اختفى "شهرام أميري" الفيزيائي النووي صاحب الثلاثين عاماً لدى وصوله إلى السعودية التي كان يزورها رسمياً لأداء فريضة الحج، ولم يُستدل حتى الآن على مكان وجوده. ليست الجمل السابقة من صفحة جريدة مقطوعة، ولكنها ملخص الأخبار التي تصدّرت الساحة الإيرانية في شهر يونيو من العام الماضي، والخاصة باختفاء العالم النووي الذي وجهت إيران تهمة اختطافه إلى الولاياتالمتحدة العدو الأول للجمهورية الإسلامية. وفي الحادي والثلاثين من مارس من عام 2010 أعلن رسمياً عن فرار العالم الفيزيائي إلى الولاياتالمتحدة ليتعاون مع جهاز "سي آي إيه".. ولكن مَن هو هذا العالِم الذي وصفه المراقبون بأن قصته كانت عامل تعقيد في العلاقات الأمريكية - الإيرانية؟ مَن هو "شهرام أميري"؟ كانت السلطات الإيرانية منذ البداية وحتى الأمس تصف "شهرام أميري" بأنه "معتمر عادي" و"مواطن إيراني" و"مواطن إيراني اختطفته أمريكا بهدف التآمر ضد إيران".
إلا إن مواقع إيرانية ذكرت نقلاً عن عائلته وزوجته أنه باحث نووي في جامعة "مالك عشتار" متخصص في الاستخدام الطبي للطاقة النووية، بينما أشار موقع "جانا نيوز" المحافظ المقرّب من الاستخبارات الإيرانية إلى أن أميري عالم نووي عمل في منشأة "قم" السرية لتخصيب اليورانيوم التي تم الكشف عنها في سبتمبر الماضي. ولكن وسائل إعلام دولية ومنها صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة في لندن قد قدّمت "شهرام أميري" على أنه "عالم ذري إيراني ورئيس موقع فردو النووي"، إلا أن السلطات الإيرانية لا تزال تمتنع عن تأييد هذه المعلومات، وتصرّ على اتهام الولاياتالمتحدة باختطاف مواطن إيراني عادي. لكن إيران أصرّت من جانبها على أنه "مواطن عادي كان في سفر إلى مكة لأداء مناسك العمرة بمفرده" في حين يتحدث الجميع عن أميري بصفته "عالماً ذرياً ورئيس موقع فردو النووي" بالقرب من مدينة قم. وكان والد أميري قد أجرى في وقت سابق مقابلة مع وكالة "إيسنا" الطلابية قال فيها إن شهرام أميري كان مسئولاً عن مشاريع مختلفة في مجال الفيزياء الطبية وكان عمله بعيداً عن المشاريع النووية.
وفي خضم تضارب المعلومات حول شهرام أميري اتفقت أسرته مع ما أعلنته السلطات الرسمية الإيرانية بخصوص توجّه الرجل بمفرده إلى مكةالمكرمة لأداء مناسك العمرة، كما أنها أدلت بتصريحات بعد الرسالة التي بعثها وزير الخارجية الإيرانية في سبتمبر الماضي إلى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وطلب منه التدخل لإطلاق سراح "مواطن إيراني اختطفته الولاياتالمتحدةالأمريكية". اتهام السعودية بالضلوع في الاختفاء على الرغم من تضارب التصريحات جاء التوصل النهائي من جانب الحكومة الإيرانية إلى أن "أميري" مواطن عادي اتهمت إيران حينها السعودية باختفاء العالم النووي، بتسليمه إلى أمريكا لينضم إلى قائمة تتضمن 11 إيرانياً سجناء في الولاياتالمتحدة، إلا أن الرياض أعربت عن استغرابها لهذه الاتهامات قائلة إن المملكة تستقبل مليون معتمر وحاج إيراني سنوياً، وأنهم يخضعون لإشراف بعثات دولهم الرسمية التي تشرف على تسكينهم ومواصلاتهم. سيناريوهات الاختفاء تحدّثت مواقع إيرانية عن ثلاثة سيناريوهات بخصوص اختفاء العالم النووي "شهرام أميري"؛ الأول يرى أنه قد كان على اتصال مسبق بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وخوفاً من أن يكشف أمره فضّل الفرار إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما السيناريو الثاني فيرى أن الاستخبارات الغربية وبالتحديد الفرنسية والأمريكية كانتا تراقبان أميري فأقدمتا على اختطافه في العمرة، والثالث يُفسّر بأن هروبه ناتج عن استيائه من الأوضاع الداخلية في إيران ففضّل اللجوء إلى جهات غربية. ولكن واشنطن نفت وقتها على لسان مسئول بالخارجية الأمريكية أن يكون لدى واشنطن أي معلومات حول "شهرام أميري" أو "علي رضا أصغري" الذي اختفى في تركيا 2006. وأوضح المسئول ل"الشرق الأوسط": "ما نفهمه هو أن الحكومة الإيرانية تبحث عن شخصين مفقودين؛ وهما شهرام أميري وعلي رضا أصغري. ليس لدينا أي معلومات حول هاتين الحالتين". شبكة الABC تُفجّر المفاجأة إلى هنا والقضية نادراً ما تثار وحلّت بدلاً منها قضايا فرض العقوبات الدولية من الولاياتالمتحدة وأوروبا على إيران، ومحاولة الصين للوقوف بجانب الجمهورية الإسلامية ومحاولات أخرى من روسيا إلى أن أعلنت محطة التليفزيون الأمريكية "آي بي سي نيوز" أن عالماً نووياً إيرانياً رفيع المستوى فرّ إلى الولاياتالمتحدة وهو يتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وأضافت المحطة الأمريكية أن العالم النووي الإيراني "شهرام أميري" الذي كان مفقوداً منذ فترة قد لجأ إلى الولاياتالمتحدة، وأنه يعمل حالياً على تقديم المساعدة لوكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA". ونقلت شبكة "ABC" عن مصادر مطلعة أن العالم النووي موجود الآن داخل الولاياتالمتحدة وذلك ضمن عملية تم التخطيط لها منذ فترة طويلة لأن يغادر إيران. وأضافت أنه تعرّض لاستجواب مكثّف منذ وصوله وأنه ساهم في تأكيد بعض التقارير الاستخبارية الأمريكية حول برنامج طهران النووي.
والنتيجة.. اعتبرت عناصر من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تصريح لمحطة "آي بي سي نيوز" أن فرار "شهرام أميري" هو بمثابة انتصار للمخابرات الأمريكية في إطار الجهود الأمريكية التي تبذل للتصدي للبرنامج النووي الإيراني. ونقلت "آي بي سي نيوز" عن مصادر فضّلت عدم الكشف عن هويتها وكانت على علم بالعملية من قبل مسئولين في المخابرات قولها إن اختفاء هذا العالم "يُشكّل جزءاً من عملية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية خططت لها منذ زمن طويل كي يقوم بعملية الفرار". ولكن التساؤل الآن هل هذه جولة جديدة من الحرب العدائية بين الولاياتالمتحدةوإيران انتصرت فيها أمريكا بشهادة المراقبين؛ أم نهائة لحالة من السجال أثبتت فيه الولاياتالمتحدة إن صمتها هو الأكثر فائدة من التصريحات الرنانة لكبار القادة الايرانيين وعلى رأسهم أحمدي نجاد نفسه؟! تبقى الإجابة مسئولية الأيام القادمة.. فلننتظر