باختصار وبدون مقدمات أنا بلا حياة, ولدت لأم وأب شبه منفصلين؛ الأب يكرهني بشدة، ويحاول بكل الطرق منعي من إكمال تعليمي, حاول قتلي أكثر من مرة، ولكن الله أنقذني في لحظاتي الأخيرة, ليس لي أصدقاء بالرغم من محاولاتي مراراً أن أكوّن أي أصدقاء لكي يُصلحوا من شأني، ولكن لم أجد سوى أصدقاء السوء الذين هم من أهم أسباب ما أنا فيه, أنا 18 سنة، ولكن عمري الحقيقي يقارب الستين, صورة بطاقتي تدل على الشباب والصفاء، ولكني أحس بالتجاعيد بدأت تغزو وجهي, لا أعرف كيف ستنظر لي ولكني أخطأت مع أكثر من شخص, أنا ضائعة, فاشلة في دراستي, مدمنة أيضاً!! أعرف أن لا أمل فيَّ، ولكني كنت محتاجة لأن يسمعني أحد، وأن أحكي دون اتهامات وربما لا أحتاج لرد. luv لا أنتِ تحتاجين لرد أكثر من أي صاحب مشكلة أرسل لنا مشكلته، مع احتفاظي بكل الاحترام والتقدير لمعاناة كل من يرسل لنا بما ينغّص عليه عيشه، ولكنك في أشد الاحتياج ليكون معك "خريطة" تُوضّح لكِ ما يحدث داخل نفسك وتُوضّح لك معاني كثيرة يعتبرها الناس بديهيات مفروغاً منها مثل: من هو الإنسان؟ وما هي الحياة؟ وما هو الضعف؟ وما هي المقاومة؟ وما هو الهدف؟ ومن هو الله سبحانه؟ فحين تحصلين على تلك الخريطة ستتمكنين من إنقاذ نفسك من المصير الذي رأيته بأم عيني من خلال التعامل مع مدمنات وفتيات ليل، حيث انتهت حياة معظمهن بالانتحار أو بجرعة زائدة أو في موقف مخزٍ دون أن يفهمن أو يحاولن أن يفهمن بصدق تلك المعاني واكتفين بأن يعِشْن للحزن والاكتئاب واجترار مآسيهن طول الوقت والهروب للمخدرات أو للجنس دون أن يعطين لأنفسهن فرصة بحق أن يخرجن ما بداخلهن من إرادة ليتغير مصيرهن، والذي جعلني في حالة من الأمل تجاهك هو إرسالك لمشكلتك يا ابنتي، حتى وأنت تكتبينها بكل هذا الألم والإحباط، وكذلك إعجابي الشديد بقوة إرادتك التي لا ترينها!، فلقد قاومت محاولات جعلك إنسانة جاهلة لا تساوي شيئا في عصر العلم واحترام الشهادات، وقاومت محاولات قتلك، فهل هناك أقوى من تلك الأدلة على قوة إرادتك؟، وسأبدأ بأخطر مساحة عندك وهي "نظرتك لنفسك"؛ لأنها مربط الفرس والتي أوقعتك في مصيبة الجنس المرفوض -والذي قد يكون سبباً غير معلن لتعامل والدك معك، فلعله يعرف شيئاً عما يقال عنك- وأعود فأقول: إن معظم الدراسات التي تمّت على حالات البغاء كانت تشير بقوة لوجود مشكلة نفسية أنت تغرقين فيها حتى أذنيك، وهي "العدوان الموجّه للذات والآخر" وللتبسيط -أرجو ألا يكون مخلاً حيث إن التحليل النفسي في هذه المساحة كثير جداً- هي مشكلة تظهر عند الإنسان ناتجة عن ظروفه في فترة طفولته بالذات؛ حيث لا يحصل على حنان أو اهتمام وحب، ويملأ جو المنزل الكره والمشاجرات والاتهامات والضرب بين الأب والأم، وكثيراً ما تكون الأم قاسية ويكون الأب كذلك، وفي حالة من الخلافات المستمرة مع زوجته، فيشعر الإنسان في هذا المناخ أنه كمّ مهمل وغير جدير بالاهتمام، فينظر لنفسه على أنه شخص حقير لا يستحق أي حب أو احترام، فيبدأ في التعبير عن احتقاره لنفسه بوقوعه في هذا النوع من الجنس؛ استكمالاً لنظرته لنفسه، أو قد يكون بدافع الانتقام من الأب في صورة كل رجل؛ فتقوم الفتاة بممارسة الجنس لتنتقم من أبيها حين تعطي الجنس للرجل منزوعاً من مشاعر الحب؛ فالحب يتم ترجمته للغات كثيرة منها لغة الجنس؛ فحين نجرّده يكون نشاطاً مبتوراً من حقيقته، فتحرم الفتاة بذلك الرجل من وجود مشاعر؛ لأنه لا يستحقها، وتحصل منه على مال -ليدفع دم قلبه- وكذلك تزيد من الانتقام منه بأن يفهم أنها ليست ملكه وحده، فيكون طعناً لرجولته وليس لذكورته، ولا أريد أن أدخل معكِ في تفاصيل كثيرة، ولكن فقط أردت أن أبيّن لك أنك واقعة في تلك الكارثة؛ بسبب تأثير تلك العلاقة السيئة بينك وبين والدك لدرجة قد لا تتصورينها، لذلك يا ابنتي حتى أكون أمينة معكِ أنت تحتاجين أن تتواصلي مع طبيبة نفسية -وليس طبيباً- لتساعدك على اجتياز محنتك، وتضع معكِ خطة علاج تعينك على تخطي هذه المشكلات وحتى تأخذي تلك الخطوة المهمة يمكنك أن تفكري في تلك النقاط لتساعدي نفسك ذاتياً: * للأسف معظم بيوتنا بها مشكلات تربوية من الوزن الثقيل، والذي يدفع الأبناء جزءاً كبيراً من ثمنها، ولكن هل كل من عاشوا في مثل ظروفك أو أسوأ رفعوا الراية البيضاء كما رفعتها؟، هل استسلموا لظروفهم وغباء وقصور أهلهم؟، هل التفكير السليم يجعلنا نقضي على الباقي منا؟، هل ننتقم من ظروفنا بالمزيد من الضياع؟ * هل الإدمان حل المشكلة؟، هل الجنس حل المشكلة؟، هل حتى الانتحار سيحل المشكلة؟، فكلها طرق للهروب والضياع في الدنيا وفي الآخرة. * أصدقاء السوء لا يختاروننا ولكننا نحن الذين نُغْريهم بأنفسنا، وكلما ضعفنا واستهترنا بكل معنى وكل مسئولية كلما زاد من حولنا من يغنّون على نفس المنوال، وكلما غاصت أقدامنا أكثر، وخسرنا ما تبقى لنا من احترام لأنفسنا. * من قال إن هناك أحداً ينقذ أحداً من مشاكله؟، فهذا وهم كبير، فلا أحد يحل مشاكل نفسه إلا نفسه فقط؛ ولكن يوجد من يوجهنا، ويوجد من يشجعنا، ويوجد من يهتم لسعادتنا، ولقد قصّرتِ في هذا فلم تفكري إلا في الهروب، ولم تفكري في شخص تحترمينه ليكون بديلك عن أبيك أو أمك ليكون سندك، فلماذا لا تبحثين عنه على ألا يكون رجلاً؟، هل مقطوعة أنت تماماً من كل البشر، ألا يمكنك حتى أن تتواصلي معي دوماً عبر الموقع لأكون أمك أنا يا ابنتي؟ * رغم اكتئابك وإحباطك الواضح ورغم ما حاولت أن توصليه لنا بأنك في حالة تبلّد وعدم اهتمام إلا أنك تتمنين أن تُنقذي نفسك مما أنت فيه وتستطيعين فعلاً يا ابنتي؛ فكل ما مررتِ به يحطّم الجهاز النفسي مهما كان قوياً، سواء ما مررت به حقيقي أو جزء منه من تصوّرك أو ردّ فعل لأفعالك، ومع ما قلته بأنك بحق تملكين قوة إرادة ونفسية جعلتك تقاومين محاولات إخفائك من الوجود إلا أنك تحملين بداخلك الأهم وهو "الضمير"، والمشاعر الإنسانية التي تجعلك في حالة رفض ورغبة في التطهر والنهوض من حفرتك، فلتنتهزيها، ونحن معك نقويك ونساندك. * ألا يستحق الله سبحانه وتعالى الذي أنقذك كما قلت من القتل، وبثّ في نفسك الضمير لتبكي أو لتطلبي المساعدة أن تعرفيه وتقتربي منه؟، فهو الوحيد سبحانه الذي لن يملّ منك ولن يرفضك أبداً، وهو الذي ينسى ذنوب العباد ويمحوها، على عكس البشر الذين لا ينسون، وهو الذي يعطيك المهلة ولا يتعجل في عقابك، رغم أنه قادر، وهو سبحانه الذي يحميك من أن تتخلصي من حياتك؛ لأنه موجود في قلبك، هل تعرفين أنه غفر لامرأة كانت تبيع جسدها لمن يدفع؛ لأنها سقت كلباً –لا إنساناً- لأنه كان عطشان؟، هل تعرفين أن من توضأ في أي وقت وضوءاً جيداً، وصلى لله ركعتين لم ينشغل فيهما إلا بالحديث معه غفر له ما تقدم من ذنوبه جميعاً، إنه وحده الذي يعطي فرصاً لا تنتهي ولا يوجد بها شروط، هذا هو ربي وربك يا ابنتي.. ألا يستحق أن تحترمي وجوده معك وعفوه وفتحه لبابه لك أن تقتربي منه وتطلبي منه العون؟ * أعترف لك بأن طريق التغيير صعب للغاية، ويتطلب جهداً ومشقة ووقتاً، ولكن أعترف أيضاً أنه ليس مستحيلاً، وأن من قاوم واجتهد وتحمّل رغم سقوطه وسط الطريق مرات ومرات استطاع أن ينجو، وأن يكتب لنفسه شهادة ميلاد جديدة يفخر بها؛ لأنها كانت مكتوبة بدمه وآلامه، ودفع فيها الكثير من المقاومة والضغوط، وتستطيعين بقوة إرادتك التي عرفتها أن تكوني قصة من قصص النجاح. ابنتي.. أنتظر أنا و"بص وطل" بكل عامليه متابعتك بفارغ الصبر لنساعد بعضنا البعض في جعل الحياة أفضل، وكلنا يدعو لك بقوة الإرادة واجتياز محنتك، لنخطط معك الخطوات التالية.. هيا لا تتأخري.