السفر… حلم كثير من الشباب في وقتنا هذا؛ بل إنه تحول في كثير من الأحيان إلى هوس قد يدفع الشاب إلى المخاطرة بعمره من أجل أن يسافر على متن قارب أو يتسلل عبر الحدود إلى أي دولة أخرى؛ معتقدا أنه إذا ما وطأت قدمه هذا البلد الأجنبي فإنه سيغترف من النجاح والمال والشهرة، والأمر مختلف بالنسبة للآخرين فبعضهم يرى أن السفر للخارج من أجل التعلم واكتساب الكثير من المهارات الجديدة؛ ولكن عليه أن يعود لوطنه ليحقق أهدافه بجانب أهله وأحبائه، وأهم من ذلك أن يستفيد وطنه من تجاربه وخبراته، وهناك طائفة ثالثة لا تفكر في السفر إطلاقا وتعتبره هدما للأسرة وتشتيتا للأبناء، وتفضل عدم المخاطرة؛ حتى ولو كانت هناك نماذج إيجابية على أرض الواقع!! نماذج متعددة وآراء مختلفة تعرفنا عليها من خلال هذا التحقيق… ولاء الشملول – 30 سنة – باحثة إعلامية تقول: سافرت أوروبا من قبل، و أتمنى أن أسافر تاني وألف العالم كله؛ لأن السفر متعة عظيمة وخبرة مثيرة، ويزيد الخبرة والثقافة والمعرفة بالحياة، ويعلمنا أن الحياة واسعة، ويوجد آخر يختلف عنا، وهذه هي طبيعة الحياة. وما ينفعش أبداً أسافر من غير المصحف الورقي وكتاب وخريطة للبلد اللي مسافرة لها وورق وأقلام (أصل أنا بحبهم أكثر من الموبايل والكمبيوتر) وترى ولاء أن الفوائد السبعة للسفر هي: اكتساب الخبرة والتعرف على ثقافة ودين البلد اللي نسافر لها واكتساب العلم وتوسيع الأفق؛ لأن السفر بيوسع الدماغ ويطلق حرية التفكير من خلال التعرف على ثقافات وتجارب الشعوب الأخرى وطريقة عملهم واكتساب لغة البلد اللي مسافر لها. وتحكي ولاء عن تجربة سفرها لأوروبا لمدة شهر بعد حصولها على الترتيب الرابع في الثانوية العامة على الجمهورية عام 1995 ومكافأة الدولة لها بهذه الرحلة، وتؤكد الشمول أنها استفادت كثيرا من خلال هذه التجربة والتي سبقها دورة تأهيلية للسفر؛ حيث اكتشفت عالما جديدا، أكسبها النضج الذي يجعل الإنسان خبيرا في التعامل مع الناس. وتقول ولاء عن يوم علمها بسفرها إلى أوروبا طرت مسرعة نحو الجريدة التي أحتفظ بها بأسماء الدول الأوربية التي تتضمنها رحلة أوائل الثانوية العامة لأوربا لمدة شهر، طرت لأمي أقول لها كالمجنونة:( هاسافر يا ماما…هاروح أتفسح في أوربا، حلم جميل تحقق، وربما ترون معي أن السبب تافه -والكلام على لسان ولاء- الذي جعلني أجتهد من أجل أن أكون في رحلة أوربا هذه؛ ولكنني كنت أريد في نفس الوقت أن أسعد وأسعد أسرتي المحبة معي، كنت أريد أن أتمتع وأبتهج، وهذا هدف نبيل ومشروع وممتع، ولي الحرية في اختيار أسبابي؛ خاصة لو كانت ممتعة. وعن أهم المشاكل التي تواجهها عند السفر هي عدم توفر المال اللازم للسفر في الوقت الحالي، وتذكر الشملول أن المخاوف التي تواجهها قبل السفر هي إمكانية التواصل مع أصحاب البلد؛ خاصة إذا اختلفت اللغة، كما تخشى أثناء السفر من إعطاء صورة سلبية عن المسلمين في الخارج لأن أي مسلم يسافر لبلد غير مسلم هو فعلاً سفير لبلده ودينه فيها، وهذا كلام حقيقي حقيقي وليس