رواية "العمر فرصة" تتحدث عنك أنت، وإن اختلف اسمك عن اسم بطل الرواية أو كان مجالك المهني غير مجال تصميم الإعلانات الذي تميّز فيه البطل؛ فهي رواية تنموية لا تكتفي بعرض المشكلة لكنها تقدّم أيضاً بعض الحلول، تابع معنا رحلة هذا الشاب التائه بين عواصف عدم الاستقرار الفكري والعائلي وكيفية وصوله للنجاح. الحلقة السادسة: صراعات لا بد منها
"لا أحد يملك رفاهية اختيار خصومه" ومع انتهاء الدورة التدريبية جاء ميعاد مناقشة الخطط الدعائية التي صمّمها الموظّفون، واجتمعوا في القاعة الرئيسية بقائدهم. وكالعادة، بدأ رئيس الشركة الكلام بابتسامته الهادئة وكلامه المرتّب؛ فشكرهم على التزامهم، وتمنى لهم التوفيق. بدأ العرض الأستاذ بسيوني بعدما ارتدى نظارته الطبّية في حركة مسرحية، ونظر للأوراق التي أمامه في جدّيّة شديدة، وقال في صوت جهوري وكأنه يلقي خطبة عصماء على جمع غفير متكدّس في ميدان عام: - أما أنا فقد خرجت بِعِدّة أفكار تصلح جميعها لتكون حملات إعلانية متميزة، وبعد دراسة مستفيضة قررت اختيار إحداها.. على أن أقدّم الخطط الأخرى تباعاً. تملّل الحاضرون من هذه المقدمة التي لا لزوم لها، وبخاصة المهندس علي؛ ولكنهم حرصوا على ألا تظهر على وجوههم علامات الضجر مراعاة لسنّه، وتركوه يستكمل كلامه قائلاً: - والمنتج الذي وقع عليه اختياري هو المناديل الورقية، و.. وقبل أن يكمل عبارته التالية فوجئ الحاضرون بنادر يهتف في انفعال وقد احمرّ وجهه: - ولكن هذه فكرتي التي عرضتها عليك منذ شهرين. فجّرت عبارة الشاب الموقف داخل القاعة، وتباينت ردود الأفعال؛ فأغلب الحضور ارتسمت علامات الدهشة على وجوههم. أما علي صادق، فقد احمرّت عيناه غضباً.. ولكن بسيوني -الذي كان يتوقع ردّ فعل نادر- كان أسرعهم للنطق عندما صرخ في استنكار: - ماذا تقول؟.. لقد تجاوزت حدودك. رد الفتى في تلعثم بعد أن رأى كل العيون تتجه إليه: - أنا.. أنا أقول.. إني عرضت عليك فكرتي.. ومحورها هو نفس المحور الذي اخترته لفكرتك.. صاح بسيوني بقوة في وجهه: - اصمت.. واسحب هذا الاتهام فوراً؛ وإلا نلت ما لا يُحمد عقباه. هنا تدخّل مدير الاجتماع قائلاً في صوت حاول أن يكون حازماً: - هل من الممكن أن نهدأ قليلاً؟ لكن نادر لم يستطيع منع نفسه من القول في صوت مختنق: - أقسم بالله أن هذه فكرتي. وما إن أنهى عبارته حتى نهض بسيوني من مكانه طاوياً أوراقه وهو يقول في غضب: - أنا مضطر للانسحاب قبل أن أفقد أعصابي، وأنا في انتظار أن أحصل على حقي الأدبي كاملاً عن ما تعرّضت له من إهانة. ثم استطرد قائلاً قبل أن يغادر القاعة: - وللعلم فأنا قد وثّقت خطتي رسمياً منذ شهر مضى. ساد الصمت الغرفة حتى قال علي صادق: - نادر أريد أن أتحدث معك.. ويمكن للزملاء أن ينصرفوا. تحرّك الشباب وتركوا الغرفة، ونظر المهندس علي إلى نادر؛ فوجده قد احمرّ وجهه واغرورقت عيناه بالدموع، وهو يحاول أن يقول في توسّل: - أقسم لك يا أستاذ علي أن الفكرة فكرتي و.. قاطعه الشاب قائلاً في هدوء حازم: - نادر.. إذا سمحت لي؛ فنحن لن نتحدث عن أيّ منكما هو صاحب الفكرة.. فبرغم ظني، لن أصدر حكماً من دون تحقيق. نظر إليه نادر في ذهول غاضباً ولم يعلّق؛ لكن الرجل تجاهل نظراته وقال: - سوف أؤجل ميعاد مناقشة الخطط أسبوعاً آخر، وسوف أنتظر أن تقدّم لي تصوّراً جديداً، وحتى هذا التاريخ أنت في إجازة، ليتوافر لك وقت لإتمام العمل وتبتعد عن أية مناوشات قد تحدث بينك وبين الأستاذ بسيوني، وكل ما أستطيع أن أقوله لك الآن: إنه لا أحد يملك رفاهية اختيار خصومه. بعد ساعات من السير وحيداً وسط شوارع العاصمة الصاخبة، عاد نادر إلى بيته بخطوات متثاقلة، ووجه عابس، ودموع مكبوتة يأبى كبرياء عينيه أن يسمح لها بالانفجار. وما إن رآه أفراد أسرته على هذه الحالة الشنيعة حتى أصابهم الذهول، وحاولت الأم الاطمئنان عليه بسؤالها المتكرر الملهوف عن ما وراءه؛ لكنه لم ينجح في طمأنتها ولو بكلمة، حتى الابتسامة التي حاول أن يرسمها على وجهه جاءت لتؤكّد أن هناك حدثاً جللاً قد وقع. حاول الأب -صاحب الخبرة- أن ينهي هذا الوضع الذي يزداد كآبة وحزناً؛ فدعى نادر إلى الخلود للنوم، وطلب من أمه وأختيه أن يتركاه إلى حال سبيله إلى أن تنقضي الساعات الباقية من الليل. وفي الصباح أعدّ كوبين من الشاي الممزوج بالحليب واتجه بهما إلى حيث يرقد ولده، وكما توقع؛ فقد وجده مستيقظاً، وقد باتت حدقتاه شديدتا الحمرة بفعل السهر وتحجّرت الدموع بداخلهما. انفطر قلب الرجل لمرأى ابنه على هذا الوضع؛ لكن فطنته أجبرته على كبت مشاعره وتقديم كوب الشاي إليه وهو يبتسم قائلاً: - صباح الخير يا ولدي. تناول الكوب وهو يتجنب النظر في عين والده وهو يرد في خفوت: - صباح الخير يا والدي. - هل آن الأوان لتخبرنا عما حلّ بك.
نظر له الشاب في حزن ونطق بكلمات؛ إلا أن صوته خرج مبحوحاً غير مفهوم؛ فربت الأب على كتفه وهو يقول: - لا تحزن يا ولدي فكل أزمة بعدها فرج، وكل ظلم لابد له من حق يشقه. ولنا بقية اقرأ أيضاً: متعة الإنجاز.. الحلقة الخامسة من رواية "العمر فرصة"