بعيداً عن السياسة وحال المسلمين في أمريكا؛ خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، نريد اليوم أن نتوغَّل قليلاً في قلب المجتمع الأمريكي، وبالتحديد المساجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية. هل تعرف أن عدد المساجد في أمريكا يزيد على 1209 مساجد، بُني أكثر من نصفها خلال السنوات العشرين الماضية، وتتراوح نسبة الذين تحوَّلوا إلى الديانة الإسلامية ما بين 17 و30%، حسب المسح الصادر عن مركز الأبحاث الاجتماعية في جامعة جورجيا الأمريكية منذ عامين. وتنقسم هذه المساجد معمارياً إلى 3 أقسام: الأول مساجد تُجسّد التصميم التقليدي المنقول من بلد إسلامي واحد أو أكثر، والثاني مساجد تمثّل إعادة تأويل للتقاليد المتوارثة والتي تُدمَج أحياناً بعناصر الهندسة المعمارية الموجودة في الولاياتالمتحدة، والثالث يجسّد تصاميم مبتكرة بالكامل؛ كتلك التي اعتُمدت في بناء المركز الرئيسي لجمعية "أمريكا الشمالية الإسلامية" في مدينة بلاينفيلد بولاية إنديانا. ومعظم هذه المساجد بفئاتها الثلاث تُستخدم أيضاً كمدارس ومكتبات ومراكز اجتماع ومتاجر كُتُب وغرف طعام وقاعات اجتماعية، وحتى كشقق سكنية. مركز "كيسينا" اليهودي في "فلاشينج" حي "فلاشينج" بنيويورك يمثّل عالماً من التعدّدية الدينية أما عن حي "فلاشينج" في منطقة كوينز، بمدينة نيويوركالأمريكية؛ فهو يضم أكثر من 200 مكان لممارسة الشعائر الدينية في مساحة لا تتعدى 6.5 كيلومتراً مربعاً، كما أنه يتّسم بالتعددية الدينية. وما على المرء سوى السير مسافة قصيرة في هذا الحي حتى يشاهد 151 كنيسة مسيحية و30 معبداً بوذياً و7 معابد هندوسية و4 مساجد ومعبدين للسيخ؛ حسب ما تدلّ عليه إحصاءات جَمَعها مساعد أستاذ تاريخ بجامعة بنجهامتون التابعة لولاية نيويورك. السبب وراء التعددية الدينية في "فلاشينج" وترجع هذه التعددية إلى "عريضة احتجاج فلاشينج"، وهي العريضة التي قدّمها سكان "فلاشينج" في عام 1657، وطلبوا فيها من حاكم مستعمرة نيويورك الهولندي (التي كانت آنذاك مستعمرة نيو آمستردام الهولندية) دعم البنود الخاصة بالحرية الدينية في تأسيس البلدة، وتعتبر هذه الوثيقة أقدم إصرار سياسي على حرية الدين في نيويورك. كما تضافرت عدة عوامل أخرى بمرور الزمن -بالإضافة إلى روح التعددية- لجعل "فلاشينج" إحدى أكثر المناطق تعددية دينية في الولاياتالمتحدة، ومن بين تلك العوامل سهولة الوصول إلى "فلاشينج" من خلال مطارين رئيسيين من مطارات نيويورك، ومحطات قطارات الأنفاق والقطارات القريبة، كما سمح قانون توزيع وتحديد المناطق لعام 1961 للكثير من المجموعات المهاجرة بتشييد ما يعرف باسم "منشآت الجالية"، بما فيها بيوت العبادة، في الأحياء السكنية، وهكذا انتشرت المتاجر والمنازل التي تمّ تعديلها، وأصبحت تُستخدم ككنائس ومعابد على طول الشارع بين أماكن العبادة الأكبر حجماً. وتجتذب هذه الأوضاع أعداداً لا حصر لها من المهاجرين إلى المنطقة لأنها