أثناء تصفحي موقع صحيفة "يدعوت أحرونوت" العبرية لفت نظري هذا المقال للكاتب الصحفي والمفكر الأمريكي "موشي دان"، الذي يعيش في القدسالمحتلة، يتحدث فيه عما أسماه "التهديد الإسلامي الحقيقي"! فيما يلي أقدم عرضا ملخصا -وافيا مع ذلك- لمحتوى المقال، ثم بعد ذلك تعليق مني عليه، وأنبه القارئ أن هذا مجرد عرض لوجهة نظر صاحب المقال، لا يعني بالضرورة تبنّيها أو موافقتها، بل إن الغالب هو العكس. التهديد الإسلامي الحقيقي في البداية يتحدّث الكاتب عن قضية تشغل الرأي العام الأمريكي، وهي مسألة بناء مسجد ومركز إسلامي في نطاق الموقع الذي كان يحتلّه برجا مركز التجارة العالمي، ورفض بعض التيارات -بالذات اليمينية- الأمريكية ذلك، ولكن الأمر حُسِم بأن من حقّ أصحاب الأرض المزمع إنشاء المركز عليها فعل ما يريدون بها! يقول "دان": "استيقظ الكثيرون على خطر التيار الإسلامي، ولكن الجهود الرامية للمكاشفة والشفافية عليها أن تستمرّ ولكن باتجاه أهم؛ فالمركز موضوع الجدل مجرد مبنى، بينما الخطر الحقيقي على أمريكا يتمثل في منظمة الإخوان المسلمين العالمية التي تقف خلف ذلك المشروع ومشاريع أخرى رامية لتصدّر الإسلام المتطرّف". يعطي المؤلف بعد ذلك نبذة عن نشأة وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، ثم يلقي الضوء على نشاطها في مجال المجتمع المدني، وتوفيرها لكثير من الخدمات الأهلية في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وكذلك نشاطها السياسي، وشبكة علاقاتها الداخلية والخارجية، مبررا كل ذلك برغبة الجماعة في الاندماج مع منظمات المجتمع المدني، وسهولة التغلغل في النسيج السياسي المصري وصولا للسيطرة، كما ألمح إلى أن الجماعة تحظى بتودد الحكومات (!!) ويؤكد على خطورة الإخوان؛ حيث إنهم يدعمون المنظّمات "الإرهابية" العاملة في إسرائيل (في إشارة لحماس), مستشهدا على ذلك بقول الكاتب "لورانزو فيدينو" في كتابه "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب" أن الإخوان المسلمين "منظمة فكرية عالمية تستغلّ شبكتها الدولية لتصل للسيطرة على العالم من خلال مخطط ديني/ سياسي/ عسكري يتفاعل مع الإفلاس الحضاري الغربي، ويفرض نظام الخلافة؛ حيث يطبّق القانون الإسلامي الصارم. "وكذلك يعرض وجها آخر لخطورتهم يتمثل في رفضهم "عملية السلام" في إسرائيل، فضلا عن رفضهم وجود إسرائيل ذاتها"! ثم يربط الكاتب بعد ذلك بين الإخوان المسلمين والتيار الوهابي (!!) والدولة السعودية ودول الخليج، حيث يؤكّد وجود تفاهم وتنسيق متبادَل بينهم، ويربط كذلك بينها وبين "رابطة الطلاب المسلمين" -أكبر منظمة إسلامية للطلبة في أمريكا- والتي تقوم -على حد قوله- بدور كبير في معارضة إسرائيل، ومناهضة الأصوات المؤيدة لها، بالتعاون مع الحركات الطلابية اليسارية (!!) التي تناهض الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتعادي الإمبريالية الأمريكية. ويعود للاستشهاد بدراسة أكاديمية تقول إن جماعة الإخوان المسلمين لها تاريخ في دعم الإسلام الأصولي ومعاداة السامية والمنظمات "الإرهابية" مثل "حماس" ومنظمات فلسطينية أخرى. هذا الدعم يكون فكريا وماليا وقانونيا، ويربط كذلك بين الإخوان و"مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية"، والذي يتّهمه بتقديم الدعم المالي ل"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وهما الحركتان اللتان وصفهما ب"المنظمتين الإرهابيتين"، ويربط كذلك بين المجلس وما أسماه "اللوبي الوهابي"، والذي يتلقّى دعما من المملكة العربية السعودية. "إن بناء الثقة هو طريق له اتجاهان" هكذا يعنون "موشي دان" حديثه عن الدور الذي تلعبه المنظمات الإسلامية في أمريكا، متمثلا بموقف الجمعية الأمريكية الإسلامية -التي تقدّم نفسها كممثل للمسلمين في أمريكا- الرافض للسلام مع إسرائيل، تلك الجمعية التي يقول إنها تأسّست من قِبَل الإخوان المسلمين عقب اتفاقية أوسلو في عقد التسعينيات، والتي تقدّم نفسها كإحدى منظمات المجتمع المدني المهتمّة بالأعمال الخيرية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والدينية. "تلك المنظمة أصدرت مجلة "الأمريكي المسلم"، والتي أشادت فيها بالعمليات التفجيرية الانتحارية باعتبارها "شهادة" يؤيّدها الله والقرآن، ووصفت الإرهابيين الآسيويين بأنهم محاربون من أجل الحرية!" (لم يوضّح قصده من "الآسيويين"، وغالبا هو يعني الأفغان، وبعض المنظمات الإسلامية الآسيوية في كشمير والفلبين.. هذا مجرّد استنتاج مني). ثم يضيف: "مع كل هذه المعلومات، أعتقد أن على المسئولين الحكوميين الأمريكيين أن يلتفتوا لما تقوم به تلك المنظمات المدعومة من الإخوان المسلمين! ولكنهم بدلا من ذلك -المنظمات المذكورة- يُكَرَّمون ويتلقون الدعم من البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمخابرات المركزية بل والمباحث الفيدرالية أيضا! وهذا وفقا لمعلومات موقع The Global Muslim Brotherhood Daily Report المتابع لنشاطات الإخوان!". ثم يعود الكاتب لتكرار وصفه للإخوان بالمنظمة العربية الإسلامية الأكثر قوة عالميا، والأقوى اتصالا بحركات وأفكار الجهاد والسيطرة على العالم، ويكرّر تنبيهه بضرورة التعامل الحازم معها لأجل حماية "موروثات القيم الأمريكية"!. ويختم "موشي دان" مقاله الطويل بقوله: "النضال يجب أن ينتقل من المركز الإسلامي المزمع بناؤه إلى جماعة الإخوان المسلمين، ورسالتها، ومهمتها، ودورها في المجتمع الأمريكي! حيث إن التعصّب وانعدام الشفافية ليس لهما مكان في أمريكا.. فنحن نعيش في مجتمع ديمقراطي منفتح، ونحن جميعا مسئولون عن حماية هذا التراث!". ويردف متحدثا عن رؤيته "طريق إعادة بناء الثقة ذو الاتجاهين" أنه: يجب على المسلمين في أمريكا تبنّي إسلام لا يتعارض مع القيم والقوانين الأمريكية!".
