آعدّها للنشر: عمرو حسن - محمد صلاح - سماح صادق - دعاء الشبيني في هذه الحلقة نواصل نشر ندوة الكاتب الكبير خالد الخميسي والتي استضافها موقع "بص وطل"، وتطرّق فيها الخميسي لعدد من الأمور السياسية والأدبية والأصداء العالمية التي صاحبت كتاب تاكسي وظروف تأسيسه لشركة إنتاج انتهاءً بثقافة الطفل الغائبة في مصر منذ أيام كامل الكيلاني. أصداء عالمية لكتاب تاكسي بالنسبة لتاكسي الذي ترجم لأكثر من لغة ما هي أكثر التعليقات النقدية التي أفادتك؟ أكثر ما أفادني في رأيي الشخصي كان د.عبد الوهاب المسيري، وقد كان لي الحظ والشرف، فأنا لم أكن أعرفه، وبعد ما كتبت الكتاب أرسلته للدكتور المسيري، الذي اتصل بي بعدها وأول كلمة قالها لي "يا واد يا تقيل"، استغربت جدا أن الدكتور المسيري يتلفظ بأقوال كهذه.. ولمن لا يعرف د.المسيري فهو رجل أكاديمي جدًا، أداؤه أكاديمي، نطقه للحروف أكاديمي، بطيء في القول واللفظ، متأنٍّ يختار ألفاظه، نموذج للرجل الأكاديمي، فشعرت بالدهشة عندما قال لي ذلك. ولكن هل هناك نقاد من دولة أخرى مختلفة فرنسيين أو إسبان أو إيطاليين تناولوا الكتاب بشكل جاد؟ نعم.. هناك نقاد من دول مختلفة تناولوا الكتاب بشكل جاد، لكن بصرف النظر عن الكتاب، أنا لم أرَ رؤية نقدية حقيقية تجاه الروايات التي صدرت طوال فترة السنين العشر الماضية، ربما أنا شخصيًا لم يكن لديّ الحظ كي أقرأ تحليلاً نقدياً جاداً لأية رواية صدرت خلال هذه الفترة، لكن قرأت مقالات صحفية بدرجة من المقاربة للنص، وقد أكون متجنياً في هذا. الجمهور عايز كده ولا الكاتب عايز كده أثناء كتابتك ل"تاكسي"، هل توقعت هذه الدرجة من القبول لدى الناس، فنحن كشباب نمر بأزمات وبحال بلد مش عاجب حد، وحضرتك بترصد اللي بيتقال في تاكسي، وكلنا بنركب تاكسي اللي بيرصد حال البلد دي، هل حضرتك كنت تتوقع إن الناس تحب تقرأ حال البلد اللي كلنا عارفينه؟ الحقيقة أنا لم أفكر على الإطلاق في القارئ وأنا أكتب، ربما تكون كلمة مش لطيفة، ولكن واقعيًا دعونا نأخذ آراء كثير من الكتاب، مثل بورخيس الذي قال في واحدة من حواراته وأصبحت بعدها مقولة شهيرة: "إن الكاتب يكتب لنفسه"، وهذه هي الحقيقة؛ فالكاتب في البداية عندما يكتب فهو يكتب لنفسه في البداية، ولا يفكر في القارئ، بل يكون لديه همّ ورغبة، لديه مشروع خاص به، لديه شيء ضاغط عليه. أما من يفكّر في القارئ فهو التاجر؛ لأن هناك كُتاباً تجاراً موجودين في العالم كله، فمثلاً هناك دورة اقتصادية مرتبطة بالنشر، هناك ناشرون يطلبون من الكُتاب اكتبوا لنا النهارده.. السوق يريد جرائم اكتبوا لنا تلاتة بيموتوا من serial killer! ليس لدينا شباك تذاكر؟ الكُتاب بيكتبوا ويدفعوا فلوس دون التفكير في الربح، ولا حتى نجيب محفوظ فكّر لوهلة أنه سيكسب؛ ففكرة أن يكسب شخص من الكتابة غير مطروحة، هل أنا كتبت تاكسي وأنا أفكر هل الكتاب ده ممكن يُقرأ ولا لا؟ القراء هيحبوه ولا لا؟ بالطبع لم يخطر هذا على ذهني، وعندما كتبته لم يكن لديّ أي فكرة ما إذا كان الكتاب له قيمة أم لا، إذا كان سينشره أحد أم لا. فيه حدوتة من الحواديت حذفتها بعد ما كتبت الكتاب؟ فيه حاجة استبعدتها؟ أنا لدي همّ بداخلي مرتبط بالتسجيل؛ فأنا أرى أن الكتابة الأدبية يُمكن أن تسجّل، وبالتالي أكتب أن هذا د.نظيف مثلاً في سفينة نوح فهذا من حقي. وأن هذا ليس خطأ، وفي "تاكسي" كتبت أسماء حقيقية كثيرة؛ لأن هذا كان فيه حسّ تسجيلي واضح، فكانت بعض القضايا حقيقية وكان بعض الشخوص حقيقيين، وبالتالي كتبت بعض الأسماء، ولكن المحامين فيما بعد رأوا أنها لا تصلح للنشر؛ لأنها تحتوي على سبّ وقذف، وهنا يوجد إشكالية فكرية، متى يُعتبر الكلام سباً وقذفاً، ومتى لا؟ أنا عندما أقول إن هناك حدوتة تقول إن فلان الفلاني استورد شيئاً ما فاسداً، وهذه الحدوتة ذُكِرت على لسان الناس، وهي حدوتة عامة تخرج تماماً عن فكرة أني أرغب في سبّ هذا الرجل، لكن أنا أكتبها؛ لأن كل الناس تتكلم عنها، أنا أرى أن تسجيل أشياء مثل هذه أمر هام. كم كان عدد الحواديت التي حُذِفت من "تاكسي"؟ أنا كتبت 58 حدوتة حذفت 10. حضرتك منحاز للاتجاه السياسي أكثر، حتى كتاباتك معظمها مرتبط بالواقع، ومرتبط بالسياسة، هل وفقاً لما سبق نستطيع تصنيفك ككاتب سياسي. لا يجوز. طيب هل دراستك أثّرت على كتاباتك؟ لا شك.. أي إنسان في الدنيا يتأثر تأثراً فادحاً بخبراته في عمومها سواء خبرات تعليمية أو أخرى مرتبطة بمكانته، فمن الصعب أن أكتب رواية تدور أحداثها في الريف 100% لأنني لم أعِشْ يوماً في الريف، من الممكن أن أتكلم عن قضايا الريف، تولستوي نفسه له مقولة جميلة أنه كتب كتاب "الحرب والسلام" بعد أن تطوّع في الجيش ليس كمحارب بل كشخص يخدم في الإسعاف، وعاصر فترة طويلة من حرب القوقاز، وبعدها كتب "الحرب والسلام"، وقال: "لا يمكن كتابة نص يكون الكاتب فيه غير متعايش معه"، وبالتالي فأنا متأثر بلا شك بما اكتسبته من معارف وخبرات من ضمنها دراستي للعلوم السياسية، "تاكسي" و"سفينة نوح" الهم السياسي فيهما واضح، المشروعات القادمة التي في ذهني مرتبطة أساساً بما يحدث في المجتمع المصري، وبعضها مرتبط بالسياسية، وبعضها مرتبط بالأنساق القيمية في المجتمع، أقول إني كاتب سياسي، لكن ممكن أقول إنني كاتب مشروعه الأدبي هو مشروع مرتبط ارتباطاً كبيراً بما يحدث في المجتمع المصري ومن بينها السياسة.
الإنتاج الأدبي قادر على تغيير الواقع لقد نقلت الحوار بين سائقي التاكسيات كما أنزل، ألم تخشَ أن يلصق بك السبة التي عادة ما تلصق بالكتاب عندما ينقلون ألفاظاً من هذه النوعية، بأنه لا يراعي مشاعر الأسرة المصرية التي تقرأ؟ أولاً: أنا لم أنقل أي شيء؛ فهذا الكتاب تم تأليفه 100% ولم يكن فيه نقل، هذه الحوارات هي نتاج لكل خبراتي، وهو مؤلَّف من خلال ما اكتسبته من معارف وشاهدته من أشياء مرتبطة بالمجتمع المصري، وبالتالي فهذا الكتاب ليس ريبورتاجاً صحفياً بل كتاب أدبي، يتناول ما يحدث في التاكسي بشكل متخيّل، ولكنه مستند بشكل كبير على الواقع وهدفه كتابة 58 شخصية معبرة عن الشخصية المصرية، وبالتالي كان من المستحيل أن أقوم بعمل حوارات بهذا الشكل بما أنك تكلمت من قبل على علاقة السياسة بالثقافة، فهل لي أن أسألك ما إذا كان الإنتاج الأدبي قادراً على تغيير السياسة؟ هناك تفاعل متصل ودائم بين البشر والأفكار والتيارات وبعضها البعض، وهذا التفاعل هو أساس التطور، فما قال هيجل في هذا المنحى شديد المنطقية وهو أن التفاعل والجدل يؤدي إلى تغيير الطرفين، وهما ليسا طرفين بل عشرات ومئات الأطراف التي تتجادل بصفة مستمرة، وبالتالي فالأمل كل الأمل أن تُحدث الثقافة تغييراً في قيم المجتمع. هل الفضل في ترجمة كتابك "تاكسي" يعود إلى دار الشروق أم إلى علاقاتك الشخصية؟ وهل عملية الترجمة أدت إلى تشويه المضمون؟ بالنسبة للسؤال الأول في رأيي الشخصي أن نجاح الكتاب التجاري هو ما أدى لذلك، ولا يعود الفضل لي أو لدار الشروق في ذلك، وللأسف الشديد يكون للمبيعات قول في موضوع الترجمة، وهناك أعمال أدبية عظيمة وهي أفضل عشرات المرات من كتاب "تاكسي" نُشرت في السنوات الماضية ولم تترجم؛ لأنها لم تحقق مبيعات كبيرة، وهي أحد العوامل التي تؤثر على موضوع قرار دار النشر في ترجمة كتاب بعينه. أما السؤال الثاني فيجب أن تعرف أن الترجمة خيانة للنص أيا كانت، ولكن بدون الترجمة لما كان يمكنني قراءة كل الأدباء مثل تولستوي وماركيز وبورخيس، فهل معنى ذلك أن الترجمات التي قرأتها لبورخيس هي خيانات للنص الأصلي، بالطبع هي خيانة، وأحيانا تكون شديدة القسوة؛ لأنه يقال إن أسلوب بورخيس شاعري رائع، ورغم ذلك بورخيس وصل لي بنسبة 60% على الأقل من خلال الترجمة. ولكن تاكسي حالة مختلفة؛ لأنه يتناول واقعاً شديد التماس مع الواقع المصري حتى على المستوى الجغرافي؟ وجهة نظرك اتضح أنها غير حقيقية بعدما أقمت العديد من الندوات في دول مثل إيطاليا وإسبانياوفرنساوإنجلترا، ووجِّهت لي أسئلة تعكس فهماً عميقاً للشخصيات واللغة، حتى أن كاتباً أرجنتينياً شهيراً قال لي خلال ندوة بفرنسا إنه عندما قرأ الكتاب بالإسبانية شعر وأن أحداثه تدور في بيونس أيرس وليس في القاهرة، وتلك كانت صدمة بالنسبة لي؛ لأنني تصورت أنني كتبت كتاباً قاهرياً بحتاً، فيبدو أن الإنسان واحد بصرف النظر عن المكان. لقد تحدثت عن التغيير في النسق القيمي خلال ال30 عاماً الماضية، فمن هو المثقف خلال ال30 سنة الماضية، كيف تغيّر، وما أكثر تغيير استوقفك أيضا في الشخصية المصرية خلال هذه الفترة؟ أنا دائما أرفض (أفعل) التفضيل، وبالتالي من الصعب أن أقول "أكثر شيء"، ولكن من الممكن أن أعطيك مثالاً، حالياً أكتب رواية تحت اسم "ثلاثون ليلة وليلة"، وهي رواية تتحدث عن الأزواج، وهي عبارة عن زوج وزوجة في حالة أزمة زوجية؛ فالرواية مهمومة بموضوع مرتبط بالأنساق القيمية المرتبطة بدور الرجل والمرأة، وتصور الزوج لدور الزوجة والعكس، فلو نظرنا كيف كان الرجل ينظر لدوره من 70 عاماً غير من 40 عاماً غير اليوم... كل ذلك أدى إلى ارتفاع أرقام الطلاق خلال ال15 عاماً الماضية حيث إن 33% من زيجات 2007 انتهى الحال بهم إلى الطلاق في 2008، فهو رقم مريع للغاية يعكس حالة ضغط اجتماعي كبير للغاية، وأنا مهموم بهذه القضية في الأيام الحالية، هذا مثال والأمثلة كثيرة جداً. في معظم إجاباتك كنت تتحدث عن قضية وفكرة، هل لا بد للأدب أن يحمل قضية، أم إنه وكما نرى كتابات كثيرة تصنف pop art أو الأدب للأدب، وبالتالي هل لا بد أن يحمل الأدب قضية؟ في الأدب لا يوجد صح وغلط، فكما قلت إن البشر قوس قزح، كذلك الأعمال الأدبية، فوالدي على سبيل المثال كتب كتاباً في الستينيات ينتقد فيه بعنف هؤلاء الكتاب الذين يكتبون أدباً بدون أي قضية عامة، وتحديداً ينتقد كتاب "في انتظار جودو"، هذا طبعاً منتمٍ لتيار اللامعقول والعبث... إلخ، وكان والدي يرى أن هذا التيار الأدبي هو تيار سيئ وخطير ولا بد من محاربته، وأنا الحقيقة لا أتفق معه في الرأي؛ فأنا أكثر تسامحاً، ربما بحكم اختلاف الفترة الزمنية، وليس لديَّ مانع أن أقرأ نصاً ينتمي لأدب اللامعقول، ولكن من الصعب عليّ أن أكتبه، ومن الصعب أن أكتب نصاً غير مهموم بقضية عامة، ولكن لا أدين الآخرين الذين لا يفعلون ذلك. فهناك مفكر إيراني كبير في فترة الخمسينيات والستينيات قال إن المثقف هو من يعمل على تغيير مجتمعه، والأديب هو من يكتب أدباً يهدف في قرارة نفسه إلى إحداث تغيير إلى الأفضل للقارئ وللمجتمع. في بداية حديثك تحدثت عن رفض الأمن لانضمامك للأسر الجامعية، وأنا حاليا أرى أن الوضع ما زال قائماً، فبما أنك دارس للاقتصاد والعلوم السياسية، كيف يمكن تغيير هذا الواقع الذي لم يتغير منذ سنوات؟ أنا قلت هذا المثل أثناء محاولتي سرد بعض الحواديت التي تصف حالة السحابة السوداء التي كانت تجثم على روحي أن شخصيا فترة وجودي في الجامعة، فالأمن مستمر وكذلك رئيس الجمهورية وكذلك الطوارئ، والقمع مستمر، والحلول تكمن في الفعل الثقافي الذي سيؤدي للتغيير لو كان حقيقياً ومتواصلاً، الأمن في الجامعات أشد وطأة من عام 81؛ فهو يتدخل اليوم بشكل أكثر فجاجة وأكثر قوة ووقاحة عن فترة وجودي في الكلية، حيث كنت اعتقد أن هذا منتهى التدخل الأمني، فمن جديد أقول إن الحل ليس بيدي فأنا لست رئيس حزب سياسي. وماذا عن الأمل؟ الأمل.. بالفعل هناك حراك سياسي واقتصادي وثقافي؛ فهناك حجم احتجاجات وتظاهرات في الجامعات والمصانع، والشباب هم صُناعها الحقيقيون، وبالتالي ما يحدث الآن سوف يؤدي إلى التغيير. في حوار لنا مع الأديب بهاء طاهر أكد أن أفضل علاج للكتابات الضعيفة هي حرية الكتابة نفسها، ورفض فرض القيود عليها حتى لو كانت ضعيفة.. فما رأيك؟ أوافقه بنسبة 100%، فالإشكالية الأولى أن كثيراً من الكُتاب يضعون قيوداً على أنفسهم فيما يسمى بالرقابة الذاتية الناتجة عن النظام التعليمي الفاشل، فلا بد لهؤلاء الكتاب أن يحاربوا ذاتهم بإلغاء كل ما هو رقابة ذاتية عليهم، أما بالنسبة للتجاوزات فستنتهي مع الوقت، ومع إرساء المعايير والقواعد في الكتابة، وهذه المعايير لن توضع إلا من خلال الكتابة، ومن خلال هذه التجاوزات التي نتجت عن مراحل بدء الكتابة على المدونات. كنت تقول إن الثقافة هي أساس التغيير.. لماذا إذن ليس لدينا كُتاب للأطفال يعملون على تثقيفهم؟ لا يمكن عمل كتاب للأطفال بدون ناشر، ومكتبات، وقدرة شرائية.. ففي المدارس المكتبات هي عبارة عن أماكن مغلقة لا يرتادها أحد، وكذلك القدرة الشرائية للأسرة المصرية محدودة، ودور الأطفال تُعرض عن نشر كتب الأطفال؛ لأنها مكلفة، فالدورة المالية والاقتصادية لنشر الكتب وطباعتها ونشرها أمر صعب. ليس هناك شك أننا تاريخياً وتحديداً في أوائل القرن العشرين اتبعنا سياسة نشر جيدة للأطفال، وكان هناك مشروعات جيدة؛ فكانت هناك قصص مستندة على تاريخنا العربي والإسلامي ومشاريع كامل الكيلاني، ومشاريع مرتبطة بعمل شخصية للأطفال مثل شخصية "سمير"، ولكن تم إجهاض هذه السياسات تماماً، وكتب الأطفال التي تنشر حالياً معظمها مترجَم، وهنا ننقل مجموعة من القيم الفكرية المختلفة بشكل كبير جداً عن القيم المتداولة أو التي نسعى لتوصيلها للأطفال.
المستقبل للصحافة الإلكترونية بالطبع هناك أزمة؛ فكتب المراهقة التي توجَّه للسن من 13 - 17 سنة غير موجودة على الإطلاق، وبالتالي هذه الفئة العمرية ليس لديها حل سوى عدم القراءة، أو قراءة الكتب الموجهة للكبار، ففي إحدى الندوات التي حضرتها في فرنسا كان أحد بائعي الكتب يمتهن مهنة غير موجودة في مصر؛ وهي المهنة التي تحدد الكتب التي ستشتريها المكتبة من الناشر، وبالتالي كل واحد منهم يقرأ على الأقل 500 أو 600 عمل في العام، وقد أكد أحد هؤلاء الأشخاص أن أهم الكتب تلك التي تستهدف شريحة المراهقين؛ لأنها هي ما تحدد ما إذا كان الشخص سيكون قارئا أو لا، ولدى سؤالي "المكتبجية الآخرين" أكدوا جميعاً أن هذا القسم هو قسم حياة أو موت، وهو قسم ليس له وجود أصلاً في مصر، وأنا شخصيا لديّ رغبة حقيقية أن أكتب لهذه الشريحة العمرية، وليس لديَّ فكرة متى سيحدث ذلك أو كيف أو ما إذا كنت سأنجح أم لا ولكني لدي أمل. مع احترامي لكلام حضرتك.. لكن روايات مصرية للجيب تُوجَّه تحديداً لهذه لمرحلة العمرية، وأنا من قرائها، وأثرت فيّ!؟ لا يمكنني أن أدّعي أنني قرأتها، فأنا في مرة من المرات سُئلت هذا السؤال، فاقتنيت واحدة وتصفحتها، الانطباع الذي لديّ أنها كتب تفتقد للأصالة والقيمة الأدبية. أعود من جديد لتجربة فرنسا على سبيل المثال لأنني قريب من الثقافة الفرنسية، فهي كل عام تُصدر حوالي 500 عمل أدبي، لهذه الشريحة العمرية ونسبة كبيرة من هذه الأعمال لها قيمة أدبية في حد ذاتها، ولها وزن أدبي، وأصيلة من ناحية الإنتاج الأدبي، ومن ناحية الإبداع الأدبي، ويبدو لي أن المجموعة التي تقولين عليها تفتقد لهذا، وإن كان مجرد انطباع؛ لأني لم أطّلع عليها بجدية. لقد أنشأت شركة للإنتاج الفني، من أين واتتك الفكرة، وهل يمكن أن نرى عملاً من أعمال حضرتك من إنتاج شركتك؟ بعد عودتي من فرنسا كنت أنوي العمل إما صحفياً أو أستاذاً جامعياً وكنت سجلت الدكتوراه، وكتبت فيها 60 أو 70% وكان يتبقى لي 7 أو 8 شهور حتى أناقشها، وكنت على وشك التدريس في جامعة قناة السويس؛ لأنها أنشأت قسماً جديداً للعلوم السياسية، وفي الوقت نفسه كنت صحفياً في جريدة الأهرام، ثم عدت من فرنسا وقررت مقابلة أصدقائي الذين لم أرهم منذ زمن، ودعوتهم على عشاء يشمل أرزاً ومكرونة بالبشاميل وسبانخ، واكتشفنا أننا نسينا السلطة، فذهبت للمحل واشتريت طماطم وخيار وليمون وخس وبقدونس، وتاني يوم فكرت في الثمن الذي دفعته كي أشتري مكونات السلطة، واكتشفت أن ما دفعته لشراء هذه السلطة لو ضربته في 30 سيتخطى المرتب المعروض عليّ في كلا المهنتين، واكتشفت أني أحب السلطة جدا، ومن الصعب أن أستغني عنها، ناهيك عن باقي المستلزمات، ولكنني اليوم أقول إني كنت مخطئاً. وهكذا غيّر حياتي فعلاً طبق السلطة؛ لأني قررت أن أعمل شيئاً أتحصل منه على أموال، تسمح لي أن أشتري طبق سلطة يومياً، ففكرت في عمل دار نشر، طبعا أنا فاشل فشل تام ومطلق في كل ما هو ماليّ. واكتشفت أن الموضوع مكلف مالياً، ولا بد أن يكون لديّ أموال للتوزيع، واكتشفت أن الموضوع كبير وأنا ليس لديّ الأموال كي أشتري سلطة، فما بالك بدار نشر، فجاءت فكرة عمل شركة إنتاج تنتج من أموال التليفزيون أعمالاً مرتبطة بالثقافة وبالإنتاج الثقافي فبدأت في هذا الموضوع.
الشق الثاني من سؤالك لا أظن أني أهتم أن أنتج شيئاً كتبته؛ لأني في الواقع كتبته لأني شايفه يتكتب بالشكل ده، ولو شركة إنتاج مهتمة تنتجه دي حاجة تسعدني، لكن أنا شخصياً غير متحمس للإنتاج، أنا قمت به لأني مضطر لكي أعيش ولدواعٍ اقتصادية بحتة، ولو تريد سؤالي إنت عاوز تعمل إيه في حياتك؟ هاقول لك أنا عاوز أكتب فقط لا غير، وبقالي 4 سنين باكتب فقط لا غير، ومش عاوز أعمل حاجة ثانية. توقعاتك للصحافة المطبوعة والإلكترونية هل هناك تصادم أم هناك تكامل، أم إن الصحافة الإلكترونية ستطغى على الصحافة المطبوعة أو فكرة الكتاب المطبوع بشكل عام؟ هذا السؤال محسوم في أوروبا، ولا خلاف عليه، ولو سألته لأي مواطن أوروبي الجنسية سيجيب إجابة قاطعة وهو مطمئن تماما، أن الصحافة الإلكترونية هي الحاضر المنتصر المهيمن. الصحافة الورقية هي صحافة اليوم تسعى للتواجد بالتحول إلى صحافة إلكترونية، مثلا جريدة "اللوموند" تنفق جزءاً كبيراً من أموالها على التحول تدريجياً لصحافة إلكترونية مجبرين مضطرين مدركين أنها مسألة لا فكاك منها. بالنسبة لمصر الوضع مختلف تماماً؛ لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي مختلف، في مصر هناك صحف ورقية بدأت في الظهور خلال الخمس سنوات الماضية، جريدة الشروق التي أكتب فيها كل أحد، صدرت من عام وشهر، من المستحيل تصور أن جريدة تصدر في فرنسا أو إنجلترا أو إسبانيا أو إيطاليا من سنة وشهر، مستحيل أن يفكر أحد وإلا يكون مختلاً عقلياً ومجنوناً ويدخل فوراً لمستشفى الأمراض العقلية. لدينا من 40 إلى 50% أمية. وهناك نسبة أمية إلكترونية كبيرة جداً، الأرقام المتداولة أن هناك حوالي 5 أو 6 مليون شخص فقط يرتادون الصحافة الإلكترونية في مصر. أنا رأيي الشخصي بالنسبة لمصر هنا، أنه لا يوجد أي تنافس فيما بينهم، وأنهما يتكاملان، وأنه خلال السنوات القليلة القادمة لن يطغى أحد على الآخر، وأن الصحافة الورقية ستستمر في مصر لدواعٍ اجتماعية؛ لأن الثقافة المصرية ثقافة بطيئة جداً في تغييرها، وأنه حتى اليوم هناك من يشتري الأهرام.. تخيلوا! وهل ستؤثر الأعمال المترجمة على أعمالنا الأدبية؟ بشكل عام لن تؤثر الأعمال المترجمة على الأدب المصري على الإطلاق، الأعمال الأدبية في كل دولة مرتبطة بهموم الأدباء في كل دولة، ولا يوجد علاقة بين الإنتاج الأدبي والترجمة، إنما الترجمة لا بد من دعمها، لا بد من نشرها، فنحن ما زلنا نحبو في مبيعات الكتب. اختيار "سفينة نوح" كاسم للكتاب، وفكرة الهجرة غير الشرعية، على الرغم من أنه في الهجرة السفينة تغرق بعكس سفينة نوح التي تنجو بمن فيها ويبنون حياة جديدة؟ هل هذا فيه تناقض أم إنه مقصود؟ ليس فيه تناقض وليس مقصوداً، نحن هنا نتكلم على فكرة فلسفية، رواية "سفينة نوح" من وجهة نظري لا تناقش الهجرة غير الشرعية أصلاً، وبداية أنا معترض اعتراضاً كاملاً على مصطلح "الهجرة غير الشرعية" هذا من ضمن المصطلحات الحكومية التي يتم تصديرها للناس، والناس تستعملها -تصريح وزارة القوى العاملة- نحن لدينا مشكلة كبيرة خاصة بالمصطلحات، أنا أقترح إن "بص وطل" كموقع من المواقع الهامة المقروءة في الوطن العربي يهتم بقضية المصطلحات المتداولة ومحاولة مناقشتها. "سفينة نوح" تتحدث عن فكرة أن حلم بكرة في بلدنا أصبح غير مطروح بما فيه الكفاية، إن الحلم في بكرة كبير جدا، بكرة ممكن يتحقق في الخارج، طب إحنا خلفنا نسافر عشان الأولاد يتعلموا تعليم نضيف، فكرة السفر عشان بكرة موجودة بقوة في المجتمع المصري، الرواية بتناقش هذا الهم الإنساني، بتناقش الضغط النفسي على الإنسان المصري النهارده. سفينة نوح مجرد حالة رمزية لفكرة إنه فيه طوفان يا جماعة وإحنا بنفكر إن بكره أفضل يبقى بره، نخرج من هذا المكان لأن الطوفان قادم أو جه فعلا وبيضرب اليابسة اللي إحنا واقفين عليها النهارده، فلا داعي لتعقيد الموضوع زيادة عن اللزوم، وتقول كلاماً شديد التعقيد؛ لأنها مجرد حالة رمزية لحالة إنسانية مرتبطة بأن "الطوفان بيخبط أرواحنا بعنف الآن". في رأيك كخالد الخميسي الطوفان ده جه وابتدا ولا جاي قريب؟ أنا رأيي إن الطوفان جه وبينتهي.. ده رأيي الشخصي، الطوفان جه من زمان مع السيد الرئيس محمد حسني مبارك وإنه ضرب المجتمع المصري بعنف في كافة نواحيه.. ضرب القيم المصرية وضرب نظام التعليم في مصر، طوفان حقيقي وكامل ووصل لروحنا، وما يحدث الآن هو محاولة حقيقية من المجتمع المصري لتخطي مرحلة الطوفان، وإنهاء مرحلة الطوفان لمرحلة جديدة، وسوف يحدث تغيير إيجابي في الفترة القادمة، وما يحدث وسط الشباب النهارده من هم واضح عندهم ومن نشاط واضح، ومافيش مقارنة بين نشاطات شباب النهارده وهمهم الاجتماعي النهارده عنهم من 20سنة. ونشاط المجتمع المدني النهارده بيعكس حالة فوران هتؤدي للتغيير، وأنا عندي يقين إن بكرة قادم وقريباً.