تسهّل إنشاء مراكز الجاليات الدينية التي تجعل الوطن الجديد الغريب مألوفاً إلى حد ما. والجميل أنه لا يوجد أي نزاع حول الأديان في هذا الحي؛ إذ إن التعددية موجودة "بدون معارك وإراقة دماء"؛ حيث لم تنتشر أية حوادث نزاع بسبب الدين في الماضي؛ مما يفسح المجال أمام ظهور روح من التعايش كل حسب طريقته أو "العيش وترك الآخرين يعيشون" كما يشاءون. وهناك أماكن أخرى في الولاياتالمتحدة أصبحت التعددية أمراً مألوفاً فيها، بينها "سيلفر سبرينج"، بولاية ماريلاند، وهي ضاحية قريبة من واشنطن العاصمة؛ و"فريمونت"، بولاية كاليفورنيا، قرب مدينة سان فرانسيسكو؛ و"روجرز بارك"، بولاية إلينوي، قرب مدينة شيكاغو. مسجد بولاية أريزونا الأمريكية مبني على طراز مسجد قُبة الصخرة أشهر المساجد بالولاياتالمتحدة مركز "الجالية الإسلامية" وهو مركز ثقافي، ومسجد، ومدرسة، يقع في مدينة تمبي بولاية أريزونا، ويرحّب المركز بالمترددين عليه المنتمين إلى أكثر من خمس وسبعين جنسية، وتم إنشاء هذا المركز عام 1984 كي يجمع شمل المسلمين الذين كانوا قبل إنشائه يتجمّعون لأداء الصلوات في جماعات صغيرة بمنازل المنطقة. ويؤدي صلاة الجمعة بالمركز حوالي 300 مصلٍ، ويشارك المركز أيضاً في نشاط كل من اتحاد الطلبة المسلمين في ولاية أريزونا، وفي أنشطة الجالية المسلمة بشكل عام، ولدى المركز مكتبة صغيرة تحتوي على مراجع عن الإسلام، كما ينظّم لزوّاره جولات في المركز والمسجد المبني على طراز مسجد قُبة الصخرة المشرّفة في القدس، إضافة إلى تقديمه لخدمات اجتماعية مثل إجراء مراسم الزواج، ودفن الموتى حسب التقاليد الإسلامية. مسجد "الرحمن" بولاية فلوريدا وهناك مسجد "الرحمن" بولاية فلوريدا الذي بنته "الجمعية الإسلامية" لوسط فلوريدا في بداية الثمانينات؛ لكن النمو السريع في المنطقة أدى إلى توسّع الجمعية، وأصبحت للجمعية الآن تسعة مساجد في أنحاء المنطقة، وهي تقدّم خدماتها لأربعين ألف مسلم. وفي عام 2001 أسست الجمعية مركزاً أطلقت عليه اسم مركز السلام وهو يعمل من أجل مكافحة النماذج النمطية السلبية السائدة عن المسلمين وعلى الترويج للسلام والتفاهم بين الناس. مسجد "أبو بكر الصديق" لم يتأثر بإعصار "كاترينا" إلا بقدر محدود أما عن مسجد "أبو بكر الصديق"؛ فهو يتّسم بطراز معماري مميز؛ حيث إنه المسجد الوحيد الذي بني في منطقة "نيو أورلينز" ليكون مسجداً فحسب. وللمسجد قبة مؤلّفة من مضلعات متشابكة ومئذنة، ويتراوح عدد المصلّين الذين يقصدونه للصلاة من 250 إلى 300 مُصَلٍ، وغالبيتهم من الجيل الأول والثاني من المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الأميركية وكانوا وافدين من أصول باكستانية، وهندية، وشرق أوسطية، و20% من المترددين عليه من الوافدين الجدد وممن اعتنقوا الإسلام حديثاً. ولحسن الحظ؛ فإن المسجد لم يتأثر إلا بقدر محدود بإعصار "كاترينا"، وقد عاد معظم أعضاء المسجد إلى مقارّ إقامتهم الأصلية بعد الإعصار، وبذلك