هكذا ينتهي حديث "موشي دان" عن"الخطر الإسلامي" تعليق أحب -قبل أي شيء- أن أنبّه القارئ إلى أن ما يلي ليس دفاعا عن الإخوان المسلمين، فبشكل شخصي أنا لا أحب ولا أؤيد جماعة الإخوان، ولكني أرفض أي اتهامات بغير بيّنة حتى لو كانت لتيار أنا أرفضه، وبشكل عملي فإني حريص على أن يكون تقييمي للمقال السالف عرضه محايدا بعيدا عمّا اعتنق من أفكار؛ فهو مجرد تقييم أكاديمي جافّ. أول انطباع راودني بعد قراءتي هذا المقال، أن كاتبه -الموصوف بأنه "مفكر"- يفعل كما يفعل بعض كتّاب الدرجة الثالثة، حين يجمعون في سلة واحدة كل من يمارس نشاطا ذا صفة دينية في حقول السياسة أو الثقافة أو العمل المدني بشكل عام، ولا يُراعون اختلاف التيارات والرؤى للدين والسياسة. فهو يجمع في حزمة واحدة الإخوان مع التيار السلفي (الموصوف أحيانا بالوهابي، مع تحفظي على الوصف) مع المنظمات المسلحة في آسيا (أفغانستان - باكستان - الفلبين - كشمير) مع المقاومة الفلسطينية، وهذا لا محل له من الإعراب، فلو كان من الصحيح وجود علاقة ما بين الإخوان والمقاومة الفلسطينية (التي يصفها بالإرهابية بحكم انتمائه الفكري)، فإن المطّلع بشكل بسيط على مبادئ الإخوان والتيار السلفي يدرك بسهولة حدة الاختلاف بين كل منهما، فالإخوان يمارسون نوعا من "الخروج على النظام"، بينما يحرّم السلفيون هذا؛ باعتباره "خروجا على وليّ الأمر"، وهو موضوع جدل دائم بين المنتمين للتيارين، أما القول بعلاقة الإخوان بالحركات المسلحة في آسيا -مثل طالبان والقاعدة مثلا- فهي كذلك مسألة غير منطقية، فصحيح أن ثمة علاقة ما قديمة بينهما، ولكنها انقضت بدخول الإخوان حقل السياسة، والسعي للترشح للانتخابات البرلمانية، حيث يعتبر أتباع فكر القاعدة المتشدّد أن ممارسة العمل السياسي خروج على الشريعة؛ لاعتبارهم بتعارض الديمقراطية مع مبادئ الإسلام (!!) وهم يصلون لحدّ اعتبار كل من يشارك في انتخابات يقيمها نظام يصفونه بالعلماني أو "الطاغوت" خارجا عن الدين، أو في حكم المرتدّ! وأما عن الحديث عن وجود "تودد" من الحكومات بالإخوان، فنظرة واحدة لقوائم المعتقلين من الجماعة في مصر وسوريا والأردن تنفي هذه الفكرة، صحيح أن ثمة أحاديث عن وجود "ترتيبات سرية" بين النظام المصري والإخوان في مصر، ولكنه لا يعدو مرتبة "الحديث"، والمفترض من الصحفي المفكّر ألا يقول معلومة سوى ومعها دليلها، أو على الأقل قرائن صحّتها.الأمر نفسه هنا ينطبق على تبني نظرية المؤامرة السرية الخفية بين أطراف مختلفة، مثل هذا الاتهام حين يصدر من قارئ عادي أو في مناقشة عابرة يختلف عنه حين يصدر عن شخص يصف نفسه ب"المفكر" في مقال صحفي، حيث ينبغي حينئذٍ أن يقدم دلائله المادية القوية، لا أن يتحدّث فحسب عن وجود مؤامرة، ثم إنه لم يكلّف نفسه عرض نماذج إيجابية للمنظمات الإسلامية التي يمكن أن يعتبرها موافقة ل"المعايير" التي وصفها في آخر مقاله.. مما يضفي ظلالا من الشك حول غرضه من المقال. وأخيرا فإن المقال كان أغلبه تكرارا وترديدا لعبارتي "الإخوان لديهم شبكة علاقات قوية" و"الإخوان لديهم نشاطات رامية للسيطرة" بصياغات مختلفة، وبشكل غير ضروري ينمّ عن "إفلاس المقال" من حيث الأدلة والمعلومات وعوامل أخذه برمته بجدية! الخلاصة أن المقال بدا أشبه بمظاهرة هتافات هيستيرية أكثر منه مقالا يعرض رؤية مفكر ومحلل صحفي.. لكن مع ذلك لا يمكن تجاهله، فهو نموذج لما قد يتلقى القارئ غير العربي وغير المسلم عن قضية تتعلق بالعلاقة بين العرب والمسلمين وبين الغرب.