يُعتبر النجم الأمريكي بروس ويلز أكثر الممثلين محافَظة على مستواهم الفني؛ وهذا بسبب تنوّع أدواره، وتغيير جلده كل فترة، ولا بأس بأن يظهر في مشهد واحد أو مشهدين، دون أن "تنقح" عليه "الأنا"، وتجعله يتصوّر نفسه نجم النجوم، حيث الكل يدور حوله، كما يفعل بعض ممثلينا. أفلامه تختلف من حيث الموضوعات أو المعالجة؛ فهناك الحركة، والخيال العلمي، والكوميديا، والإنسانية، والرعب، وإن كان الجمهور قد تعرّف عليه بشكل أوضح في الأفلام التي يلعب فيها دور شرطي؛ حيث يُطارد مجموعة من الأشرار، ولا بأس بوجود مسحة كوميدية ناعمة تخفف من عنف الأحداث، كما رأينا الرباعية الشهيرة "الموت بصعوبة"، وعلى كل ف"بروس ويلز" أفضل من يؤدي دور الشرطي؛ فهو يتفنن في إظهار ملامح الشخصية المكتوبة جيداً، وصبغها بطريقته الخاصة، وربما يكون هذا هو السبب الذي جعله يقبل سيناريو فيلمه الأخير، والذي عُرض مؤخراً، وحقق نجاحاً لا بأس به.
من أجل بطاقة بيسبول نادرة! الحدوتة تتعلّق برجل الشرطة "جيمي"، وزميله الزنجي خفيف الدم "بول"، واللذين يهرب منهما أحد المشتبه به، مما يجعل رئيسهما في العمل يقوم بإيقافهما، وأخذ شاراتهما.
على كلٍ العُقدة الحقيقية متعلّقة بزواج ابنته "إيفا"، والتي تحلم بحفل زفاف كبير، ونظراً لأن والدها قد تم إيقافه، وهناك مشاكل في صرف سُلْفَة قد تُنقِذ الموقف، فقد صارت مهددة بأن تتنازل عن هذا الحلم.
المشكلة أن "جيمي" يكره زوج زوجته السابقة الثري، والذي يريد دفع تكاليف الحفل، مقابل أن يَذكر اسمه في أثناء طقوس الزواج، وهي فرصة جيّدة لكي يُذلّ "جيمي"، ويكسر أنفه. مما يضطر"جيمي" لأن يُفكّر في إيجاد طريقة لإنقاذ ماء وجهه، وتحقيق حلم ابنته.
على الجانب الآخر، فالشرطي الثاني "بول" يُواجِه مشاكل في زواجه، فهو مقتنع بأن زوجته تخونه مع جاره "هنري"، ولكي يقطع الشكّ باليقين يقوم بوضع كاميرا في دمية دبّ، ليتكفل بمراقبتها.
"جيمي"، و"بول" يذهبان من أجل بيع بطاقة بيسبول نادرة بمبلغ كبير، لكن البطاقة -بسبب حماقة "بول" المعتادة- تُسرَق، مما يجعل الصديقَيْن يقومان برحلة بحث طويلة من أجل إيجاد البطاقة، حتى لو وصل الأمر لأن يَقْبَلا مهمة وضيعة لأحد المجرمين الكبار، مما يجعلهما يتورّطان حتى النخاع.
قاعدة "البين بين" مشكلة هذه الأفلام إما أنها تكون سيئة جداً، أو جيّدة جداً، وعلى الرغم من أن القصة هنا كان من الممكن الخروج منها بسيناريو قوي، بما فيه من إنسانيات، حيث مللنا من الشرطي الغيور الذي يعيش طوال الفيلم مُعذّباً بضمير قتل صديقه، وليعذبنا نحن معه، فإن القصة هنا لا تتعلّق بشرطيين شريفين فحسب، بل بشرطيين من لحم ودم يتعاملان مع الواقع بعقلانية بعيدة عن النموذج الأمريكي المعتاد.
إلا أن السيناريو الذي كتبه الأخوان "مارك وروب كولين" أوقعنا في حوار مباشر مسطّح غير مميز للشخصيات، ولولا وجود نجم ثقيل مثل "بروس ويلز"، وممثل صاعد مثل "تراسي مورجان" لسقط الفيلم سقوطاً ذريعاً.
"بروس ويلز" يبدو عليه كبر السن، وإن كان توهجه لم يقل ذرة واحدة، وهو يبتسم بوقار أقرب للتهكم، وفي أكثر من مشهد كنتُ أتوقّع أن يهب من مقعده لكي يلكم زوج زوجته السابقة في وجهه، لكنه التزم الرصانة على غير عادته.
"تراسي مورجان" قنبلة الفيلم الحقيقية، ونموذج للزنجي الذي لا يكفّ عن إلقاء الشتائم البذيئة، وربما كانت كمية السُباب كانت أكبر من المتوقّع، وأخذ الفيلم بسببها نقطة سلبية؛ فالمفترض أنه فيلم كوميدي ومسلٍ، فماذا عن ربّ الأسرة الذي يأخذ أسرته معه لقاعة السينما، وربما نتصوّر أنه بسبب إباحية بعض الأفلام، وعبورها للخطّ الأحمر أن الأمريكيين صارت الأمور معتادة لديهم، لكن الواقع أنهم لا يتهاونون في مثل هذه الأمور.
الفيلم خالٍ من القيم، اللهم إلا قيمة الصداقة بطبيعة الحال. موسيقى لا بأس بها.. إخراج متواضع للمخرج "كيفن سميث".
فيلم ستضحك من قلبك عندما تشاهده، ثم ينزلق إلى هاوية النسيان، وهو أمر لن نأسف له كثيراً؛ فهو -في النهاية- مجرد فيلم تجاري صُنع من أجل التسلية فقط.