الأمر ما زال محل جدل بين النقاد والمفكّرين.. لكن ماذا عن الجمهور نفسه؟ السؤال باختصار.. يُشبه نوعية أسئلة برنامج "من سيربح المليون"! وسنقوم بوضع أربع إجابات على طريقة البرنامج، واضعين في الأعتبار عدم معقولية إجابتين منهم، وفي حالتنا هذه دعونا نحذف الإجابتين الثالثة والرابعة؛ لأنه من غير المنطقي أن يؤثر شيء بالإيجاب في الفن -الحقيقي- ويكون ضد الدين في الوقت نفسه، أو العكس؛ لأن رسالة الفن -الحقيقية- لا تتعارض أو تتناقض مع الدين، فهيّا بنا نستعين برأي الجمهور؛ لنُفاضل بين الإجابة الأولى والثانية! هل استخدام الآيات القرآنية الكريمة في السينما... في مصلحة الفن والدين ضد مصلحة الفن والدين في مصلحة الدين وضد الفن في مصلحة الفن وضد الدين
البعض يرى أن وجود آيات قرآنية في السينما يعد أحد أهم وسائل الدعوة إلى رسالة فنية محترمة تخدم الدين والفن معاً، ويُؤكد أن السينما لو كانت موجودة في عهد الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" لكانت أحد أهم وأبرز وسائل الدعوة الإسلامية، مستشهداً بتأثيرها الساحر في النفوس والوجدان، وقدرتها على إحداث التغيير. ويرى هذا الفريق أن السينما التي قدّمت أفلاماً هابطة روّجت للجنس والرذيلة والمحرمات، واستطاعت أن تلوّث عقليات المشاهدين بالخطيئة، كانت قادرة لو أحسن استخدامها في إحداث تغيير مماثل، ولكن في الاتجاه السليم، وضرب الفريق -الذي يرى أن وجود نصوص قرآنية تخدم الدين والفن معاً- أمثالاً عديدة بأعمال فنية اعتمدت على القرآن الكريم في عرض الفكرة وتوصيل الرسالة، وعلى رأسها أفلام الفنان الكبير الراحل "حسين صدقي" الذي اتجه في سنواته الأخيرة إلى الإخراج، وقدّم 16 فيلماً من 1947 إلى 1961، ثم اعتزل بسبب انتخابه كعضو في مجلس الأمة، حيث قدّم فيلم "ليلة القدر" عن زواج شاب أزهري بفتاة أجنبية مسيحية، وهي نسخة منقحة من فيلم قدّمه عام 1954 ومنعه الأزهر بعنوان "الشيخ حسن" يُناقش فكرة التعصب الديني، بجانب سلسلة من الأفلام تدعو لمكارم الأخلاق، والرضا والقناعة بما قسمه الله، وتربية الأبناء تربية دينية صحيحة، ولا أتذكر -للأسف- اسم فيلم قدّمه يحكي عن مدرّس استدعاه والدين لثلاثة أبناء ليكون بمثابة متابع وجليس للأطفال ومعلمهم، حيث إن الأب والأم مشغولون، فقام هذا المدرس بتقويم الأطفال وحثّهم على الصلاة، ولم يكتفِ بذلك، بل قام بتقويم سلوك الأب والأم أيضا!
وفي 1952 قدّم المخرج العبقري "حسن الإمام" فيلماً بعنوان "غضب الوالدين"، أعاد إخراجه عام 1976 بعنوان "وبالوالدين إحساناً"، وتدور قصة الفيلمين حول رجل يعمل ساعياً بذل قصارى جهده لتعليم ابنه أحسن تعليم، ثم يتخرّج الابن ويعمل موظفاً مرموقاً في الشركة نفسها، لكنه يتبرّأ من وضع أبيه ويتنكر له، فتأتي عقوبة السماء بوقوع هذا الابن في حب راقصة ليتزوجها ثم يقتلها لشكّه في سلوكها ويدخل السجن.
