قد أضاع عليهما الليلة و كان من الممكن أن ينتفعا من غيره ، أما هو فلا هو أتمَّ الليلة بأجرها ، و لا هو تركهما من أول الليل حتى يقعا على صيد أسمن منه ، ثم طلبت منه أن يعطيها مالاً حتى تعطيه لأمها في الصباح عندما تطالبها بأجر تلك الليلة ، فأعطاهما صديقي مبلغاً يسيراً . و للمرة الأخيرة في تلك الليلة ينتابني شعور أغرب من سوابقه ، أمٌّ تطالب ابنتها بأجر ليلتها ، و لم تعطِ الكبرى لي الفرصة هذه المرة كي أسبح في ذلك الشعور فقد مالت على أذني و طلبت منّي أن أقوم بتوصيلهما لأنهما لن تستطيعا أن تسيرا في ذلك الوقت المتأخر بمفردهما ليس خوفاً على نفسيهما و لكن خوفاً من أي رجل شرطة يعترض طريقهما، و قبل أن أجيبها بادرها صديقي بأنني سأنصرف أنا و هو الآن لأن الوقت قد تأخر علينا أيضاً . انصرفت الكبرى ، و في إثرها القاصر و هي حزينة ، و حتى الآن ، ما زلت أفكر في سبب حزنها !. محمود السيرة التعليق: أهلا ب"محمود" من جديد. الصياغة الحالية للقصة القديمة أفضل، أقل ترهلا، لكن تظل الدراما غائبة، والنهاية بها قدر من السذاجة. أ. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة ملحوظة ينشر الموقع القصص كما وردت من أصحابها، أي دون تدخل بالمراجعة، وذلك لأن الجوانب الإملائية واللغوية والتنسيقية يُعتد بها في تقييم النص. لذا وجب التنبيه، وشكرًا.