يُعد الملف النووي الإيراني من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الوقت الحالي حتى في أوساط الباحثين وصناع السياسة الخارجية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فعلى الرغم من أن غالبية الآراء تدعو إلى توجيه ضربة عسكرية ضد إيران لمنعها من امتلاك قنبلة نووية، هناك من يرى أن واشنطن يجب ألا تقوم بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران أو حتى التهديد بذلك. ومن المقالات التي تعكس الاتجاه الرافض للتهديد بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، مقال بعنوان "حول التهديد بضرب إيران" تم نشره على موقع معهد بروكينجر الأمريكي، بتاريخ 16 مارس 2010، قام بإعداده كل من بروس ريدل، الباحث في مركز سابان للسياسات الشرق الأوسط، ومايكل أوهانلون، مدير إدارة البحوث بمجلة السياسة الخارجية. ويبرر المقال دعوته لعدم ضرب إيران بعدة أسباب، فمن ناحية أولى لا تعرف واشنطن أماكن كل المنشآت الإيرانية لتخصيب اليورانيوم التي توجد تحت الأرض، ومن ثم فمن الصعب ضرب هذه المنشآت، والتي يمكن لإيران إعادة بنائها بعد الضربة، أي أن مثل هذه الضربة يمكنها أن تعرقل برنامج إيران لبناء القنبلة النووية، ولكن لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات. من ناحية أخرى إذا سمح الرئيس أوباما بمثل هذه الضربة وخصوصا دون تفويض من الأممالمتحدة، فسيعتبر كثيرون أنه يكرر أخطاء الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ومن ناحية ثالثة ستساعد هذه الضربة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على تحسين وتدعيم موقفه السياسي المحلي. بل يرى المقال أنه يجب على إدارة أوباما الامتناع عن التهديد باستخدام القوة العسكرية ضد طهران؛ لأن ذلك يُلزمها باستخدامها إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية في إرغام إيران على الحد من نشاطها النووي، وإلا سيؤدي ذلك لتهديد مصداقية الولاياتالمتحدة، وإضعاف قدرتها على التهديد باستخدام القوة مستقبلاً. لذا من الأفضل لإدارة أوباما أن تكف عن الحديث علناً عن الخيار العسكري، وأن تخبر حلفاءها الإقليميين أن الضربة العسكرية مستبعدة تماما في الوقت الحالي. كما يحذر المقال من احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران بدون تقديم إنذار تكتيكي للولايات المتحدة؛ إذ سيؤدي ذلك إلى تورط واشنطن في نظر الكثير، ويدفع المقال بأن واشنطن بإبقائها على الخيار العسكري مطروحاً، فهي تُشرّع ضمنياً حق إسرائيل للقيام بذلك. ومن الناحية العسكرية، فإن الضربة العسكرية الإسرائيلية من المحتمل جدا أن تكون غير فعالة لا سيما في ظل صغر حجم القوة الجوية الإسرائيلية وانخفاض قدرتها، الأمر الذي يعني أنه لن يكون بمقدور هذه الضربة أن تدمّر المنشآت النووية الإيرانية. في المقابل فإنه من المحتمل جداً أن ترد طهران الضربة الإسرائيلية إلى القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة والتي يزيد عددها على 200,000 فرد. وإذا ما حدث ذلك ستتضرر جهود أوباما لتحسين علاقات الولاياتالمتحدة بالعالم الإسلامي والتي بدأها في العام الماضي مع خطابه في القاهرة. الأكثر من ذلك أن القيام بأية ضربة عسكرية ضد إيران من شأنه إضعاف موقف الدول الحليفة للولايات المتحدة في الحرب ضد القاعدة وضد الإرهاب؛ إذ سيكون من الصعب عليهم التعاون مع واشنطن. كما سيقوّض مثل هذا العمل مراكز حكومات الدول الأكثر أهمية في المنطقة والتي ترحب بالوجود الأمريكي في المنطقة، حيث سيتعين على حكومات دول مثل الأردن وتركيا وباكستان وإندونيسيا أن تفسّر لشعوبها الغاضبة ضرورة عقد تحالف مع الولاياتالمتحدة الموالية لإسرائيل، والتي لا تتوانى عن ضرب أيّ دولة إسلامية. وأخيراً يحدد المقال ثلاث نقاط، من اللازم لفت انتباه قادة إسرائيل إليها حتى لا تتورط تل أبيب في أية ضربة عسكرية ضد إيران، وهذه النقاط هي: * أن مثل هذه الضربة تمسّ الأمن الأمريكي بشكل مباشر، خاصة وأن القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة مكشوفة تماماً أمام أي عمل انتقامي يمكن أن تقوم به إيران ردا على أي ضربة.
* سيؤدي وجود القنبلة النووية الإيرانية إلى تقوية (وليس إضعاف) الالتزام الأمريكي بحفظ الأمن في الشرق الأوسط؛ إذ ستحتاج واشنطن إلى مشروع أكثر قوة لنشر مظلة نووية أمريكية لحماية أصدقاء واشنطن في المنطقة، بحيث تصبح إيران على وعي تام بأن قيامها بأي ضربة نووية ضد أي من الدول الصديقة لواشنطن في المنطقة سيترتب عليه بالتأكيد ضربة انتقامية أمريكية.
* لن تكون إسرائيل وحيدة في مواجهة إيران إذا ما تمكنت الأخيرة من بناء القنبلة النووية؛ إذ لن تكون الدولة الوحيدة التي ستشكل هذه القنبلة تهديدا لها. وينتهي المقال بالتأكيد على أنه من الصعب على تل أبيب أن تقوم بتوجيه ضربة إلى إيران، إذا ما أعلنت واشنطن إنها تعارض توجيه مثل هذه الضربة، خاصةً إذا ما جددت واشنطن التزامها طويل المدى بحفظ أمن الدول الصديقة لها في منطقة الشرق الأوسط.