وفي عام 1982 قدّم المؤلف والفيلسوف "محمود أبو زيد" رائعته "العار" وعرض من خلاله مأساة تاجر عطارة متديّن، يكتشف أولاده بعد وفاته أنه يتاجر في الحشيش، وبسبب هذه الازدواجية يضع أسرته بعد وفاته في مأزق ينتهي بدمارها وضياع مستقبل أفرادها، ما بين شقيقة ساءت سمعتها، ووكيل نيابة انتحر، وطبيب أمراض نفسية فقد عقله، وبينما يتسع الكادر ويقف "محمود عبد العزيز" فوق هذا الحطام نادباً: "الملاحة.. الملاحة.. وحبيبتي ملو الطراحة.. حسرة علينا يا حسرة علينا"، يخرج صوت "محمود أبو زيد" نفسه في نهاية الأحداث مردداً الآية القرآنية الكريمة: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
وبالطريقة نفسها، وعلى يد نفس المؤلف "محمود أبو زيد" والمخرج "علي عبد الخالق"، جاء فيلم "جري الوحوش" عام 1987؛ ليناقش فكرة الرزق وخطأ الاعتقاد بأنه من الممكن إعادة توزيعه بمعرفة البشر أو التحكم فيه، حيث يتناول من خلال أحداثه فكرة الصراع بين البشر "نور الشريف" الصائغ الغني الذي يعاني من العقم، و"محمود عبد العزيز" الذي يعمل "منجّد" رزقه الله بالأطفال، لكنه يبحث عن المال، ويدور الصراع بينهم من أجل تحقيق أرزاق ليست مكتوبة لهم والفوز بالسعادة وعلاماتها الثلاثة "المال والبنون والصحة" في وقت واحد، والسؤال: هل ينجح الإنسان في الحصول على رزق غير رزقه مهما ضحّى وسعى للحصول عليه؟!! فتأتي الإجابة بنهاية الفيلم في الآية الكريمة التي تقول: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وفي عام 1985 استند المخرج "محمد راضي" على نص الآية التي تقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وقدّم فيلمه "الإنس والجن" عن فاطمة "يسرا" التي درست في أوروبا ولا تعترف بالغيبيات، ويحبها جني "عادل إمام" ولا ينقذها منه علم أو ثقافة، بل إيمانها هي وحبيبها "عزت العلايلي" بالله، والاستعانة بالقرآن الكريم الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى حرق هذا الجني!
الفريق الثاني يرى أن استخدام القرآن الكريم في السينما ضد الفن والدين نفسه، إذ إن وجود نصوص قرآنية صريحة، تجعل من الأفلام خطب وعظ مباشرة، مثل تلك التي نستمع إليها في حلقات "ماما كريمة" و"ماما نجوى"، ويبتعد بالمُشاهد عن التخيّل والبحث عن المعنى الكامن في الإبداع الفني، ويعطي هدف الفيلم ورسالته بشكل مباشر يتلقاه المُشاهد بلا أي تفكير، كما أن الاعتماد على آيات قرآنية -من وجهة نظر هذا الفريق- ينسب روعة وبلاغة التعبير الديني المعجز إلى السينارست، الذي يتكئ على كلام غير كلامه، ويقول هذا الفريق: "حتماً ستنبهر الناس بالكلام البليغ؛ لأنه كلام الخالق، وبالطبع سيصفّقون بحكم وازعهم الديني لهذا الكلام، فيظنّ المؤلف أنه نجح بهذا التصفيق الذي هو في حقيقة الأمر يُعبّر عن إعجاب الجمهور بكلام منسوب لخالق نفسه، لا كلام المؤلف"، بخلاف أن الاعتماد على آيات قرآنية صريحة ومباشرة يُسطّح الفكرة السينمائية التي يجب أن تجمع داخلها أكثر من هدف، وأكثر من قضية فرعية، لتنحصر فكرة الفيلم كله حول الآية الكريمة فقط التي تم استقطاعها من القرآن، كما أن هذا ضد الدين نفسه بدعوى أن الناس ستبتعد عن معانيه ومبادئه العميقة في كل آية، وتنحصر أذهانهم فقط في المثال المضروب في الفيلم، بينما هناك عشرات -بل آلاف بل ملايين- المواقف التي يمكن أن تنطبق عليها كل آية!
الآن، وبعد عرض كل من وجهتي النظر والمبررات والدلائل التي يستند إليها وعليها كل فريق.. هل يمكننا الاتصال بحضرتك كصديق لتُخبرنا عن الإجابة الصحيحة من وجهة نظرك؟