أنا عندي مشكلة، مش عارفة يمكن تكون عادية بالنسبة لأي حد، بس أنا لأ؛ المشكلة إني بحب واحد جدًّا، وأنا أكبر منه بشوية، مشكلته إنه اتعرّض وهو صغيّر لظروف وحشة أوي من باباه كان بيعامله بقسوة، ومش بيهتم بيه، وما كانش بيحسسه خالص بوجوده في الدنيا كأنه مش ابنه، ولسه المعاملة دية لغيت دلوقتي, مش زي أي أب ما بيصدّق إن ابنه خلّص الكلية عشان يساعده ويبني له مستقبله معاه، لأ ده عاوز يطرده من البيت، بيقول له امشي بعيد عننا، ومش عايزه في البيت، المشكلة إنه مش عاوز أو مش عارف يتغيّر هو عصبي جدًّا مع باباه، وممكن يضربه، بس هو معايا ومع أي حد كويس جدًّا ومحترم جدًّا، وهو دايماً حاسس بإحباط، وبيقول لي أنا عاوز أموت أنا اتخنقت، أنا باكلمه كتير، وباقول له إنت كويس.. إنت من جواك إنسان جميل، بس هي الظروف اللي خلتك كده، وهم أهلك السبب مش إنت، هو بيقتنع بكلامي، لكن بعد كده بيرجع لنفس الكلام. أنا تعبت أوي وأعصابي تعبت وبحبه وعاوزاه، هو إنسان كويس ومتفائل، وأنا واقفة معاه على طول، ومش سيباه، مش عارفة أعمل إيه.. أرجوكم ساعدوني عاوزة أطلع بيه وبيّ لبر الأمان.. وشكراً. س نرحب بكِ، ونؤكّد لكِ احترامنا لكل أصحاب المشاكل، وسعينا الجاد لكي نكون "وسيلة" للمساعدة بمشيئة الرحمن بالطبع.. وقد احترمت كثيراً نبلكِ ورغبتكِ في مساعدة هذا الشاب، وأتمنّى أن تتذكري أن الحب الزائد يجعلنا لا نرى الأمور بوضوح؛ بسبب "ضغط" العاطفة، ولا بد من الاعتدال والسماح "للعقل" بالتدخل؛ لنحمي أنفسنا ومَن نحب أيضاً من "أخطار" المبالغة في الحب.. وأكره بالتأكيد أي قسوة في التعامل مع الأبناء أو عدم الاهتمام بهم في أي مرحلة من مراحل العمر، ولكني واثق أنكِ تشاركينني الرأي، أرفض "بشدة" أن يضرب الابن أباه تحت أي ظرف من الظروف، فالوالد هو باب الجنة الأوسط كما جاء في الحديث الشريف، وقد "أمرنا" الخالق "عزّ وجلّ" بالإحسان إلى الوالدين، وبحُسن معاملتهما حتى لو كانا من الكفار، ولا شك أن والده ليس كافراً، وربما ما كان يراه قسوة ليس إلا سوء مقدرة على التعامل لضعف معلوماته التربوية، ولا شك أن والده يُحبه ويُريده أفضل منه. أما عن قولكِ أن أي أب ينتظر تخرّج ابنه ليساعده ليبني "له" مستقبله، فهذه نظرة غير واقعية، فمعظم الآباء يعانون من الضغوط المادية المتزايدة؛ بسبب الغلاء ومنهم من ينتظر تخرّج الأبناء "ليساعدونه" في نفقات المعيشة، وفي الحديث الشريف: "أنت ومالك لأبيك"، والدين يُشجّع بالطبع على الإنفاق على الأبناء، ولكي تذكّري أن هناك نوعين من العطاء من الأهل؛ أحدهما عطاء الواجب وقد فعله والد هذا الشاب بالإنفاق عليه حتى تخرج.. والآخر هو عطاء الحب، وهو المزيد من الإنفاق بعد التخرّج، فهو شرعاً وعرفاً أصبح مسئولاً عن نفسه، وهذا لا يتعارض بالطبع مع "تفضيلنا" مساعدة الأهل لأولادهم على النهوض بمستقبلهم، "بشرط" أن يُشجّع الأبناء الأهل على ذلك بالأدب وحُسن المعاملة.. ولا شك أن العصبية الزائدة مع الأب والتطاول بالضرب لا يشجعان على ذلك.. وقد توقّفت طويلاً عند قولكِ إنه محترم جدًّا مع الجميع، وعصبي جدًّا مع والده، أي أنه "يستطيع" التحكّم في أعصابه مع الآخرين، ولكنه "يختار" أن يفقدها مع والده؛ لأنه "وضع" في عقله أن والده أخطأ معه منذ الصغر، وأنه كبر وسيأخذ "حقه" منه، وهذا هو سبب سوء تصرفاته مع والده.. لذا لا بد أن يتوقّف عن إيذاء نفسه بهذا التفكير الذي سيؤذيه دينياً ودنيوياً، فالعقوق من الكبائر، وقيل إن تقطيب الجبين أي "التكشير" من العقوق، فما بالنا بالضرب؟! ويبدأ عقابه في الدنيا ولا ينتظره في الآخرة فقط، حماه ربي وساعده على الانتصار على كل من إبليس والنفس المهلكة. ولا بد من تغيير كلامكِ معه ومِن "تحريضه" على أهله، دون قصد منك بالطبع، فحتى لو كان أهله أساؤوا إليه في الصغر فهذا لا يُبرر العقوق أبداً، ولا بد أن تخبرينه أنهم "يحبونه" ولم يقصدوا أي إساءة، فهي صدرت إما رداً على تصرفات سيئة منه، أو لقلة خبراتهم، وإن الأبناء لا يحق لهم "تأديب" الأهل، فهذا ضد ما يأمرنا به الخالق والذي لا بد أن تكون له المرجعية الأولى في كل خلافاتنا أليس كذلك؟ واسمحي لي أيضاً بكل الود والاحترام أن أطلب منكِ التأكّد من جديته، ومن استعداده المادي للزواج في وقت قريب، وألا تمنحينه أيه تجاوزات عاطفية أو أخلاقية، وألا تنفردي به أبداً، وأن تثقي أنك مسئولة أولاً عن حماية نفسك عاطفياً ونفسياً، وأن تنتبهي عند مساعدته حتى لا يجذبك للأسفل فهذا أسهل، وأن تخبريه -بحزم- أن عليه بأن يُغيّر من أسلوب تعامله مع والده، وأن "يتفرّغ" لبناء مستقبله مع الإكثار من الاستغفار واسترضاء والده حتى يرضى عنه الخالق ويمنحه حياة أفضل. ففي الحديث الشريف: "من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله؛ فليصل رحمه". ومعنى "ينسأ له في أجله": أن يزيد عمره ولا شك أن الوالدين أوْلى بالمعروف، وامنحيه وقتاً قليلاً، فإذا لم يتغيّر فاختاري الابتعاد حتى يتغيّر عملياً، ويبدأ خطوات واقعية لتحسين حياته ويتقدّم لخطبتك أيضاً، حتى لا تضيع منك سنوات "غالية"، وأنت تسعين لمساعدته ثم يتركك، أو تبتعدين أنت لإدراكك بعدم الجدوى، وتذكّري أنه لا أحد يتغيّر إلا إذا "اقتنع" بأنه يخسر "وحده" إذا واصل الحياة بنفس الأسلوب، وسيربح "كثيراً" إذا سعى للتغيّر.. وفقكِ ربي وأوصلكِ لبر الأمان دائماً..