شعارا أجوف، أما بعد العودة من السفر فتخشى ولاء من المقارنة بين بلدنا وبين المجتمع الآخر؛ خاصة لو كان الأخير أفضل فستكون المقارنة غير عادلة وسيكون التكيف مع مجتمعي صعباً جداً. حسين فاروق 26 سنة يقول: لم أسافر خارج مصر من قبل، ولكني بالطبع سافرت خارج القاهرة. ويضيف: بصراحة منطق السفر بالنسبة لي ليس من أجل الفسحة.. ولكن أريد أن أسافر للعمل.. وأحب أن أسافر إلى الإمارات أو السعودية لأني أحب هاتين الدولتين، ويؤكد حسين: إنه لا يستطيع السفر بدون زوجته وابنته مريم. وعن فوائد السفر يراها حسين : البحث عن طرق جديدة للرزق من منطلق السعي والانفتاح على مجالات جديدة في بيئات مختلفة والتعلم، وبالنسبة للسعودية نفسي أحج وأعمل عمرة، ووجودي هناك سيتيح لي الفرصة والتعرف على أشخاص جدد واكتساب مهارات جديدة سواء داخل العمل أو خارجه. ويقول حسين: المشاكل التي يمكن أن تواجهني هي بقائي بعيدا عن أسرتي، وأيضا عن أهلي والناس التي أحبها، وقد تكون مشاكل مادية. أما قبل السفر لا توجد لدي مخاوف ولا بعده؛ لكن أثناءه أهم مخاوفي الإحساس بالغربة وعدم الاندماج. رانيا نصر محمد عوض –29 سنة– طالبة دراسات عليا سافرت إلى السعودية من قبل وأيضا سافرت إلى عدة أماكن داخل مصر وتتمنى أن تسافر إلى أي بلد عربي للعمل بها أو بلد أوروبي لمواصلة الدراسة فيها ولتحسين وضعها القائم. وتتمنى رانيا في سفرها أن لا يكون هربا من الضغوط الواقعة عليها في بلدها!! وعن الفوائد المحققة من السفر تقول رانيا: الاعتماد على النفس، معرفة ناس جديدة بأفكار جديدة، توسيع الأفق، اكتساب مهارات، الكسب المادي – طبعا لا غنى عنه – الاستفادة عند الرجوع يعني نكون بني آدميين نافعين. وتقول رانيا: إن شعورها بالغربة من أهم المشاكل التي تقابلها في سفرها بالإضافة إلى اختلاف الطباع والعادات واللغة، وافتقاد الأصدقاء؛ حيث أحتاج إلى وقت طويل لأتأقلم مع الوضع الجديد. وتقرر رانيا أن تسأل نفسها قبل أي سفر: هل سأحقق استفادة من السفر وهل سأتحمل الغربة وأستطيع أن أتغلب على أي مشاكل تواجهني أم لا؟ وتخشى أثناء السفر من الغربة وافتقاد الأهل والأصحاب والحياة الجافة أيا كانت، أما بعد عودتها تتساءل رانيا دائما: هل أستطيع تطبيق ما تعلمته أم لا؟ عبد العزيز حسني 33 سنة يقول: لم أسافر من قبل، ولا أريد أن أسافر؛ وخاصة بعد اسقراري في الحياة الاجتماعية؛ فمن وجهة نظري السفر يكون قبل الزواج بالنسبة للشباب أما بعد الزواج فلا سفر حتى يتمكن الزوج من رعاية زوجته وأولاده؛ فهم خير ثروة يمكن أن يدخرها في حياته وبعد مماته. ويضيف عبد العزيز: إن السفر إذا كان لا بد منه؛ فلا بد من اصطحاب الزوجة والأولاد إن أمكن؛ وذلك في حالة السفر إلى البلاد الإسلامية فقط، أما السفر إلى البلاد غير الإسلامية يفضل سفر الفرد بمفرده وأن لا يطيل المدة، مع مقارنة وضعه في بلده والبلد المراد السفر إليها، والمقارنة تكون من جميع الجوانب وليس المادية فقط. ويرى عبد العزيز أن السفر ليس مفيدا في كل الأوقات