لا زالت الإصابات والجروح الناجمة عن الانفجارات العنيفة التي هزت حي الصالحية بالعاصمة العراقية بغداد الأسبوع الماضي تلقي بظلالها على عشرات الأسر العراقية التي يتوزع أبناؤها على مستشفيات بغداد لتلقي العلاج، وحالة عدد كبير منهم لا تدعو إلى الاطمئنان. وكانت انفجارات عنيفة قد هزت حي الصالحية يوم الأحد الماضي بشاحنة تحمل أطنانا من المتفجرات استهدفت وزارة العدل. وبعد دقائق انفجرت حافلة أخرى صغيرة أمام مجلس محافظة بغداد مما تسبب بمقتل أكثر من 155 شخصا وجرح أكثر من 600 آخرين، غالبيتهم من موظفي وزارة العدل حيث تضرر المبنى بشكل واضح. ويعد انفجار الصالحية هو ثاني أعنف انفجار في بغداد بعد الانفجارات التي استهدفت مبنى وزارتي الخارجية والمالية في 19 أغسطس الماضي وخلف مئات بين قتيل وجريح. وفي تقرير مطول عن التداعيات المروعة لهذه التفجيرات، ذكرت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن جميع مستشفيات بغداد استقبلت أعدادا كبيرة من المصابين لتلقي العلاج اللازم. وقد غادر بعض المصابين المستشفيات بعدما تماثلوا للشفاء، إلا أن أعدادا كبيرة من الباقين تحتاج لإجراء عمليات جراحية نظرا لشدة الإصابات وخطورتها. شظايا ما زالت مستقرة في رؤوس الأطفال عن تلك الحالات الحرجة، تحدث صادق فاضل -طبيب في مستشفى الجملة العصبية- للوكالة الألمانية قائلا: "استقبلنا 32 حالة إصابة جراء الانفجارات التي وقعت قبالة وزارة العدل ومجلس محافظة بغداد، وهي إصابات تحتاج إلى جراحات دقيقة.. ومن بين المصابين 8 في حالة خطرة. وهناك عدد من المصابين لا زال يتلقى العلاج، وآخرون بحالة لا تدعو الى الاطمئنان". وأضاف فاضل: "نجح الفريق الطبي في المستشفى في السيطرة على عدد كبير من حالات الإصابات وخاصة طفلين، أحدهما بعمر 3 سنوات والآخر بعمر 12 عاما، تعرضا لإصابات خطرة في الرأس وتم إجراء عمليات جراحية لهما وهما الآن تحت السيطرة، رغم أن هناك عددا من الشظايا لا زالت في رأسيهما لم تستخرج بعد". وذكر فاضل، وهو جراح متخصص في جراحة الدماغ والرأس والحبل الشوكي، أن مستوى الاستعدادات الطبية بالمستشفى جيد وأن به أجهزة طبية متطورة، ولكنه "بحاجة الى أجهزة أخرى أكثر حداثة من أجل السيطرة على الحالات المرضية وإصابات الانفجارات والحوادث الأخرى، كما نحتاج إلى جهد إعلامي أكبر لتسليط الضوء على حجم الدمار الذي تخلفه الانفجارات على حياة المواطنين". ويقع مستشفى الجملة العصبية في مكان محصن تحوطه كتل أسمنتية ضخمة للغاية؛ نظرا لوجوده في مكان قريب من وزارة الداخلية المحصنة لمسافات بعيدة بالكتل الأسمنتية، وبعدد كبير من رجال الشرطة المنتشرين في مداخل تخضع للتفتيش الدقيق. أين ابني؟! وقالت أشواق حسين -وهي موظفة في وزارة العدل في العقد الثالث من عمرها، ولازالت ترقد في مستشفى الجملة العصبية: " لقد أصبت أنا وابني يوسف (3 سنوات) بجروح خطيرة في منطقة الرأس وشظايا أخرى متفرقة في الجسم".
وأضافت وهي ترقد على سريرها، ورأسها ووجهها يغطيهما الضمادات الطبية، في تصريح للوكالة الألمانية: "كنت في لحظة الانفجار أمارس عملي في مقر الدائرة وهي جزء من مبنى وزار العدل، وولدي يوسف في دار الحضانة التي تقع في الطابق الأرضي المطل على الشارع العام.. وحدث الانفجار وكان شديدا حيث إن قوته رمتني لمسافة، وتكسر الزجاج ومحتويات الغرفة على الموظفين وأصبحت في غيبوبة لكني شعرت بعدها، وكانت هناك إصابات وصرخت بأعلى صوتي أين ابني؟!" وأضافت أشواق: "حاولت بصعوبة إبعاد ركام الانفجار عن جسدي من أجل الوصول إلى ابني، ولما وصلت إليه وجدته مضرجا بالدماء لكنه مازال يتنفس.. وتم نقلنا سويا إلى مستشفى الجملة العصبية". "كانت إصابة ابني أشد خطورة من إصابتي فقد أصيب بإصابات بليغة في الرأس وشظايا في أرجاء جسمه.. أما أنا فأصبت برضوض وشظايا وجروح من جراء تكسر الزجاح، وحالتي الصحية مستقرة الآن". الدماء تغطي وجوده وأجساد الجميع أما سعاد عبد -ربة بيت- فقالت: "أصبت انا وولدي ليث البالغ من العمر 12 عاما. أنا أسكن حاليا في منطقة حي المعالف جنوب غربي بغداد بعد أن هجرت من منزلي في حي الكرخ من قبل الجماعات المسلحة.. وقد جئت إلى منزلي السابق من أجل استلام الحصة الغذائية من الوكيل وفق البطاقة التموينية وهناك وقع الانفجار". وأضافت سعاد: "كنت لحظة الانفجار داخل باص صغير مكتظ بأكثر من 12 شخصا، وعند اقترابنا من وزارة العدل وقع الانفجار، وأصيب جميع من كان في السيارة بحيث غطت الدماء وجوه وأجسام الجميع.. وتمكنت من الخروج من السيارة انا وابني بصعوبة بالغة ونحن بحالة صعبة. وتم نقلنا بسيارات الإسعاف إلى مستشفى الجملة العصبية.. وكانت إصابة ابني بليغة والدماء تغطي رأسه ووجهه وأجزاء من الجسم وكذلك أنا". وأضافت "أجريت لنا عمليات جراحية، وتم إخراج عدد كبير من الشظايا والزجاج من الرأس ومعالجة كسر في الجمجمة والجسم". تحقيقات ومساءلة وتعكس هذه الانفجارات مدى الخلل الكبير الذي تعاني منه أجهزة الأمن وعدم قدرتها على منع وقوع الانفجارات رغم كثرة عددها وامتلاكها أجهزة كشف دقيقة. وقد سارع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة إلى توقيف 63 من كبار قادة الشرطة والجيش العراقيين المكلفين بحماية منطقة الصالحية وإحالتهم إلى التحقيق على خلفية انفجارات الأحد الماضي. وذكرت قيادة عمليات بغداد أن من بين المعتقلين مدراء وآمرين لمراكز الشرطة وضباط كبار في الجيش والاستخبارات وآمري ومراتب نقاط التفتيش.
وتبقى هذه الانفجارات مثالا سافرا على فداحة الثمن الذي يدفعه المدنيون في العراق -وفي بلدان أخرى كثيرة- من جراء التفجيرات الإرهابية التي لا تنال إلا من أبرياء مثل ليث ويوسف وآخرين لم يتبق من أشلائهم ما يكفي للتعرف على هوياتهم.