البطيخ وتحليل النقاب نظر لنا دكتور مادة فيزياء الأراضي، ولسبب لا يعلمه إلا الله قال بكل جدّيّة: "ولما تيجوا تنقوا البطيخ تنقوه مضلّع ولما تدوسوا على القشرة تعمل الصوت ده (كخخك)". حدث هذا منذ أكثر من 10 أعوام عندما كنت لا أزال في مصر.. لا أعرف لماذا لم أنسَ هذه الجملة، وظلّت في رأسي كمثال للاختيار المثالي الذي يصل لدرجة أن الاختيار نفسه يُكافئ صاحبه على حكمته بصوت مسموع هو "كخخك" بالطبع. كنت أستمع إلى تحليل نقديّ في قناة غربية عن النقاب، وكنت أيضاً قد انتهيت لتوّي من مشاهدة برنامج في قناة عربية يتحدث عن النقاب وأسباب الهجوم الغربي عليه، وأدركت أن كلاً من التحليلين لم يصل لصوت البطيخ المثالي المحبب؛ فكلاهما لم يضع يده على الفهم الحقيقي للفجوة الفهمية بين الشرق والغرب للنقاب. مفهوم الغرب للنقاب بكل بساطة وجهة نظر الغرب هي أن النقاب رمز للعبودية وتقييد لحقوق المرأة، وهذا بالطبع ضد قِيَمهم التحرّرية... والغريب أن أحداً لم يسأل نفسه لماذا يعتنق الغرب هذا الرأي؟ الغرب يعتقد أن المرأة مجبرة على ارتداء النقاب؛ فقد أجبرها زوجها أو والدها أو ولي أمرها -أياً كان- على ارتدائه؛ ولذلك فهو رمز للعبودية وظلم للمرأة، ولذلك يرون أن من واجبهم رفع الظلم عن النساء المُكرهات على دخول قفص النقاب. مفهوم الشرق للنقاب وحديث الطُرش ويأتي البطيخ بالأعاجيب في عالمنا الشرقي؛ فيصير منهجاً للدراسة والتحليل والاستنتاج... بالطبع يأتي الردّ على الحجة الغربية بأسلوب حديث الطُرش؛ فبدلاً من أن يردّ عالمنا على السؤال المطروح: هل يتم إجبار المرأة على ارتداء النقاب أم لا؟ يأتي الردّ غالباً من مُقدّم أو مُقدّمة البرامج باتسامة المظلوم بعبارات على غرار "هجمة شرسة على النقاب... إلا نقابي... لو يعرفوا قيمة النقاب ما قالوا ذلك... النقاب يا أختي هو حصن المرأة".. إلخ. كلام جميل ولكن ماعلاقته بالحُجّة الغربية؟ هو ليس مجمتعاً إسلامياً ليفهم تلك المعاني وما يُعلنونه -والله أعلم بخفايا الأمور- أنه رمز للاستعباد... فما علاقة ما نقوله بما يقولون؟! ذلك أشبه بأن يبتسم لك جارك قائلاً: "على فكرة إنت بتضرب عيالك جامد مش ده ضد حقوق الإنسان؟" فترد قائلاً: "أصلي نسيت صينية البطاطس في الفرن"!! هو ردّ لا علاقة له بالسؤال، قد يجعل مُحدّثك يظنّ أنك مصاب ب"الحمونيل" مثلاً. الإجابة شخصياً لست من المعجبين بالنقاب وإن كنت لا أعارضه؛ إلا أن ذلك لم يمنعني -حينما طُرح ذلك السؤال في محاضرة بالجامعة التي أدرس بها بكندا- أن أقول إن مُعظم من كنت أعرفهم من المنتقبات -عندما كنت بمصر- قد اخترن النقاب بإرادتهن؛ بل إن بعضهن قد ارتدين النقاب ضد رغبة أهلهن؛ فكيف يصير النقاب رمزاً للاستعباد إن كان باختيار المرأة؟ وكيف يكون ضد الحرية الشخصية إن كان هو أحد مظاهر الحرية الشخصية باختيار المرأة الحر، أن تُغطّي وجهها؟ وكان ردّ الموجودين: كيف يُمكن التأكّد من أنه لا يتمّ إجبارهن؟ قلت: وكيف تتأكدون من أن الأطفال لا يتم إساءة معاملتهن؟!.. المنتقبة تسطيع الاتصال بالخدمة الاجتماعية لحمايتها إن كانت لا تريد ارتداء النقاب. وهذا هو الأمر على بساطة ما قلته وسهولة التوصّل إليه وعدم حاجته لإبداع؛ فإعلامنا الريادي مصاب بعُقدة الاضطهاد، ولن أتعجب إن جاء وقت يدّعي إعلامنا فيه أن الغرب يكره "شبشب الحمام زيكو" لأنه عربي. كلمة "لماذا" يجب أن تُسأل حينما تجد أحداً يتّهمك بالباطل، وردّ الحجة يكون بالحجة؛ فإن بطُلت الحجة من أحد الطرفين بطُلت المصداقية، وعندها تكون مزاعم الكراهية غير المسببة حقيقية. في نطاق هذا الفهم سمعت صوت البطيخ المثالي للفهم المثالي سمعت أجمل "كخخك".