فالفوائد عملية نسبية تختلف حسب ظروف الفرد فقد يستفيد شخص ويخسر آخر؛ فبالنسبة للمستفيد قد يكون السفر فعالا في التعرف على أماكن جديدة وناس مختلفة ولغات ولهجات وعادات وتقاليد وسعة في الرزق أحيانا، أما بالنسبة للمشاكل التي تواجه المسافر فقد تكون من النواحي الإدارية مثل استخراج التأشيرات وما يعانيه المسافر من إجراءات، وقد تكون متاعب اجتماعية وقد تكون مادية، أما بالنسبة للمخاوف فأنا لم أجرب السفر أصلا، وفي وضعي الحالي لا أفكر فيه. آيات الحبّال 25 سنة صحفية تقول: بصراحة لم أسافر للخارج من قبل؛ ولكن أتمنى أن أسافر خارج مصر ولكن كرحلة بسيطة وأعود لبلدي لكي أرى ناسا جديدة وبلاد جديدة, وأتعرف على شخصيات متنوعة، وثقافات مختلفة، ولا مانع مع فتح "سكة شغل" في مكان جديد. وتقول آيات: إن الفوائد المحققة لها من السفر هي: التعرف على ناس جديدة، وتكوين صداقات مختلفة، وأكل طعام مش مصري نغير بقى، وحرية، وثقافة، ومتعة مشاهدة الأشياء لأول مرة، اكتساب جرأة أكثر في التعامل مع الأمور. وتضيف آيات: أكثر مشكلة تقابلني عندما أقترح فكرة السفر هي رفض الأهل واستنكارهم لفكرة السفر بمفردي وتأكيداتهم أنني لن أتمكن من حل أي مشاكل ستواجهني، وهذا ليس صحيحا، وتؤكد آيات أن مسألة الغربة والحنين للبلد مهمة جدا وتقول: هاخاف إني ما أشفش مصر تاني. عبد الله محمود 25 سنة يقول: للأسف لم أسافر من قبل للخارج؛ ولكن نفسي أسافر الإمارات فهي بلد تجمع ثقافات كثيرة، ومجتمع متطور بكل وسائل العلم والتكنولوجيا، أشعر أن خبراتي ستزيد هناك أتمنى أن تكون الإمارات مكان لعملي. ويضيف عبد الله: لن أسافر بدون مصحف.. كتب.. شعر.. كمبيوتر، وعن فوائد السفر السبعة يقول عبد الله: لا أعلمها.. ولكن أعتقد أن حاجتي أنا للسفر تمثل لي إضافة ثقافة جديدة من خلال التعرف على ثقافات وعادات وتقاليد لمجتمعات مختلفة، ومشاهدة معالم وآثار مختلفة على الطبيعة. أما الصعوبات فكما يراها عبد الله هي: التأشيرة.. المال.. النظام الإداري البيروقراطي، ومخاوفه قبل السفر تكمن في القلق طبيعي من السفر وتوقعاته للرحلة، أما أثناء السفر.. أكيد البعد عن الوطن وافتقاد الأهل والأصدقاء، أما بعد الرجوع عدم الاستفادة من سفري. عفاف عبد الوهاب صديق تقول: إنها سافرت من قبل إلى السعودية للحج والعمرة وتضيف: لا أسافر أبدا بدون أمي أو قلمي، وأرى أن فوائد السفر تكمن في التغيير، والتجديد، والسعادة، والصبر، والاعتماد على النفس. وتقول عفاف: من أهم المشاكل التي تواجهني عند السفر إني بنت!! والمخاوف التي تواجهها قبل السفر عدم تحقيق هدفها، وأثناء السفر وعثاء الطريق ومخاطرة ومدة السفر، أم مخاوفها بعد السفر؛ فتكون عدم تحقيق هدفها أو سماع خبر مؤلم. وهكذا تنوعت الآراء حول السفر وفوائده ومتاعبه، ولم أجد أبلغ من كلمات الإمام الشافعي حول السفر؛ ففي كلماته حكم بليغة وإجابات شافية عن السفر وفوائده؛ فالإمام الجليل بين لنا فوائد السفر من خلال نظرة فلسفية تظهر لنا في أبياته الحكيمة: