هذه المقالات ستثير حتماً موجة من الغضب والاعتراض، أكبر من أية مقالات سابقة، وربما آتية (والله أعلم).. وليس هذا لأنها تخالف الآداب.. أو المنطق.. أو العقل.. أو حتى الدين.. بل لأنها -وبكل بساطة- ستخالف تلك المفاهيم الخاطئة عن الدين، والتي ظل شباب هذا الجيل يسمعونها، ويرونها، ويردِّدونها، حتى صار قسم كبير منهم (وليس كلهم)، يكاد يجزم بأنها حقيقة، دون أن يُعمل عقله لحظة واحدة.. ربما لأن ذلك السيل الرهيب من الفضائيات "المتأسلمة"، قد سيطر على عقله، وهيمن على كيانه، فلم يترك له مساحة للتفكير وإعمال العقل.. أو لأنه، من أجل السيطرة على العقول، أوهم البعضُ شبابَ العصر، بأن التفكير مكروه، وربما حرام أيضاً.. واكتفى الشباب بما سمعه.. وأغلق عقله.. وكيانه.. وتفكيره.. وكما أمروه أو أقنعوه، أطاع بلا مناقشة.. العقل يقول إن الطاعة العمياء ليست أمراً.. وربما لا تكون مطلوبة أحياناً.. وخاصة طاعة البشر.. فالبشر، مهما بلغت مكانتهم.. مجرد بشر.. بشر يصيبون.. ويخطئون.. ويتجاوزون.. ويعْدلون.. ويظلمون.. والأدهى، أنهم بشر، ينفعلون، وكثيراً ما تأتي قراراتهم وتصرفاتهم وليدة الانفعال.. أو الغضب.. أو حتى الرغبة في حماية من يحبون.. أو ما يحبون.. أو ما يعتنقون.. فهم حتماً، ليس لديهم ذلك العدل الإلهي المطلق.. لأنهم بشر.. مجرَّد بشر.. هذا ما نسيه أتباعهم، الذين أطاعوهم، ونفَّذوا ما أمروهم به، باعتبار أنهم كلمة الله سبحانه وتعالى في الأرض، على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه كان هناك من يخالفه الرأي، لو رأى في مخالفته نفعاً للأمة وصيانة لها.. ما من بشري معصوم من الخطأ.. ما من بشري.. على الإطلاق.. وهذا يعيدنا إلى قضية الطاعة.. وخاصة فيما يضر.. ففي بعض الأحيان، تمتزج المشاعر الشخصية، والانفعالات الحياتية بالعقيدة، وحتى نمنح أنفسنا شرعية إفراغ مشاعرنا أو انفعالاتنا، نقنع أنفسنا بأن هذا ليس مزيجاً، وإنما هو العقيدة نفسها.. وفي غمرة هذا، قد ننسى العقيدة.. أو ما أمرنا به خالقنا عزَّ وجلَّ.. فالله سبحانه وتعالى أمرنا دوماً بكل ما هو جميل، وكل ما فيه الرحمة والمغفرة والحب، هذا ما بهر غير المسلمين، في أزهى عصورهم.. السماحة.. والحب.. والرحمة.. والتواضع.. ولكن في العقود الثلاثة الأخيرة، انقلبت الصورة فجأة رأساً على عقب.. ظهر جيل جديد، يدعونا إلى الغضب.. والكراهية.. والمقت.. والانتقام.. والعنف.. والقهر.. والأسوأ أنه وضع كل هذا في بوتقة العقيدة، وحاول إقناع كل من يستمع إليه، بأن ديننا يدعونا إلى كل تلك المشاعر السلبية، التي أطلق عليها زيفاً وبهتاناً لقب الجهاد، على الرغم من أن الجهاد الأكبر، كما علمنا رسولنا الكريم، هو جهاد النفس.. وجهاد النفس يعني كظم الغيظ.. وكبت الغضب.. ومقاومة الانتقام.. وقتل الغل في النفوس.. ولكن ذلك الجيل الجديد، خالف كل ما أمر به أعظم الأديان، وطالب مستمعيه بإطلاق العنان لمشاعرهم وغضبهم وانفعالاتهم، دون أن يدرك أن كل تلك المشاعر أشبه بوحش كاسر، لو انطلق من عقله، فلن يحدد له هدفاً، وإنما سينطلق متعطشاً للدم، متلهفاً للتدمير والانتقام، شغوفاً بأن يحطم ويؤذي خصمه.. ولو أننا راجعنا أي كتاب بسيط، عن تاريخ الإسلام؛ لأدركنا أن تلك المشاعر العنيفة والسلبية، لم تكن أبداً جزءاً منه.. بل على العكس، كانت ضده.. وعلى طول الخط.. هذا لأنه حتى الجهاد، يحتاج في البداية إلى أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، ومن رباط الخيل.. ولكننا لا نفعل.. بعضهم يتصوَّر أنه، لمجرد أنه يستورد أسلحة من الغرب؛ ليقاتل بها الغرب، فقد نفذ بهذا ما أمره به خالقه عزَّ وجلَّ، وأعدّ لهم ما استطاع من قوة!!.. فماذا لو أنهم أعطوه يوماً ما أسلحة بدائية، أو صغيرة، وطوَّروا هم بالعلم والعقل والمعرفة أسلحة رهيبة، قادرة على سحقه وتدميره فيما بعد؟! ماذا لو أنهم واصلوا تطوَّرهم؟! وواصل هو الاستعانة بهم؟! من سيصبح الأقوى بعد عشرة أعوام؟! ومن سيسود بعد مائة عام؟! من يصنع ويطوِّر السلاح، أم من يحصل عليه كمنتج نهائي؟! المعادلات كلها معكوسة.. ومقلوبة.. ومخالفة للعقل والمنطق والتفكير المرتب السليم.. هذا لأننا، في الواقع، لم نحسبها.. ولم ندرسها.. ولم ندرك أنه هناك في النهاية، حساب.. ولنا بقية,,,