بعد أن اقتنع بن جوريون بخطة موشيه دايان للهجوم على سيناء كما ذكرنا في الحلقة الماضية، وبعد أن وافقت قوات التحالف (إنجلترا وفرنسا) على الخطة، بدأ الهجوم على سيناء في المعركة "قادش". ولكن مصر هي من بدأت الهجوم، تلك هي المفاجأة التي لم يتوقّعها أحد، وتحديداً القوات البحرية، وتحديداً أكثر من خلال الفرقاطة "إبراهيم الأول" (الفرقاطة هي سفينة وسط ما بين المدمّرة وما بين اللنش، ولكنها ذات طابع عسكري)، ففي تمام الثالثة والنصف فجراً خرجت الفرقاطة مبحرة تحت غطاء الليل، ووجّهت 220 طلقة من مدفعيتها نحو ميناء حيفا. سفن حربية إسرائيلية وفرنسية وإنجليزية مصطفّة على الجانب الآخر من البحر الأحمر في إيلات وحيفا في حالة استنفار قصوى، وطائرات عسكرية محرّكاتها في حالة دوران استعداداً لإشارة البدء، صفارات إنذار تعوي في المكان استعداداً للردّ على الهجوم، هتاف بالعبرية والإنجليزية والفرنسية في الميكروفونات اللاسلكية تقول الجملة التالية: Alarm.. We are under marine attack Nous sommes exposés à des attaques en mer אזהרה.. אנו חשופים להתקפות בים وهي الجملة نفسها بالإنجليزية والفرنسية والعبرية، والتي تقول: "تحذير.. نتعرض لهجوم بحري". وكما كانت مصر تحارب بمفردها أمام ثلاث دول رغم ما كانت تربطها بمعاهدات الدفاع المشترك مع الدول العربية، فقد كانت الفرقاطة "إبراهيم الأول" هي الأخرى تحارب بمفردها في عرض البحر، وبعد ساعتين من إطلاقها للنيران الكثيفة في جنح الظلام ساد الصمت لبعض الوقت.. وكسره صوت محرّكات مدفعيات القوات المتحالفة، وهي تعدّل من اتجاهها نحو السفينة، ثم بدأت النيران في التساقط من كل جانب على الفرقاطة المصرية التي حاولت الهروب شمالاً، ولكن حاصرتها السفن الإنجليزية. الطبيعي والمتعارف عليه في عالم البحرية أنه عندما تعترض سفينة تبحر بالأساس في مياهها الإقليمية طريق سفينة أخرى دخيلة تسألها.. من أنت؟ فيجيب القبطان باسم السفينة وجنسيتها، ولكن الوضع في بورسعيد لم يكن طبيعيا بالمرة أن تسأل سفينة معادية أخرى تُبحر في مياهها الإقليمية، فردّ عليه القبطان بكل شجاعة.. بل من أنتم؟ وكانت هذه إشارة البدء لاستئناف إطلاق النيران من جديد. زئير البحر المتواصل وأصوات النيران هي كل ما كان يُسمع في هذه المعركة التي حاربت فيها الفرقاطة المصرية ببسالة، قبل أن تحسم المروحيات الإسرائيلية هذه الجولة لصالح السفن الإنجليزية، من خلال تعطيل محركات الفرقاطة المصرية، فأمر قبطانها كل الطاقم بالنزول للبحر وإنقاذ أرواحهم، وبقي هو فيها على أمل أن تغرق به، ولكن السفن الإنجليزية اقتادتها عائمة، وأهدتها لإسرائيل التي فشلت في إصلاحها فشلاً ذريعاً.. وفي الحلقة القادمة نتحدث عن شخصية لم تكن شخصية بشرية عادية، وعن مجموعة لم تكن مجموعة يمكن أن يصدّقها العقل، رغم أنها حقيقة وواقع، في الحلقة القادمة نتحدث عن اسم رجل استلزم قتله 3 دبابات إسرائيلية كاملة، وعن مجموعة الصاعقة التي أذاقت العدو الأمرّين، عن رجل اعتاد المزاح مع زملائه بالقنابل اليدوية! عن العميد إبراهيم الرفاعي والمجموعة 39 قتال.. في الحلقة القادمة نتحدث.. شكر واجب لموقع "المؤرّخ" الذي استقينا منه هذه المادة. مصادر الموضوع: • مقال للعميد الراحل علي الشريف. • موقع القوات الإسرائيلية. • مكتبة إسرائيل الافتراضية.