احتفظ المسجد بمعظم المترددين عليه الذين يؤمّونه للصلاة والعبادة. المركز الإسلامي الألباني في "ديترويت" وتأسّس المركز الإسلامي الألباني في عام 1962 على يد السكّان الألبان المسلمين في منطقة "ديترويت"، ولأنه واقع في ضواحي مقاطعة "وين كاونتي"؛ فإن هذا المركز يقدّم خدماته لحوالي مائة وخمسين عائلة من ألبان التوسك والجيغا، وأيضاً للإيرانيين، والعرب، والمالطيين، والهنود. وتغيّرت أساليب أداء الشعائر مع التغيّرات التي طرأت على أنماط الهجرة؛ فالألبان التوسكيون -الآتون من المنطقة الجنوبية في ألبانيا- يُعتبرون من المسلمين الإصلاحيين، وقد عاشوا في الولاياتالمتحدة منذ القرن التاسع عشر، وأسلوب أدائهم للشعائر وعاداتهم الاجتماعية أكثر مرونة، أما الألبان الجيغا -الآتون من شمال ألبانيا- فيميلون إلى ممارسة الشعائر بالأساليب التقليدية. مسجد "الإسلام" وهو أكبر المساجد بولاية رود آيلاند وتم بناء مسجد "الإسلام"، وهو أكبر المساجد في ولاية رود آيلاند، عام 1994 ليخدم حاجات السكان المسلمين الذين يتنامى عددهم في مدينة "نورث سميثفيلد"، والمسجد يرحّب بالمسلمين من جميع الطوائف والمذاهب ومن جميع الأعراق والإثنيات؛ لكنه يتبع في المقام الأول نصوص القرآن والسنة المأثورة. ويُدار المسجد بأسلوب ديمقراطي؛ حيث تشرف على المسائل الإدارية لجنة مؤلفة من ستة أشخاص، أما القضايا والموضوعات الأساسية؛ فتناقش أمام الجالية قبل اتخاذ قرار نهائي فيها، ويعمل مسجد "الإسلام" على إقامة حوار بين الأديان ويتواصل بنشاط مع الجاليات المسيحية واليهودية، ويحضر صلاة الجمعة فيه 250 مصلياً تقريباً. مسجد "المسلمين" بولاية ساوث كارولينا ويؤم مسجد "المسلمين"، الذي يقع في ولاية ساوث كارولينا، 500 مُصَلٍّ، ونظراً لقربه من جامعة ساوث كارولينا؛ فإنه يعمل عادة مع الطلبة لاستضافة محاضرين إسلاميين بارزين في المنطقة، كما يقدّم خدمات عديدة لأعضائه، بما في ذلك مدرسة "الأحد" للأطفال المسلمين، ودروس تحفيظ القرآن، والتاريخ الإسلامي، والمنتدى النسائي للتطوّر الثقافي، والصحة، والنشاطات الاجتماعية. ولأنه ناشط بقوة في مسألة نشر الدعوة الإسلامية بين السكان المحليّين بوجه عام من خلال برنامجه الذي يتواصل مع السجناء، كما يعمل على تحسين مساعداته الاجتماعية للمسلمين ممن قضوا أحكاماً بالسجن في السابق، وإلى جميع المسلمين حديثي العهد في المنطقة كذلك؛ فإنه يخطط لإقامة جمعية تعاونية استهلاكية إسلامية. جامع "ديربورن" بولاية ميتشيجان وهناك جامع المركز الإسلامي في أمريكا في "ديربورن"، بولاية ميتشيجان جامع "ديربورن"، وهو أحد أقدم وأكبر الجوامع في الولاياتالمتحدة؛ إذ إنه تلقّى نسخة فريدة من القرآن مكتوبة بلغة "برايل" (لغة خاصة بالمكفوفين) من مدرسة كوكادوش في طشقند بأوزبكستان. وهنا تنتهي جولتنا في أهم المساجد المتواجدة بأمريكا؛ حيث يستطيع المسلمون إقامة شعائرهم والشعور بالتقارب مع بلادهم الأصلية وأبناء دينهم.