إعادة تفسير فتاوى رجل الدين الشهير "ابن تيميّة" كانت هي المهمة التي حملها عدد كبير من رجال الدين، اجتمعوا في مدينة "ماردين" التركية، وكان من بينهم مفتي البوسنة "مصطفى كرك"، و"الحبيب بن علي الجعفري" وغيرهم. ففتوى ابن تيميّة تمّ استخدامها لتبرير العنف والتمرد والعصيان من جانب المتطرفين؛ حيث أعاد ابن تيميّة تعريف ما يسمى في الإسلام ب"دار السلام ودار الحرب"، وقام بتوسيع من يجوز مقاتلتهم إلى بعض المسلمين الظالمين؛ وذلك لأنه أصدر الفتوى في وقت كان المغول يسيطرون فيه على بلاد المسلمين. ويقول مفتي ماردين: إنه مهما علا شأن أي رجل دين؛ فإنه لا يصل بحال إلى مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذا فإنه لا ينبغي أن يطيع المسلمون رجل دين على حساب ما أمر به الرسول؛ إذ فرض صلى الله عليه وسلم حالة من السلام مع اليهود والمسيحيين، وكانت العلاقات معهم في عهده على أفضل ما يكون. ويضيف المفتي أنه على الرغم من أن ابن تيميّة كان ذكياً -بل وعبقرياً- إلا أنه شهد فترة طويلة من طغيان المغول ومعاملتهم السيئة للمسلمين؛ فضلاً عن تعرّضه للسجن على أيديهم لفترة طويلة، كما تعرّض للتعذيب أيضاً؛ حتى أنه لم يكن يستطيع تحريك إحدى ذراعيه قبل خروجه من السجن؛ مما أثّر على حكمه؛ رغم تأكيد تلاميذه -وعلى رأسهم ابن قيم الجوزية- أن حالته المعنوية كانت في أعلى مستوياتها. ويقول "أحمد أوزال" -المتحدث باسم المؤتمر: إن الهدف من وراء انعقاده، هو التوجّه بالحديث للغرب أكثر منه للعالم الإسلامي؛ مضيفاً أن اختيار مدينة "ماردين" جاء لكونها مدينة يتعايش فيها العديد من الأعراق والأديان في سلام، بالإضافة إلى خروج فتوى ابن تيميّة منها في السابق؛ موضحاً أن المدينة بها أتراك وكرد وعرب ومسلمون ويزيديون وسيريانيون يتعايشون في سلام، وهو ما يجعلها مدينة نموذجية للتعايش بين الناس بعضهم البعض. ولاشك أن مراجعة فتاوى ابن تيميّة المختلفة هامّ للغاية في هذه المرحلة؛ خاصة فتواه الخاصة بأن "محاربة الحاكم الظالم مقدّم على محاربة الكفار"؛ حيث أصدر ابن تيميّة هذه الفتوى في وقت التتار، الذين أعلنوا إسلامهم زوراً لتجنّب مواجهة المسلمين لهم، لعلمهم بأن قتال المسلم لأخيه المسلم يخرجه من الإسلام، وأنه إذا تقاتل المسلمون فإن القاتل والمقتول في النار. إلا أن الكثير من المتطرفين قرروا إسقاطها على الحكّام اليوم؛ على الرغم من أن الفتوى في الإسلام لا تنطبق إلا على الحالة التي تصدر بخصوصها؛ ولعل هذا يبرر الانقسام الكبير الحادث بين الكثير من الفقهاء المعاصرين على شخص ابن تيميّة؛ ففي الوقت الذي يطلق عليه البعض "شيخ الإسلام"؛ يسميه آخرون ب"شيخ الإرهاب"؛ رغم إقرار غالبيتهم بقدرات ابن تيميّة المتميزة؛ إلا أن الأزمة في أنه أصدر تلك الفتاوى في ظروف استثنائية للغاية؛ مما يجعلها غير ممكنة التطبيق في الوقت الحالي. والصراع حول فتاوى ابن تيميّة هو جزء أيضاً من الصراع بين فريقين من العلماء المسلمين في الوقت الحالي؛ أولهم يريد أن يسقط فتاوى الماضي على الوقت الحاضر دون تمييز؛ بينما يرغب الآخرون في إصدار الفتاوى الملائمة للعصر، وسط اتهامات للفريق الأول بالتشدّد والآخر بالتفريط. ولاشك أن هذا الانقسام بين العلماء يظهر أكثر بين الناس العادية، الذين أصبح منهم من يتمسك بفتاوى أهل القرون الماضية وكأنها "قرآن"؛ بينما يرفضها آخرون وكأنها أخطاء يجب التخلّص منها. ومع الوقت؛ فإن الكثير من المسلمين يفرّطون في صفتهم الأساسية التي تمنحهم القوة، وهي كونهم "أمة وسطاً".