لقد كرّم الإسلام المرأة تكريماً لم يكُن في الأمم السابقة، وجعل النساء شقائق الرجال، وجعل دور المرأة مكمّلاً لدور الرجل، والعكس صحيح أيضاً، فالكل يحتاج إلى الكل حتى يتكامل المجتمع.. والمرأة مكلّفة بالتكاليف الشرعية مثل الرجل كما قال سبحانه وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]. لكن هل معنى ذلك المساواة في كل الأعمال بما في ذلك الأعمال الشاقة مثل الجهاد (القتال) لا سيما وأن طبيعة المرأة البدنية قد لا تكون مثل الرجل في حمل السلاح؟ وهل هذه الطبيعة تمنع المرأة من المشاركة في الحرب الحديثة التي صار الاعتماد فيها على الأسلحة والتكنولوجيا أكثر من الاعتماد على القوة البدنية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها حاول فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الإجابة عنها في كتابه الرائع "فقه الجهاد". ممرضة بل ومقاتلة كانت المرأة في البداية يوضِّح الدكتور القرضاوي أن المرأة على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) كانت تخرج في الغزوات، وكانت النساء يقمن بسقاية الجيش ومداواة المرضى، والكل يتذكر اسم السيدة "رفيدة" التي تعتبر أول ممرضة في الإسلام؛ حيث كانت تداوي جرحى المسلمين في خيمتها التي صارت في حينها أول مستشفى ميداني، بل إن بعض النساء كانت تشارك في القتال والذود عن رسول الله (عليه الصلاة والسلام) تحديداً كالسيدة "أم عمارة الأنصارية" في غزوة أُحُد، التي قال عنها الرسول (صلى الله عليه وسلم): "ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً يوم أُحُد إلا وأنا أراها تقاتل دوني". ونفس الأمر حدث على عهد الخلفاء الراشدين في مواجهة الروم، ومن ذلك ما يروى عن السيدة "أسماء بنت يزيد الأنصارية" التي قامت بقتل سبعة وفي رواية تسعة من الروم بعمود خيمتها. فها هي المرأة تخرج من المدينة إلى الشام ليس للسقاية ومداواة المرضى فحسب، وإنما للقتال إذا لزم الأمر، وهي تستخدم في ذلك أي وسيلة للدفاع عن نفسها وأمثالها.. الأمان من الأسر شرط الخروج لكن خروج النساء إلى هذا الجهاد خارج حدود الدولة المسلمة له ضوابط وشروط أوضحها الفقهاء، وهي أن تكون في جيش آمن حتى لا تتعرض المرأة للسبي (الأسر)، وحتى لا تصبح عبئاً على جيش المسلمين، لذا كره بعض الفقهاء خروج النساء إلى أرض العدو في مثل هذه الحالة، لذا فالأمر هنا يخضع لفقه الموازنات، أي الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على الخروج. جهاد المرأة بدون إذن الزوج ممكن هنا يسرد الدكتور القرضاوي آراء الفقهاء في التفرقة بين جهادين: - جهاد الطلب الذي يتم خارج حدود بلاد دولة المسلمين، فهنا لا يجب الجهاد على المرأة، ولكن يمكن أن تخرج تطوعا -أي أن الأمر اختياري بالنسبة لها- ابتغاء الأجر والثواب. - جهاد الدفع أي الذي يأتي فيه العدو لملاقاة المسلمين داخل أراضيهم، هنا يكون الجهاد فرضا على المرأة مثل الرجل، بل إن لها أن تخرج للجهاد بدون إذنه؛ لأن الخطر هنا عام على البلد وعلى الجماعة، وإذا تعارض حق الفرد (الزوج) وحق الجماعة (الدولة) تم تقديم الثاني على الأول. مع ملاحظة أن الدور الذي يُطلب من المرأة هنا قد يختلف عن الدور الذي يُطلب من الرجل؛ فكل منهما مطالب ببذل ما يقدر عليه في دفع العدو حسب طاقته؛ بمعنى عدم اشتراط أن تقوم بالقتال، فيمكن أن يكون لها دور آخر في المعركة، وهنا يأتي دور الدولة في تنظيم الأدوار وتحديدها، سواء الخاصة بالرجال أو النساء. الحج جهاد المرأة لقد عمل الله على تكريم المرأة بعدم تكليفها ما لا تطيق، فالمرأة قد لا تقدر على القتال، لذا عفا الله عنها في ذلك، وأوجد لها البدائل التي قد تجعلها تأخذ ثواب المجاهدين. ومن هذه البدائل الحج والعمرة فهما بمثابة الجهاد للمرأة والرجل الضعيف، كما روى البخاري عن السيدة عائشة أنها استأذنت النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجهاد، فقال "جهادُكنَّ الحجّ"، وفي حديث آخر جهاد الكبير (أي الشيخ العاجز أو الضعيف) والمرأة "الحج والعمرة". وهذا دليل على أن الجهاد (جهاد الطلب) ليس واجباً على المرأة، وإن كان لها أن تتطوع لهذا الجهاد. المرأة والحرب الحديثة لكن ماذا عن دور المرأة في الجهاد في الحرب الحديثة؟! هل تُحرم من المشاركة بسبب ضعف قدراتها البدنية؟ أم إن هذا الدور يظل قاصراً كما كان في السابق على التمريض وسقاية الجنود؟ هنا يؤكد القرضاوي على أن المرأة المُدّربة المتعلمة يمكن أن تقوم بدور الرجل في هذا الشأن، وضرب مثلاً بنساء العدو الصهيوني اللاتي يشاركن في المعركة بجانب الرجال. لذا يعتقد القرضاوي أن المرأة المسلمة بإيمانها وحماسها وشجاعتها يمكن أن تساهم في مساعدة الجيش المسلم المقاتل بأكثر من الإسعاف والتمريض، وفي هذا الصدد تعدُّ المرأة الفلسطينية الاستشهادية خير مثال على ذلك. واقرأ أيضاً مع القرضاوي: انتشار الإسلام بالسيف.. قول مردود عليه (7) مع القرضاوي: هل لازم نجاهد في فلسطين؟ (6) مع القرضاوي: هل يجب الجهاد مرة كل سنة؟ (5) مع القرضاوي: الجهاد بالنفس من أجل أرض فلسطين (4) مع القرضاوي: رسالة للفنانات المحجبات.. الاعتزال ليس الحل (3) مع القرضاوي.. الجهاد ولا التربية.. ربّي نفسك أولاً (2) في معنى الجهاد.. جاهد نفسك قبل مجاهدة عدوك