أحمدي نجاد كان بطل المشهد على الساحة الإيرانية هذا الأسبوع ليس لإنجاز سياسي أو حتى لتوجيهه ضربة قاسية في وجه الولاياتالمتحدة وإسرائيل؛ ولكنه البطل على مستوى الانتقادات التي تعرّض لها على مستويات عِدة؛ بداية من تصريحاته التي وُصفت ب"السوقية"، مروراً باتهامه بأنه "شؤم" على الشعب الإيراني، نهاية بالدعوى للتظاهر في ذكرى انتخابه، وتحويل شوارع طهران إلى جموع تندّد بمن كان يصف نفسه في السابق بأنه صديق الشعب، وأصبح الآن العدوّ الأول لجموع الإيرانيين. نجاد يستخدم لغة "سوقية" ليتقرّب إلى العوام البداية مع تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية ال""BBC وصفت فيه تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ب"السوقية" في ردّه على أعدائه ومعارضيه؛ سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وبالرغم من أن البعض يُحلل طريقة حديثه على أنها طريقة صريحة يتحدّث دون مراوغة، فإن البعض الآخر رأى أن أحمدي نجاد "متغطرس"، ولا يليق به كرئيس جمهورية أن يتحدّث بلهجة الشارع. كما أشارت ال"BBC" -الناطقة باللغة الفارسية- إلى أن نجاد في إيران يمتلك أسلوباً ولحناً في الكلام لم يستخدمه الرؤساء السابقون له قط، والمراقبون السياسيون والدبلوماسيون يعتبرون أن استخدام نجاد لهذه الألفاظ الخارجة عن العرف المعمول به في الحياة السياسية والدبلوماسية هو أمر غير سليم. فنجده يستخدم أسلوب حديث غير لائق في رد فعله على حديث وزير خارجية فرنسا؛ قائلاً: "كله أونطة واحتيال.. والتاني كان رايح يقول القوى العظمى، عظمة العظمى.. يا سلام!". وكذلك انتقده المحللون؛ لأنه استخدام هذه "الغطرسة" في ردّه أيضاً على رسالة باراك أوباما التي كانت قد عُرِضت على شاشات التليفزيون، حيث هنّأ فيها الشعب الإيراني بعيد "النيروز" والاحتفال ببداية العام الجديد في إيران. فقال أحمدي نجاد وسط جمعاً من الشعب في ردّه عليه: "يا سيدي أوباما، إنك وصلت لتوّك، اصطبر قليلاً كي ينشف عرقك، اشرب شيئاً بارداً أو ساخناً قليلاً، وتوخّ الحذر قليلاً؛ فليس هناك سبب لكي تقرأ أي ورقة وضعوها أمامك، وليس هناك سبب أيضاً كي تكرّر ما وصّوك به؛ فاعلم أن أكبر منك وأعظم منك -والكبار حتى- لم يستطيعوا أن يغلطوا؛ فأنت يا رجل لك مكانتك!". ومن ناحية أخرى انتقد النواب الإصلاحيون في المجلس أسلوب أحمدي نجاد؛ فيقول أحد نواب المجلس في خطاب لأستاذ الأخلاق في رئاسة الوزراء: "أسلوب أحمدي نجاد لا يمتّ بصلة إلى رئاسة الجمهورية، ينبغي عليك أن تؤدّب السيد أحمدي نجاد؛ فأدّب تلميذك وإلا فلتتركْ كرسي الأخلاق في رئاسة الوزراء وترحل". ولم ينتهِ التقرير إلا وقد انتقده رسول نفيسي -عالم الاجتماع الإيراني- حيث قال: "إن ألفاظ أحمدي نجاد توضّح أنه صعد من الجماعات المحرومة في المجتمع، وهو يتقرّب الآن أكثر إلى العوام، وأن لغته تضمحلّ يوماً بعد يوم".
كروبي: هذا الرجل شؤم على الشعب ولكن لا يمكن تجاهله "كروبي" يصفه بأنه "شؤم" على الإيرانيين الانتقاد الثاني هذا الأسبوع كان من "مهدي كروبي" زعيم المعارضة الإيراني؛ وذلك في مقابلة مع الموقع الإلكتروني لمجلة "شبيجل" الألمانية، عندما أعلن رفضه القاطع لفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات جديدة مشدّدة على إيران؛ بسبب البرنامج النووي لطهران، ووصف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأنه "شؤم على الشعب الإيراني". وأضاف "كروبي" في نفس الحوار: "أن العقوبات ستزيد من الأعباء على المواطنين.. إذا كانت الدول الأجنبية ترغب في مساعدتنا؛ فعليها أن تدعو للحفاظ على حقوق الإنسان؛ ولكننا لسنا بحاجة للدول الأجنبية؛ فلقد تعلّمنا الوقوف على أقدامنا". ورداً على سؤال حول ما إذا كان يرى أن على دول العالم الدخول في حوار مع أحمدي نجاد؛ أشار كروبي إلى أن "هذا الرجل شؤم على الشعب؛ ولكنه موجود في المنصب الآن ولا يمكن تجاهله". المعارضة تدعو لمظاهرات بعد عام على إعادة انتخاب نجاد هذا الأسبوع أيضاً كان نجاد على موعد مع دعوة زعيم المعارضة الإيرانية مير حسين موسوي ومهدي كروبي أنصارهما إلى التظاهر بمناسبة ذكرى إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل في 12 يونيو القادم، بدعوة كل المجموعات والأحزاب الإصلاحية إلى تقديم طلباتها إلى وزارة الداخلية، لتنظيم مظاهرة.
خاصة في ظل تنامي نفوذ الحرس الثوري في الدولة خلال السنوات الأخيرة؛ فالحرس الثوري أصبح ناشطاً أكثر فأكثر في الاقتصاد عبر شركات تابعة له، وقد حصل على عقود ضخمة في السنوات الأخيرة. كما لعب دوراً أساسياً في قمع حركة الاحتجاج بعد إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد، وقال كروبي متسائلاً: "يطلبون منا الندم؛ لكن ألا يتوجّب الندم على عمليات القتل والكذب والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وخسارة رءوس أموال هي ملك للأمة؟" في تلميح إلى أجهزة السلطة. لكن ستظلّ هذه الدعوة مجرد كلام لا يصل إلى حيّز التنفيذ إلا بعد موافقة وزارة الداخلية التي منعت كافة مظاهرات المعارضة منذ يونيو 2009. وتنتقد المعارضة إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد، وتقول: "إن عملية تزوير شابت الاقتراع، واعتُقِل آلاف الأشخاص خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية وأفرج عن معظمهم؛ لكن عشرات منهم -صحافيون وقياديون إصلاحيون ومعتدلون- صدرت بحقهم أحكام قاسية بالسجن؛ بينما منع صدور الكثير من الصحف، وحُكِم بالإعدام على عشرة أشخاص اتهموا بالمشاركة في الاضطرابات". وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في 28 يناير بحق ناشطيْن اتّهما بالانتماء إلى مجموعة من أنصار النظام الملكي في أول عمليات إعدام لمعارضين منذ بداية الأزمة السياسية الناجمة عن الانتخابات الرئاسية. وكما ترى؛ ففي ختام الأسبوع تحوّل "ماردوميار" أو "صديق الشعب" كما أطلق نجاد على نفسه في بداية ولايته الأولى على صفحته الخاصة على الإنترنت إلى "السوقي"، الذي يستخدم ألفاظ العوام في محاولة منه للتقرّب إليهم أو حتى لأنه في الأصل منهم، ولم يبذل مجهوداً لكي يعرف كيف يتحدّث رئيس جمهورية إلى شعبه أو إلى نظرائه من رؤساء وملوك الدول الأخرى؛ حتى لو كان بعض الخبراء يرون أن أسلوب أحمدي نجاد لا يشمل النطاق الدبلوماسي والدولي فحسب؛ ولكنه يستخدم هذا الأسلوب ضد معارضيه ومنتقديه في الداخل أيضاً. ولكن من الملاحظ أن تلك الانتقادات خاصة فيما يتعلق بلغة نجاد أو طريقة إلقائه لتصريحاته أو حتى مدى صحة كونه شؤماً على الشعب الإيراني من عدمه.. ولكن ماذا عن الشعب الإيراني.. هل يهتم حقاً بطريقة حديث رئيسه أو حتى الألفاظ التي يستخدمها سوقية أو دبلوماسية؟ أعتقد أن الأمر مختلف تماماً وأن الشعب -خاصة الطبقات الفقيرة والمطحونة منه- لا تهتم بما يُثير غضبة المعارضة صفوة المجتمع الإيراني الذي جُلّ ما يهتمون به هو كرامة إيران وشكلها وسط دول العالم، أما الشعب؛ فلا يعنيه سوى أن هذه الطريقة أياً كان نوعها لا تؤدي به في النهاية إلى مواجهة حتمية مع عدو في حرب شرسة يكون فيها هذا الشعب فاقداً حتى للاختيار.